تبدأ لبنان اليوم عهدا جديدا مع بدء عمل المجلس النيابي المنتخب وتعكس خطوة الإسراع ببدء عمل البرلمان الجديد وإعادة انتخاب نبيه بري رئيسا للسنوات الأربع المقبلة استقرارا في المؤسسات اللبنانية وتراجعا في حدة الخلافات بين القوي السياسية تمهيدا لتشكيل الحكومة وهو الموضوع الأصعب والذي لن يمر بنفس السهولة التي مرت بها عملية الاستحقاق النيابي. وتؤكد جريدة الأهرام ان كل المؤشرات ترجح أن تكون هناك صعوبات كبيرة في عملية تأليف الحكومة وستمارس القوي السياسية أقسي أنواع الضغوطات بهدف انتزاع أكبر عدد من الحقائب الوزارية في ظل كثرة عدد هذه القوي ومحدودية الحقائب. وقد يكون التدخل الإقليمي مقبولا قبل انتخاب الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان لكنه لن يكون مناسبا الآن في ظل وجود الرئيس وعليه ستقع المسئولية الكبري في التوفيق بين تطلعات المعارضة ورغبات الأكثرية وهو معادلة صعبة جدا والذي يعطي انطباعات إيجابية هو تكرار التصريحات المشجعة من هنا وهناك والتذكير بأن الفترة المقبلة لا تحتاج إلي التوتير. هناك شبه إجماع علي أن النائب سعد الحريري رئيس كتلة المستقبل النيابية أكبر كتلة برلمانية هو المرشح الوحيد لتشكيل الحكومة الجديدة بل يعد الحريري مطلبا للمعارضة قبل الأكثرية علي اعتبار أن البديل ربما يكون إعادة ترشيح السنيورة وهو أمر لو حدث ستعتبره المعارضة تحديا غير مبرر. و الخلافات التي يخشي منها البعض ستبدأ حول توزيع الحقائب الوزارية وإصرار كل فريق سياسي علي عدد معين من الحقائب كما حدث في الحكومة السابقة والتي تعطلت كثيرا بسبب هذه الخلافات. كما تبرز مشكلة أكثر صعوبة حول أحقية بعض القوي التي لم تتمكن من الفوز بعدد كاف من أعضاء البرلمان في تولي حقائب وزارية وطموح القوي الأخري التي أصبح لها تمثيل نيابي يزيد عن الدورة السابقة. وتجمع الغالبية والمعارضة علي الصعوبة في عملية المحاصصة دون أن يظهر أي طرف مرونة ما في التنازل.وستبدأ فعليا من اليوم مرحلة تصفية الحسابات الانتخابية بكل معني للكلمة ففي المعارضة سيكون هناك نوع من الرفض لبروز بعض الأسماء والعمل علي تحجيمها وفي مقدمتها النائب ميشال المر والذي يشغل نجله منصب وزير الدفاع بعد أن أخفقت لائحة المر في الانتخابات وخاض معركة كلامية كبيرة مع تكتل التغيير والإصلاح كما أن الأخبار المعلنة التي تصدر عن العماد ميشال عون رئيس تيار التغيير والإصلاح تقول أنه يتمسك هذه المرة بمطالبه دون تنازل وستكون في تقلد كتلته ما يزيد علي خمس حقائب وزارية في الحد الأدني غير حصة المعارضة وسيكون عون عنيدا في مطالبه بعد الحملة الكبيرة التي يقول إنه تعرض لها خلال الانتخابات من جانب قوي الأكثرية وكانت مدعومة من البطريرك الماروني مار نصر الله صفير. ولن يكون خافيا علي احد أن النائب سعد الحريري المرشح بقوة لرئاسة الحكومة يطالب بأن تتاح له الفرصة في تشكيلة حكومية تساعده في بداية عهده ولا يبدأ التجربة بصعوبات داخل الحكومة وهو مطلب طبيعي. وربما لو أصر البعض في فرض اسماء بعينها يكون قراره مفاجأة كبري. ويحرص الحريري ومنذ الساعة الأولي التي أعقبت فوز قوي14 آزار بالأكثرية علي أن يظهر أمام وسائل الإعلام وأمام الرأي العام اللبناني أنه أصبح متمرسا في السياسة والإدارة وأن فترة السنوات الأربع الماضية التي تحمل فيها المسئولية بعد مصرع والده كانت كافية للنضج السياسي وتبوؤ المنصب. وتحرك سريعا وعقد اجتماعات ذات دلالة مع قيادات لبنانية كما قام بجولة عربية حرص خلالها علي عدم الإدلاء بتصريحات حتي لا يفسر كلامه من الداخل بشكل لا يخدمه. ويتوقع بكل تأكيد أن يمر بصعوبات كبيرة خلال مرحلة الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل الحكومة تأتي من رفع القوي السياسية في المعارضة لمطالبها وحتي