الأهرام 13/1/2009 سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني المحترم أمير دولة قطر( حفظه الله ورعاه) .. تحية العروبة والإسلام....إحساسا بدقة وصعوبة الظروف التي تعيشها الأمة العربية, بفعل العدوان الصهيوني الوحشي علي غزة الباسلة, الذي ألحق خسائر بشرية ومادية فادحة بالعباد والبلاد, وما أفرزه هذا العدوان من مخاطر محدقة, أبرزها محاولات بعض القوي المعادية, المحلية والاقليمية, استغلال معاناة واحتقان هذه الظروف من أجل زرع بذور الفرقة والانقسام في صفوف الأمة. إحساسا بهذا كله, سمحت لنفسي ان أكتب لسموكم, كمواطن مصري عروبي, منطلقا من التقدير الكامل لمشاعركم العروبية الاصيلة التي نعول عليها كثيرا في تقييم مجريات الحوادث والوقائع وفقا لمصالح الأمة العربية وأمنها القومي ومستقبل ابنائها, علي الرغم من أي ردود فعل سلبية مؤقتة قد تخيم علي العلاقات العربية بين فترة وأخري.. ومدفوعا بالرغبة الصادقة في ايصال مشاعر الغالبية الشعبية الساحقة من العرب المصريين, الذين اصيبوا بالإحباط والألم وهم يتابعون هذا الهجوم الغريب المريب علي مصر, كل مصر, من فضائية الجزيرة التي تبث من قطر وتحت رعاية سموكم, بطريقة تفتقد الي ابسط مقومات المهنية والموضوعية واحترام الحقائق والوقائع والمصالح العربية العليا.. وقد تزامن هذا الهجوم مع أول لحظة بدأ فيها العدوان علي غزة ؟ فأي توقيت هذا وأي دقة ؟! إننا ندرك تماما ان من يعمل في فضائية الجزيرة, ومع احترامنا الكامل لهم, هم موظفون لا يملكون حق وقدرة تقرير سياسة الفضائية وتوجهاتها, وبالتالي فهم غير مسئولين عن هذا التوجه في الهجوم المنهجي علي مصر عند كل صغيرة أو كبيرة, بل نجزم أن غالبيتهم ضد هذا الموقف من مصر, لكن للضرورة أحكام, كما يقال. لذلك, فإن مواقف الجزيرة, خصوصا توجهاتها التمزيقية الخطيرة للبني الاجتماعية والروابط القومية للعرب, ولأي موقف عربي موحد هي بالنتيجة النهائية ستنعكس علي علاقات قطر العربية مادام الإشراف الرسمي حاصلا عليها.. وجميع الأسئلة الاستنكارية والاستفهامية المثارة من المحيط الي الخليج حول هذا الإصرار من هذه الفضائية علي التركيز بتكرارية مقصودة علي مفردات الخلاف في الاجتهادات العربية, وهي قليلة قياسا إلي عوامل اللقاء والتكامل والتضامن والوحدة بين ابناء الوطن العربي الكبير, ستثار بالتبعية علي حقيقة الموقف القطري, الذي يسمح بأن تنطلق من فوق اراضيه قنابل وصواريخ الحرب الإعلامية النفسية القيمية التي تستهدف الأمة العربية, كل الأمة..؟! سمو الشيخ الأمير, إن هذه القناة تعيش علي تأجيج الخلافات العربية كلما ظهرت بوادر الاقتراب والعقلانية, بل وصناعة وفبركة وتأويل الأحداث بما يخدم إدامة الفرقة والانقسام بين العرب سياسيا واجتماعيا وطائفيا وعرقيا, وترسيخهما وتجذيرهما في العقل والسيكولوجية العربية.. فلمصلحة من تعمل الجزيرة؟ ومن يقف وراءها؟ وقد جاء العدوان الصهيوني الدموي علي غزة ليكون الفصل الذي كشف الكثير من المستور والشعارات التي جري التلاعب بها خلال السنوات الماضية, ففي الوقت الذي تحتاج فيه الأمة والشعب الفلسطيني إلي وحدة الجبهة الداخلية ورص الصفوف والجهود في مواجهة حملة إبادة جماعية ضد أهلنا في غزة, في هذا الوقت نفسه بدأت حملة إعلامية منظمة مترابطة علي العرب بشكل عام وعلي مصر العروبة بشكل خاص.. من قناة الجزيرة وطهران والقواعد الطائفية في لبنان وغيرها من الساحات العربية وبعض المأجورين او المخدوعين او المأزومين. وليس مصادفة ان توقيت ومحتوي وأهداف الهجوم كان واحدا, وعلي مصر العروبة بالذات ؟! فهل هذه الأطراف كانت تعرف مقدما بالعدوان, وبالتالي كان التناغم معه سريعا ومنظما وفق خطة معدة سلفا؟؟؟!! سؤال وجيه وخطير وجدير بالتأمل من سموكم, العروبي الأصيل الذي عرفناه حتي من قبل ان