رام الله – "جدي ولد في المنزل الذي بناه والده قبل زواجه من والدته"، يقول حسن القاضي (أبو محمد) وهو يملك واحدا من بين 88 منزلا في حي البستان بسلوان في القدسالمحتلة يهدد الاحتلال بإزالتها وترحيل سكانها، بحجة إقامة "حديقة عامة". وللقاضي، الذي عمل منذ سن الرابعة عشرة، وحتى السابعة والخمسين، في صناعة الأحذية حكايات مع المنزل الذي ولد فيه، كما والده وجده من قبل. يقول "من الصعب علي سرد جميع ذكرياتي في المنزل الذي شهد الكثير من لحظات الفرح والحزن، (...) أحتاج إلى مجلدات لأكتب ذكرياتي عن منزلنا، وما نقلته عن والدي وجدي". ومن بين الحوادث الكثيرة التي فضل القاضي سردها في حديثه إلى "الغد" وهو يجلس في خيمة اعتصام يقيمها أهالي الحي فوق سطح منزل شقيقه، حادثة وقعت قرب المنزل بعد أيام على احتلال إسرائيل لشرق القدس. وفيها يقول "كنت في الثانية والعشرين من عمري في العام 1967، وحدث اشتباك غريب بين فريقين من قوات الاحتلال، كل فريق ظن الآخر جنودا أردنيين أو مقاومين فلسطينيين يدافعون عن المدينة (...) كنا نراقب عن كثب، وكان حدثا لا أنساه". ويحسد القاضي والدته على أن ذاكرتها لم تعد تسعفها لتدرك جيدا ما يدور حولها، ويقول "لعلها نعمة من الله أن تعيش والدتي حالة من فقدان الذاكرة المؤقت، لأنها لو علمت ماذا قد يحل بنا لسقطت ميتة ربما". ويعلو القاضي (64 عاما)، منزل والدته، وبالكاد استطاع ابتلاع ريقه، حين سألته "الغد" عما سيفعل وأبناؤه وأحفاده الذين ولدوا في المنزل نفسه، إذا ما نفذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تهديداتها بهدم منازلهم في حي البستان بسلوان. لكنه مع ذلك يؤكد "نموت تحت أنقاض المنازل ولا نغادرها، إذا جاءت الجرافات سنواجهها بصدورنا أنا ووالدتي المسنة وأبنائي وأحفادي (...) مستعدون للموت لكننا غير مستعدين على الإطلاق لمغادرة منازلنا مهما كانت النتائج". ويضيف القاضي "سألتني صحافية أجنبية إن كنت مستعدا لتبديل منزلي بمنزل في مكان أفضل، فأجبت من دون تردد بأنني لن أبدله حتى ولو بالبيت الأبيض الأميركي (...) منزلي أفضل منه بكثير، فهو مجاور للمسجد الأقصى (...) نوافذ الأقصى تطل على منزلي، وحين أخرج للشرفة أراه أمام ناظري قريبا (...) أي منزل في العالم أفضل من هذا (...) بالتأكيد لا يوجد". من جهته، يحذر وزير الأوقاف الفلسطيني الشيخ جمال بواطنة من الخطة الإسرائيلية لتهجير أهالي حي البستان في سلوان، والتي يرى أنها لا تنفصل عن خطة أوسع لتهجير المقدسيين من مدينتهم، وتفريغ المدينة المقدسة من محتواها الفلسطيني العربي. ويؤكد أن سلوان بأكملها، بما فيها حي البستان المهدد بالهدم والإزالة، في "سابقة خطيرة من نوعها يجب أن يتحرك العالم بأسره لمنعها"، وقف إسلامي منذ عهد الناصر صلاح الدين الأيوبي. والتهديدات الإسرائيلية ليست جديدة على سلوان. وفي ذلك يؤكد عضو لجنة الدفاع عن أراضي الحي فخري أبو دياب أن "القضية قديمة جديدة، وبدأت فصولها منذ العام 2000 حيث تم إصدار أوامر هدم لكافة المنازل بحجة عدم الترخيص، لكن التحرك على المستوى الإعلامي والشعبي والرسمي حال دون تنفيذ قرارات الهدم". ويوضح أبو دياب أن أهالي الحي شرعوا في إجراءات قانونية وهندسية لتنظيم المنطقة، إلا أنهم عند استيفاء كافة الشروط، فوجئوا برفض المخطط من قبل ما يسمى باللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في بلدية الاحتلال في القدس. ويقول أبو دياب: حضر مسؤول ملف القدس في بلدية الاحتلال، واجتمع مع عددٍ من أهالي حي البستان واللجنة، وعرض عليهم ترك المنازل مقابل أراضٍ بديلة أو إخلاء المنازل لهدمها، إلا أنهم رفضوا أسلوب الترهيب والترغيب على الفور". ويضيف أن "قوة من جنود وشرطة وحرس حدود الاحتلال، وطاقما من موظفي ومفتشي بلدية الاحتلال اقتحموا حي البستان، حيث شرع عمال البلدية بقياس منازل المواطنين في الحي وتصويرها من الداخل والخارج، وتصوير كافة الأزقة والحارات". ويضيف أبو دياب "حي البستان مستهدف لأنهم يعتقدون أن بداية دولة إسرائيل كانت من هذه المنطقة، كذلك يعتبر حي البستان قلب سلوان المحيطة بالقدس والمسجد الأقصى والتي من خلالها يعبرون إلى الأنفاق أسفل الأقصى".