الاهرام : 11/3/2008 لحسن حظ روسيا الاتحادية أن رئيسها السابق فلاديمير بوتين لم يستمع إلي نصائح الذين أشاروا عليه بالبقاء في منصبه رئيسا لبلاده وآثر ألا يلجأ إلي تعديل أو مخالفة الدستور ليبقي فترة ولاية ثالثة كما توقع الكثيرون!! وإن كان قد نجح في أن يضع خليفته ونقاوة يديه ديمتري ميدفيديف في المركز الذي جعل ترشيحه وانتخابه بأغلبية تجاوزت70% مسألة محسومة وأن يبقي هو أي بوتين في السلطة كرئيس للوزراء بحيث يظل قادرا علي التأثير في صنع القرار والمشاركة فيه. ربما يحتج الكثيرون في الغرب وهو ما لا نملك نحن في العالم العربي ترف ممارسته بأن هذا التغيير لا يرقي إلي ما يعد تداولا للسلطة طبقا للمعايير الديمقراطية. ولكنه يعد في كل الأحوال تغييرا مفتوحا لاحتمالات لا يمكن القطع بها تختلف اختلافا بينا عن التوريث الذي لا تكاد تنجو من ظلاله دولة عربية, كما يختلف عن فرض شخص بعينه مسنود بقوة الجيش أو المخابرات, تتهيأ له فرصة القفز علي السلطة دون إرادة شعبية.. ففي حالة ميدفيديف جري التصويت عليه بعد معركة انتخابية بين أربعة مرشحين, وأقبل أكثر من62% من الشعب الروسي علي الإدلاء بأصواتهم في انتخابات غير مجروحة وبرقابة دولية. ميدفيديف الذي عمل نحو عشرين سنة في ظل بوتين, قد لا يخرج بسهولة من جلبابه ولكنه يختلف في تركيبته وخلفيته عن بوتين الذي جاء من المخابرات الروسية كي.جي.بي وظل مرتبطا بها طوال سنوات حكمه حتي اتهم بأنه حول النظام السياسي من بدايات الديمقراطية إلي نظام سلطوي.. سيطر فيه علي وسائل الإعلام وعلي رجال الأعمال وقمع كثيرا من معارضيه! إلا أنه برغم كل الانتقادات التي وجهها الغرب إليه, لأسباب ليس أقلها أنه انتهج سياسة خارجية أعادت إلي روسيا مكانتها وموقعها في التوازنات الدولية, لم ينكص علي عقبيه إلي أسلوب الحكم الشمولي وسعي إلي إحداث نقلة نوعية علي طريق الديمقراطية قد تبدو طفيفة ولكنها جنبت الشعب الروسي مخاطر ما حدث في معظم الجمهوريات السوفيتية السابقة, كما حدث في الثورة البرتقالية في أوكرانيا.. التي أعطت للغرب ذرائع للتدخل بحجة الانتصار للديمقراطية. وربما ترجع ثقة الشعب الروسي في اختيار بوتين لميدفيديف خلفا له إلي حالة الرخاء التي تحققت علي يدي بوتين حيث ارتفع متوسط دخل الفرد وهبطت نسبة البطالة وحققت مؤشرات التنمية الاقتصادية معدلات كبيرة بفضل ارتفاع أسعار النفط والغاز واستعاد الشعب الروسي ثقته بنفسه بعد نكسة انهيار النظام الشيوعي. كثيرون في الغرب يقللون من أهمية التغيير الذي شهدته روسيا.. ولكن أي تغيير مهما يكن حجمه له دينامياته وآلياته.. ويختلف الرئيس الجديد ميدفيديف في أنه يمثل جيلا مختلفا عن بوتين ويأتي في وقت تشهد فيه أمريكا تغييرا مهما في إدارتها.. وتلك هي حكمة التغيير في أي بلد في العالم.. ألم تر أن وقوف الماء يفسده؟! الى مزيد من الاقلام والاراء