تتولي شرف إمارة دولة قطر. أعترف لسموكم, بأني غير قادر علي فهم واستيعاب بعض جوانب سياسة قطر, وربما لم أفهم بشكل أكثر تحديدا التوجهات الحقيقية لسمو الشيخ حمد بن جاسم آل خليفة رئيس وزراء ووزير خارجية دولة قطر العربية الشقيقة, ومع احترامي وتقديري الكامل له. لكني, كمواطن مصري عروبي, أعرف سموكم وتاريخه العروبي المتأجج غيرة علي أمته, شابا وأميرا وقائدا عربيا, وبالتالي اعتقد جازما بأنكم تدركون تماما الأهداف الحقيقية التي ترمي إليها هذه الحملة الإعلامية المنظمة المسعورة, خصوصا من إيران وأدواتها في المنطقة تحت شعارات الجهاد والمقاومة, وبالذات تجاه دول الخليج العربي.. ولأي أهداف تسعي من وراء الهجوم علي مصر العروبة والتشكيك بتاريخها ودورها, ومحاولة دق اسفين في علاقات مصر العربية مع شقيقاتها دول الخليج العربي؟ فمن لدول الخليج العربي, ومنها قطر, غير مصر وأحضانها إذا ما حاولت إيران أو غيرها من القوي المعادية استهدافها بهذه الطريقة أو تلك ؟؟ وتجارب محاولات ضم دولة الكويت الشقيقة ودور مصر الحاسم في وأد هذه المحاولات, ليست ببعيدة. ودور إيران من خلال فرق وميليشيات الموت في العراق والتعاون مع الاحتلال لتدمير بلد عربي كبير وأصيل, ليس خافيا علي سموكم, وكذلك الأمر بالنسبة للبنان وغزة.. وليس فيما نقول موقفا طائفيا من إيران, لا سمح الله, فمصر, كل مصر, لم تعرف في تاريخها سوي التعدد والتعايش والتلاقي الديني والفكري والحضاري. لكن إيران هي من فرضت علينا أهدافها واطماعها وأحلامها الامبراطورية, لا الدينية كما تدعي.. والخليج العربي كان وسيبقي في أولويات المشروع التوسعي الإيراني. وكلنا اعتقاد بان الاجهزة الامنية في قطر الشقيقة وبتوجيهات سموكم لديها خريطة اكثر تفصيلا بالمخطط الإيراني الامبراطوري التوسعي, الذي دخل الآن مرحلة العلنية وبدون خجل أو حياء مادامت الشفافية العربية أصبحت أكثر مما يجب علي الدخلاء والغرباء والمستوطنين الجدد, فيما يجري بيع الأخ وابن العم في سوق الشعوبية التي راجت بضاعتها أخيرا. إنها مصر العرب والعروبة التي تهاجم سمو الشيخ الأمير ويجري إطلاق الصواريخ الثقيلة عليها من كل حدب طائفي وصوب شعوبي, ولمصلحة من ؟ ولماذا؟ وبأية جريرة؟ مصر التي قاتلت الكيان الصهيوني منذ عام1948 والي الآن وإن بوسائل أخري, وقدمت مئات الألوف من الشهداء دفاعا عن عروبة فلسطين في الحروب التقليدية والاستنزاف.. وهي التي استشهد أطفالها وطلابها وعمالها, في مدرسة بحر البقر ومصنع أبي زعبل.. وهي التي قاتلت في الجزائر واليمن والعراق وفي كل صعيد عربي.. وهي التي قدمت ملايين العقول والخبرات والعمال والأموال كذلك علي فقرها وبدون منة لكل دولة عربية بلا استثناء. فكيف سمو الأمير الشيخ, وأنت العربي والعروبي الأصيل, تسمح بأن تستهدف مصر وتهاجم ويشكك في دورها بهذا الشكل العلني المفضوح, لحساب الكيان الصهيوني وإيران ومن ورائهما أمريكا صاحبة مشروع تفتيت الوطن العربي الي طوائف وأعراق وصعد وأقاليم, من علي أرض قطر العربية ومن خلال فضائية محسوبة علي سموكم بهذه الطريقة وتلك ؟ لمصلحة من؟ ولماذا؟ وبأية جريرة؟ تهاجم مصر التي هي في خاطر وقلب كل عربي أبي. سمو الشيخ الأمير: هذه بعض من مشاعر أبناء بهية العروبة الطيبين, في الحارات والنجوع, والمدارس والجامعات, والحقول والمصانع, أنقلها إليكم, مخلصا.. ومعاتبا.. وكلي أمل ورجاء أن ينتهي العبث بمقدرات ومشاعر الأمة العربية, وقلبها مصر, من خلال تصديكم الحاسم لهذا التوجه الخطير الذي تنتهجه فضائية الجزيرة في نشر سموم الفرقة والانقسام بين أبناء الأمة, ووقوفكم الأكثر حسما تجاه المشروع الامبراطوري الشعوبي الإيراني الذي يستهدف أول ما يستهدف مصركم وحاضنتكم العروبية. ودام سموكم لخير وتقدم وامن واستقرار ومنعة شعبكم وأمتكم والله الموفق.