المصري اليوم: 11/ 3/ 2009 قد تبدو فكرة أن مصر دولة خليجية نوعاً من الخيال الاستراتيجى، لكننى سأحاول فى هذا المقال أن أطرح هذه الفكرة الجديدة ضمن تصور استراتيجى لأمن الخليج من منظور الأمن الإنسانى، وهو منظور جديد لفكرة الأمن الإقليمى يجعل من تصورنا لمصر على أنها دولة ذات دور خاص فى مسألة أمن الخليج ليس ضرباً من الخيال. فمن يتذكر غزو صدام للكويت قد لا تفوته ملاحظة اختلال فكرة الأمن لدى البسطاء من المصريين عندما عاد بعضهم من الكويت حفاة بعد أن فقدوا كل حصيلة تعبهم وغربتهم، وهذا ما رأيته يومها بعينى فى قرى الصعيد. وليس لدىّ شك فى أن النبهاء من القائمين على رسم التصورات الاستراتيجية للدور المصرى فى المرحلة المقبلة قد تدفعهم فكرة كهذه لمناقشة الدور المصرى الجديد فى ورشات عمل خاصة داخل وزاراتهم المختلفة. بداية، إن فهم الدور المصرى فى المرحلة المقبلة المليئة بالمخاطر والفرص ودور مصر «كدولة خليجية»، يعتمد على معطيات، بعضها جديد والآخر قديم. أول هذه المعطيات هو التوافق المصرى - السعودى الذى نراه اليوم، وهو أمر جاء فى فترة الرئيس مبارك، ولم يكن موجوداً فى عهد السادات، ولا فى عهد عبدالناصر. الأمر الثانى هو تمدد النفوذ الإيرانى الذى لم يعد مقتصراً على دول الخليج بل امتد إلى ما يمكن تسميته بالدول ذات الهوى الشيعى الثقافى أو الحضارى، كما فى حالتى المغرب ومصر. فقد رأينا أخيراً المغرب يقطع علاقته بطهران نتيجة للعبث الإيرانى فى الصيغة الداخلية للمجتمع المغربى، وهى صيغة ليست بالبعيدة عن الصيغة المصرية التى يؤمن فيها الناس بالتفسير المالكى للفقه الإسلامى، مع تعلق عاطفى بآل البيت وتراثهم، واستغلال إيران لهذا التقارب المشاعرى كأداة اختراق لهذه المجتمعات. أما المعطى الثالث فهو حجم العمالة المصرية فى دول الخليج والذى يصل اليوم إلى أكثر من مليون مواطن مصرى يعملون فى المملكة العربية السعودية وحدها، وإلى ما يقرب من ربع مليون مصرى يعملون فى دولة الكويت، وحوالى مائة ألف مصرى يعملون فى دولة الإمارات العربية المتحدة. وبذا قد يصل عدد المصريين العاملين فى الخليج إلى حوالى مليون ونصف المليون أو مليونى نسمة، وإذا أضفت إليهم أسرهم التى تلتحق بهم ستجد أنك أمام حالة يكون فيها ثلاثة ملايين نسمة من المصريين يعيشون فى الخليج. هذا الحجم من البشر هو أكبر من عدد سكان بعض الدول الصغيرة فى الخليج، وبالتأكيد أكبر بكثير من عدد سكان البلد الأصليين فى دولة مثل الإمارات العربية المتحدة. فى ظل وضع مضطرب فى الخليج عامة، تغلى فيه التفاعلات التى تؤثر على الهوية الوطنية لدول الخليج، وبالمقابل حدوث التفاعل الثقافى المعاكس الذى أدى ببعض المصريين إلى اعتماد الكثير من العادات الخليجية فى الملبس والمزاج الثقافى العام الذى قد يصل أحياناً إلى اتباع التفسير الدينى لبعض الدول الخليجية فى كثير من المسائل الفقهية والشرعية، قد يحق لنا أن نتصور فى إطار كل هذا أن مصر يمكن أن تكون أمنياً وثقافياً دولة خليجية. أما من حيث الجوانب الاستراتيجية البحتة، فيمكننا القول إن لمصر سواحل بحرية، قد تكون هى الأطول، مع المملكة العربية السعودية التى تعد الدولة الأهم والشقيقة الكبرى فى دول مجلس التعاون الخليجى. مصر كانت فى تاريخها الحديث تدرك دائما أهمية مسألة أمن الخليج بالنسبة إليها، وهذا ما دفع بها إلى التدخل فى شؤون دول الخليج أكثر من مرة، تدخل كان يصل إلى حد إرسال الجيش المصرى إلى خارج الحدود. بعض هذا التدخل كان حميدا ويصب فى مصلحة مصر والمنطقة عموما، حين قامت مصر بكبح جماح الرغبة العراقية الجارفة فى دمج الكويت بالعراق فى حالتى كل من عبدالكريم قاسم الذى كاد يدخل الكويت فى عام 1962 وتصدى له جمال عبدالناصر فى حينها، وحالة صدام حسين حين تدخل الجيش المصرى مباشرة فى تحرير الكويت عام 1991 ضمن تحالف أوسع شمل الولاياتالمتحدة ومصر وسوريا والسعودية وقوات من دول أخرى. أما التدخل المصرى غير الحميد فكان فى اليمن، كان ذلك تدخلاً سيئاً بالنسبة لأمن الخليج، وكان أسوأ بالنسبة لمصر، وربما كان واحداً من الأسباب الرئيسية التى أدت إلى هزيمة مصر عام 1967. سياسة مصر الخارجية يجب أن تناقش وبجدية فكرة أن أمن مصر هو جزء لا يتجزأ من أمن الخليج، وأن مصر قد أصبحت فعليا دولة خليجية. التفاعلات القائمة، سواء من حيث حركة المصريين فى بلدان الخليج أو من خلال التحركات الدبلوماسية المصرية، كلها تصب فى التصور الذى أطرحه اليوم، والذى يحتاج منا إلى نقاش مستفيض كى يتبلور كمفهوم استراتيجى فاعل.