من داخل قوي الأكثرية فهناك شخصيات غير قليلة يقال إنها حصلت علي وعود بالتوزير مقابل عدم الترشيح في الانتخابات. المعارضة حتي الآن لم تكشف بشكل نهائي عن موقفها من تشكيلة الحكومة ولا الأكثرية أفصحت عن نواياها تجاه المعارضة وكل طرف أطلق اليد لبعض النواب في التحدث عن شروط وشروط مضادة. ويعلن كل فريق أنه ينتظر ماذا يقدم الآخر للرد عليه وهي لعبة قد تطول وربما تقصر. ويبدي رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان تفاؤلا كبيرا بالمرحلة المقبلة تعكسه بدون شك التصريحات المهمة التي صدرت عن قيادات المعارضة وفي مقدمتها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي أكد أن المعارضة لن تعوق تشكيل الحكومة وتمد اليد وتوج ذلك بلقاءين منفصلين مع الحريري والنائب وليد جنبلاط الخصم اللدود الذي سبق لنصر الله أن وصفه العام الماضي بأوصاف قاسية اعتقد بعدها البعض أن لا يمكن حدوث أي تلاق فيما بين نصر الله وجنبلاط لكنها السياسة في لبنان تبدو سقوفها مرتفعة ثم سرعان ما تنخفض حتي تتلاشي. وتبدو هناك مخاوف من أن لا يتمكن لبنان من أن يجتاز الاستحقاقات الدستورية المقبلة بهدوء ومسئولية وأن تصبح عقبة تشكيل الحكومة نقطة للانطلاق لبدء دورة جديدة من الخلافات. ويطمئن اللبنانيين وجود رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وهو رئيس يمد جسور التفاهم مع جميع الأطياف السياسية وينتهج سياسة قائمة علي الحوار وعدم تصعيد الخلافات تحت أي ظرف. وبطبيعة الحال في كل حكومة يدور الخلاف حول الحقائب المسماة بالسيادية والتي أصبحت من بينها في لبنان وزارة الاتصالات والترشيحات تشير إلي أن هذه الوزارات باستثناء الاتصالات ستكون من الحصة التي يختارها رئيس الجمهورية. وبعد ذلك تشتد المعركة علي بقية الحقائب خاصة الخارجية والمالية فالخارجية يشغلها الوزير فوزي صلوخ وهو محسوب علي حركة أمل والمالية يشغلها الوزير محمد شطح وهو من اختيار فؤاد السنيورة. وهناك بعض الأصوات من قوي الأكثرية تطالب بأن يكون وزير الخارجية منها وأن يحدث التغيير بعد ان شغل صلوخ المنصب لسنوات طويلة وفي كل مرة تطلب الأكثرية حقيبة الخارجية ترد المعارضة بطلب حقيبة المالية وهنا سيبدو المشهد صعبا فيما لو عاد السنيورة لمنصب وزير المالية الذي شغله من قبل وفي عهد رفيق الحريري 15 عاما الأيام المقبلة حاسمة في المشهد اللبناني وإختبار حقيقي للنوايا ومؤشر مهم جدا لمدي تبعية لبنان لما يحدث خارج أراضيه سواء في الدول العربية أو في إيران. وفي نفس السياق جاء بجريدة الرأي العام الكويتية تحت عنوان "بعد أربعة أعوام وأربعة أشهر على اغتيال رفيق الحريري رئيس الحكومات الخمس سعد الحريري يشق «الممر الآمن» إلى... السرايا الحكومية ... بعد اربعة اعوام واربعة اشهر على اغتيال رفيق الحريري، رئيس خمس حكومات لبنانية بين 1992 و 2004، تتجه الانظار نحو نجله، زعيم الغالبية البرلمانية سعد الحريري، المرشح للانضمام الى نادي رؤساء الحكومة للمرة الاولى، عبر تولي رئاسة الحكومة العتيدة، بعدما حقق مع حلفائه في تحالف «14مارس» انتصاراً مرموقاً في الانتخابات النيابية التي جرت في السابع من هذا الشهر (71 مقعداً مقابل 57 للمعارضة). مؤكدة انه في ليلة الافراج عن نتائج الانتخابات، القى الحريري خطاباً «هادئاً»، قالت يومها اوساط في الاكثرية البرلمانية انه «برنامجه كرئيس للحكومة»، وسرعان ما انتقل الى السعودية، وسط انطباع في بيروت بان الحريري الذي نجح ب «جدارة» في ادارة الارث السياسي لوالده، لم يعد يهاب ترؤس الحكومة، لكنه يحتاج الى «ضمانات» تتيح له قيادة «حكومة استقرار»، ما جعل موقف سورية والمعارضة تحت المعاينة. وتساءلت جريدة الرأي العام ماذا عن موقف سورية وحلفائها في بيروت من ترؤس الحريري للحكومة؟ وماذا عن علاقة الحريري بسورية كرئيس مرتقب للحكومة؟ هل يفتح تفاهم سعودي - سوري الطريق امام الحريري الى السرايا الحكومية؟ هل سيعاود «حزب الله» المطالبة ب «الثلث المعطل» في حكومة ما بعد الانتخابات؟ وما هي الضمانات التي تريدها المعارضة لتسهيل مهمة الحريري و«حكومته»؟ واي موقع لرئيس الجمهورية «التوافقي» في ادارة التوازنات الجديدة. اسئلة كثيرة طرحت وب «مكبرات الصوت» قبل عودة الحريري من الرياض عن طريق القاهرة، واقترنت ب «تحريات» متواصلة عن طبيعة الاتصالات السعودية - السورية ومراقبة السقوف المتفاوتة في موقف المعارضة، في الوقت الذي لم يكن «حزب الله» قال كلمته في شأن الحكومة وصيغها وبيانها الوزاري وما اشيع عن ضمانات يريدها. اوساط وثيقة الصلة ب «حزب الله»، قالت ل «الراي» ان الحزب يدعم وصول الحريري لرئاسة الحكومة، ورأت في سياق تظهير صورة الاستحقاق الحكومي و«ملابساته» ان الامر يرتبط بمجموعة من العوامل، في مقدمها: • حصول تفاهم اقليمي سوري سعودي، تريد منه الرياض تجربة مريحة وناجحة للحريري في رئاسة الحكومة، وترغب عبره دمشق في قيام علاقات مريحة مع بيروت وحفظ دور المقاومة في اطار المعادلة الاقليمية. • الحصول، وبمعزل عن حجم الحصص داخل الحكومة، على ضمانات من رئيس الجمهورية «التوافقي» ميشال سليمان ومن الحريري كمرشح لتولي رئاسة الحكومة تتناول بعض الملفات الاساسية التي تفترض توافقاً مسبقاً، كقانون الانتخاب الجديد والتعيينات في المفاصل الاساسية في الدولة وما شابه. • تأكيد ما هو مؤكد في مقاربة ملف سلاح المقاومة، الذي صار على طاولة الحوار وخارج نطاق التداول السياسي والاعلامي، والانصراف الى مناقشة سبل مواجهة التحديات المتزايدة في المنطقة مع الجنوح الاسرائيلي المتمادي نحو التطرف. وفي اعتقاد هذه الاوساط، ان التفاهم السوري السعودي من شأنه اختصار الكثير من المصاعب وضمان ولادة طبيعية وهادئة للحكومة العتيدة، ومن دونه فانه سيكون من الصعب توقع طبيعة المرحلة المقبلة، مرجحة احتمال حصول تفاهم تمليه مصلحة الطرفين.غير ان بعض اطراف المعارضة لم تنظر ب «ارتياح» الى المدة الطويلة نسبياً التي امضاها الحريري في الرياض، ورأت في هذه المسألة بمثابة مؤشر لصعوبة الحوار الدائر على الطريق بين الرياضودمشق، مرجحة في حال انسداد الافق في وجه التفاهم الاقليمي ارتفاع حظوظ الرئيس فؤاد السنيورة لتولي رئاسة الحكومة. اوساط بارزة في الغالبية البرلمانية قللت من اهمية هذه الاشارة، وابلغت «الراي» ان الحريري بات بحكم رئيس الحكومة المرتقبة، لافتة الى مجموعة من المعطيات الحاسمة في هذا الاتجاه، ومنها: • التأييد السوري العلني (غير الرسمي) لترؤس الحريري للحكومة في ضوء تفاهم بين الرياضودمشق املته عملية التطبيع منذ قمة الكويت. • الاشارات السورية المتزايدة في مقاربة المتغيرات، فكان للرئيس بشار الاسد خمس اطلالات على الاقل عبر وسائل اعلام غربية اخيراً، قال فيها الكثير عن المحكمة الدولية والمفاوضات مع اسرائيل وما شابه. • اطمئنان «حزب الله» الى امكان قيام تجربة تعاون مع الحريري شبيهة بتلك التي كانت قائمة بين الحزب ووالده تحت سقف التعايش بين الدولة والمقاومة. • البراغماتية التي ميزت اعتراف «حزب الله» بنتائج الانتخابات النيابية، والتي دفعته الى اسقاط مطلب «الثلث المعطل» والاستعاضة بالسعي للحصول على ضمانات للمقاومة في البيان الوزاري. • المكانة التي يحتلها القرار 1701 في المعادلة الجديدة، ف «حزب الله» غير منزعج من هذا القرار الذي كان شريكاً فيه، خصوصاً بعدما اسقط الغرب من خطابه القرار 1559 . وفي تقدير هذه الاوساط البارزة في الاكثرية ان لبنان يتجه نحو مرحلة طويلة الامد من الاستقرار لن يعكرها الا حصول عمل عسكري ما ضد ايران او تعرض لبنان لعدوان اسرائيلي او حصول تطورات امنية غير محسوبة.