لعل كبار المسئولين في البلد، أصحاب إنشاء القرية الذكية، أن يكون لديهم علم عن شيء اسمه مشكلة القمامة أو القذارة أم الزبالة شوارع وخرائب وميادين مصر من أقصاها إلي أقصاها، عبارة عن تلال وأكوام من القمامة طبعاً باستثناء الشوارع الرئيسية التي يمر بها كبار القوم، وكذا الشوارع والمناطق التي يقطنون بها، أما ما عدا ذلك من شوارع أو مناطق، حتي أرقي الأحياء السكنية، كل شوارعها عبارة عن أكوام قمامة ملقاة في كل جانب وربما في نهر الطريق أيضاً. شوارعنا أصبحت الآن أرضاً خصبة لجميع القوارض والحشرات والحيوانات الضالة وطبعاً الذباب والباعوض وما يترتب علي كل ذلك من أمراض وأوبئة. كيف فكر كبار المسئولين عندنا في إنشاء قرية ذكية علي أعلي مستوي علمي وحضاري وطبعاً نظافة وتنسيق وجمال، في الوقت، الذي نسوا فيه أن في مصر شيئاً اسمه مشكلة القمامة وتنظيف الشوارع، ناهيك عن الأشجار والزهور وما إلي ذلك التي انقرضت تماماً من شوارعنا، ولكن المطلوب فقط هو تنظيف الشوارع ورفع القمامة الملقاة في كل جانب فيها درءاً للأمراض والروائح الكريهة. من غير المعقول أن مصر التي كانت تغسل شوارعها يومياً في المساء بالماء والصابون، حتي شوارع الأحياء الفقيرة، فكانت تنظف، ثم ترش شوارعها يومياً مرة أو مرتين بالماء التي تجرها عربات بالبغال. لم تكن تعرف في مصر منذ ما يزيد علي 55 عاماً شيئاً اسمه مشكلة نظافة أو قمامة أو قذارة، ثم دارت الأيام والسنون والمفروض أننا نتقدم إلي الأمام، إلا أنه مع الأسف الشديد تخلفنا كثيراً إلي الوراء، فحتي يومنا هذا، لا نستطيع أن ننظف شوارعنا أو ننسقها أو نجملها. مصر كانت وبحق أم الدنيا، والإسكندرية كانت وبحق عروس البحر الأبيض، رحم الله هذا الزمان ورجال وأبناء هذا الزمان. منذ ما يزيد علي ثلاثين عاماً ونحن لدينا مشكلة رفع القمامة والنظافة بصفة عامة، ما الذي جري لنا؟ وأين الضمير والأخلاق والقيم والانتماء التي كنا نتحلي بها في الماضي؟ أين حب مصر الحقيقي والانتماء الوطني الذي كان هو من وراء تقدمنا ونظافتنا وجمال بلدنا؟ نحن لا ننكر أن هناك مجهودات بذلت طوال هذه السنوات الماضية، ولكن كل ما بذل من مجهودات أو إنجازات كانت بمثابة قطرة في بحر احتياجات هذا الشعب وهذا البلد. نحن في زيادة مستمرة دون أن نقدم علي عمل جاد أو إنتاج متميز أو حب للوطن، كلامنا أكثر بكثير جداً من أفعالنا. أغلب ما يقال لنا من كبار مسئولينا كلام فارغ لا يعدو أن يكون حقناً ومسكنات حتي يهدأ شعبنا ولا يفيق من غيبوبته المتعمدة. منذ سنوات بعيدة فرضت علينا الحكومات المتعاقبة عدة رسوم خاصة بالنظافة، آخرها ما أضيف إلي فواتير الكهرباء وتقبلنا هذا الإجبار بصدر رحب، لعله يكون فيه الخلاص من هذه المشكلة العقيمة ونسعد بنظافة شوارعنا ويعود لها جمال تنسيقها وخضرتها. وللعلم، فإن هذه الرسوم الأخيرة التي فرضت علينا جميعاً، كان من المفروض أن تشمل رفع القمامة من عند المساكن والمنازل بدلاً من متعهدي جمع القمامة وتوفيراً لما يحصلون عليه منا. ولكن، ومع الأسف الشديد، فالذي حدث أننا أصبحنا ندفع مرتين، مرة لحساب الحكومة ومرة لحساب متعهد رفع القمامة، لأن الحكومة تقاعست عن وعدها برفع القمامة من المنازل والمساكن. ويا ليت الأمر قد صار علي خير ما يرام بالنسبة لتنظيف الشوارع وتنسيقها، ولكن ومع الأسف الشديد ورغم تكبدنا رسوماً باهظة ندفعها كل شهر مع فاتورة الكهرباء، فإن الحكومة قد تقاعست أيضاً عن تنظيف الشوارع التي هي مسئوليتها الأولي والأخيرة. لقد سألت أحد العاملين بنظافة الشوارع عن السبب في عدم حضورهم يومياً لأداء واجبهم، فأجابني بأنهم لا يحصلون علي أجورهم، الأمر الذي دعا الكثير منهم للامتناع عن العمل، مما ترتب عليه قلة العاملين وبالتالي عدم قدرة العاملين الحاليين من تنظيم الشوارع كلها وأصبحت النظافة مرة كل أسبوع أو عشرة أيام حسب التساهيل. وفي الأولويات، أن النظافة من الإيمان، ولكن يبدو أن كبار مسئولينا، انصرف إيمانهم إلي الكرسي فحسب. أما النظافة ومستقبل الشعب ورفع الأمراض والمعاناة عنه، فهذه أمور لا يؤمنون بها علي الإطلاق. المصيبة الكبري، هي ظهور مرض الطاعون علي الحدود الغربية للبلاد. والمعروف أن هذا المرض ينتقل عن طريق البراغيث التي تعيش مع الفئران وباقي القوارض الأخري. ومن المعروف أيضاً، أن القمامة والقاذورات هي المرتع الخصب لهذه القوارض، فإذا ما تركنا القمامة بالوضع الذي هي عليه وتركنا فقراءنا يعيشون مع القاذورات والمستنقعات التي تحيط بهم من كل جانب، وإذا لا قدر الله تسلل إلينا هذا المرض اللعين فسيحصد من عندنا أرواحاً كثيرة لكثرة القاذورات والقمامة والمستنقعات التي توجد، خاصة في الأماكن الفقيرة، وكذا الأماكن البعيدة عن إقامة كبار القوم. وفضلاً عن ذلك، ها هو الجراد ينوي أن يزحف علينا، وها هي الحمي القلاعية تهدد حيواناتنا. المهم أن القمامة وبالتالي النظافة أصبحت في مصر مشكلة عضالاً لم نستطع القضاء عليها منذ زمن بعيد. وربما نكون نحن في عداد الدول القليلة التي لديها مثل هذه المشكلة. الذي يحز في نفسي ويؤلمني جداً أنني شاهدت مصر وقت أن كانت شوارعها نظيفة وأشجارها مورقة وأرصفتها ممهدة وصناديق القمامة معلقة في كل أعمدة الإنارة في الشارع، وتحسرت في نفسي متسائلاً، ماذا جري لنا وإلي أين نحن ذاهبون؟ قذارة في الشوارع زحام في الطريق تلوث في الهواء وفي كل شيء، الأمراض تحيط بنا من كل جانب. كان الله في عوننا وفي عون هذا الشعب المسكين المغلوب علي أمره. *الوفد