من الذي يمثل الفلسطينيين اليوم؟ خمسون عاما بعد تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» في الكويت عام 1958 المسألة ليست حجة إسرائيلية تستخدم لتجنب الدخول في مسار المفاوضات تكون أثمانها مكلفة، فالحركة الوطنية الفلسطينية التي تجسدت في حركة «فتح» تاريخيا، تعاني حالياً من الوهن التاريخي: إنها في أزمة، بعد أن تيبست مفاصلها من جراء الانقسامات والتشققات. فهل شكل مؤتمر فتح السادس الذي عقد مؤخرا فرصة لاستعادة الحركة الوطنية الفلسطينية مسيرتها النضالية؟ أزمة التمثيل والاستراتيجية... بعد أربع سنوات من التحضير، انعقد المؤتمر السادس لحركة فتح يوم الثلاثاء 4 أغسطس في إحدى مدارس مدينة بيت لحم، للمرة الأولى في الأراضي المحتلة، وشارك فيه نحو 2300 مندوب جاؤوا من مختلف أنحاء العالم. وغاب عن المؤتمر مندوبو الحركة في غزة الذين لم تسمح لهم حركة «حماس» بالسفر رداً على عدم الإفراج عن معتقليها في سجون السلطة في الضفة الغربيةالمحتلة. وانتخب المؤتمر عثمان أبوة غريبة رئيساً له، وصبري صيدم وأمين مقبول نائبين له، كما عين سفير فلسطين في القاهرة نبيل عمرو ناطقاً رسمياً باسمه. هذه الولادة القيصرية لمؤتمر حركة فتح تؤكد على الأزمة الكبيرة التي تعاني منها الحركة، وعلى عسر العمل في هيئاتها، وآلياتها، ولكنها تؤكد أيضا على الرهان الكبير على هذا المؤتمر، الأول منذ عشرين سنة. وكان المؤتمر الخامس قد انعقد في تونس في العام 1989 برئاسة مؤسس حركة فتح الراحل ياسر عرفات، الذي مهّد لتوقيع اتفاق اوسلو في العام 1993. مرجعية أوسلو التي التزمت بها القيادة الفلسطينية (مفاوضات سرية انتهت بتوقيع إتفاق إعلان المبادئ أوسلو في البيت الأبيض بتاريخ 13/09/1993 والذي أسقط المطالب الفلسطينية كافة، وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية بقرار من منظمة التحرير الفلسطينية)، وتعمل اليوم بمرجعيتها لإقامة «دولة فلسطينية» في الضفة الغربية وقطاع غزة، شكلت إخفاقاً حقيقياً. وهكذا، فإن القيادة الفلسطينية التي تؤمن بالمعادلات الدولية أساساً، وتراهن على أن تأتي لها هذه المعادلات بحل قد تبخرت آمالها مؤخراً، لأن الدولة الفلسطينية التي تعلن عزمها الإعلان عنها لا تستند ولو شكلياً إلى القرار 181، ولا إلى مرجعية مدريد، ولا إلى المرجعية النضالية، لأن «مرجعية أوسلو» لا يمكن أن يتمخض عنها دولة ذات سيادة. وأية دولة بلا سيطرة فعلية على الأرض، وبلا سيادة، هي أشبه ببانتوستانات داخل الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين. وفضلاً عن ذلك، ينبع رفض الحركة الإسلامية بشقيها «حماس» و«الجهاد»، لاتفاق أوسلو، وبالتالي لإلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني، من قناعتها أن الرئيس الراحل عرفات حين أقدم على هاتين الخطوتين الخطيرتين في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، إنما أسقط بذلك كلياً النظام السياسي الفلسطيني الذي كان قائماً قبل أوسلو، بوصفه نظام حركة تحرر وطني تناضل من خارج أراضيها، من أجل تحرير فلسطين كلها، حيث كانت منظمة التحرير الفلسطينية تمثل العمود الفقري لهذا النظام السياسي، الذي كان خاضعاً إلى حد كبير لتدخلات القوى الإقليمية الفاعلة لجهة رسم سياساته وحركاته السياسية منذ تشكله. وكانت العودة المظفرة لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها الزعيم الراحل ياسر عرفات في عام 1994، قد خلقت شرخا تاريخيا مع فلسطينيي الشتات الموزعين في مخيمات اللاجئين، المنتشرة في بلدان الطوق العربية. وكان خلق فتح والأفق الاستراتيجي لقيادتها الذي كانت تتحكم فيه رؤية إقليمية عزلت الثورة الفلسطينية، وأكدت على «فلسطنة» القضية التي ظلت لفترة طويلة توظفها دول الطوق العربية لخدمة مصالحها القطرية، هما من نتاج المخيمات، وكانا موجهين ضد نخبة فلسطينية متهمة بالإخفاق في مواجهة المشروع الصهيوني. وتشهد المسيرة التاريخية للرئيس الراحل ياسر عرفات أنه كان ولا يزال الرجل الذي عرف كيف يوحد على اسمه الشعب الفلسطيني الذي مُحِيَ فيزيائياً من أرضه أولاً، عن طريق تهجير سكانه في عام 1948. ومُحِي سياسيا أيضاً بعدم الاعتراف بحقوقه الوطنية المشروعة في الاستقلال وتأسيس دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس. والكل يتذكر جيّداً الجملة الشهيرة التي قالتها رئيسة الحكومة الصهيونية غولدا مائير في بداية السبعينات من القرن الماضي «الفلسطينيون غير موجودين، إنهم عرب». وهي طريقة أرادت أن تقول من خلالها ان الفلسطينيين ليس لهم الحق في تكوين دولة.