الغارة الجوية الأمريكية- الأولي من نوعها علي الجانب السوري من الحدود مع العراق- تثير تساؤلات حول توقيتها ومغزاها. فالتوقيت يأتي بعد نحو66 شهرا من الغزو الأمريكي للعراق وقبل نحو شهرين من انتهاء التفويض الحالي للقوات الأجنبية في العراق, وتزامنا مع الجدل داخل العراق حول احتمال الموافقة العراقية علي مشروع الاتفاقية الأمنية'- هكذا يسمونها- بين العراق وأمريكا والتي تتيح استمرار الاحتلال الأمريكي المشروط بعد انتهاء التفويض الحالي الممنوح من الأممالمتحدة في ديسمبر المقبل. و التوقيت يتزامن أيضا مع اقتراب حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية من نهايتها وتزايد احتمال خسارة ماكين المرشح الجمهوري لأسباب منها النتائج السلبية لمعظم قيادات الحزب الجمهوري واحتلال العراق وتأييد ماكين لاستمرار الدور العسكري الأمريكي. كما تتزامن أيضا مع استفادة الولاياتالمتحدة من تكتيكاتها في الحرب بأفغانستان وشنها هجمات جوية خاطفة علي أهداف بمنطقة القبائل بشمال غرب باكستان. وهناك ترتبط القبائل ببعضهاالبعض خصوصا البشتون' التي ينتمي إليها قادة حركة طالبان الأفغانية المقاومة ضد قوات الاحتلال بقيادة الولاياتالمتحدة بأفغانستان. ويضاف إلي ذلك تأكيد الرئيس الأمريكي للعالم استعداد بلاده لشن غارات علي دول أخري لمحاربة مايعتبره إرهابا بزعم المساهمة في توفير الأمن الجماعي بعيدا عن مبدأ عدم انتهاك سيادة الدول الأخري علي أراضيها. هذه الأوضاع العراقية( مصير الاحتلال) والأمريكية( محاولة انقاذ الجمهوريين) والإقليمية( تجربة الغارات علي قبائل باكستان) والدولية( تأييد بعض دول العالم مثل إسرائيل- للنهج الأمريكي)..كل ذلك لم يكن بعيدا عن الحدود السورية العراقية خصوصا في منطقة' البوكمال' التي تعرضت لغارة أمريكية أخيرا. فهذه المنطقة تقطنها عدة قبائل لها امتدادها داخل العراق مثل: شمر والعقيدات والجبور وكذلك عائلات لها أصول عراقية مثل: العاني والراوي. وتلك القبائل والعائلات تتعاطف مع أقاربها داخل العراق خصوصا أن المنتمين لها كان لهم نصيب من المناصب في الجيش والحرس الجمهوري والمخابرات في عهد الرئيس السابق صدام حسين. وبالرغم من الاجراءات العسكرية والأمنية السورية علي الحدود مع العراق إلا إنه من الصعب أن يسيطر مثل هؤلاء علي كل شبر من الحدود مثلما هو الأمر علي الجانب العراقي الذي تحرسه القوات الأمريكية والعراقية. وقد كان هذا الوضع صعبا خلال حكم ا لرئيس صدام حيث كان آلاف العراقيين يهربون من نظام حكمه- رغم حشوده- إلي سوريا. ويذكر هنا فشل الولاياتالمتحدة نفسها في وقف تسلل المهاجرين غير الشرعيين إليها من المكسيك المجاورة لها من الجنوب. والواضح أن هناك دافعا مصيريا يدفع الشخص إلي الهروب أو التهريب عبر الحدود مثل تعرض حياته أوعقيدته أو وطنه للخطر أو أن يكون هناك ما يغريه للهروب أو التهريب. وبالرغم من الفشل المتوقع فإن الاجراءات السورية نالت امتداحا أمريكيا جزئيا في الفترة الأخيرة, بل إن قائدا عسكريا أمريكيا سابقا قال أخيرا: إن عدد المقاتلين الأحانب انخفض أخيرا إلي20 شخصا شهريا بعد أن كان120 شهريا قبل عام. ونقلت وكالات الأنباء عن مسئول آخر أن السوريين يعتقلون الشباب الذين يحاولون السفر جوا من دمشق إلي بغداد إذا كانوا يحملون تذكرة ذهاب بلا عودة لكنهم فشلوا في تهريب المال والسلاح. والرد علي هذا الاتهام بالفشل أن إسرائيل مثلا- فشلت في وقف تهريب المال إلي غزة المحاصرة وأن كل الإجراءات في العالم بقيادة الولاياتالمتحدة- فشلت في وقف تمويل تنظيم القاعدة أما تهريب السلاح فالرد عليه أن السلاح لدي المقاومة العراقية هو من مخزون الجيش العراقي السابق سواء بالشراء أو الإخفاء, باعتبار أن القيادة العراقية السابقة خططت جزئيا لعمليات المقاومة بالسلاح المخبأ. أما الحديث الأمريكي عن استهداف شخص كان مساعدا للزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة بالعراق سابقا لتخويف الشيعة العراقيين من خطر بني جلدتهم من السنةفإن الرد عليه أن المقاومة لم تعد من العرب السنة فقط, بل إن أقوي أجنحتها الآن من جماعة مقتدي الصدر الشيعية المذهب العراقية الوطن. وهذا يرجح أن الأسباب الحقيقة للغارة هي: 1-تخويف الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة من استمرار خطر القاعدة' المحسوبة علي السنة لتوافق علي مشروع الاتفاقية الأمنية بسرعة للحيلولة دون عودة السنة للحكم في حال خروج القوات الأمريكية. وقد يترتب علي الغارة تصعيد أعمال المقاومة من خلال مناصرة العراقيين لأقاربهم السوريين, وبالتالي تراجع شبه الاستقرار الحالي وحصول واشنطن والموالين للاتفاقية الأمنية بالعراق علي مبرر لتمرير الاتفاقية. 2- وضع سوريا في مأزق داخلي.فالغارة تأتي بعد أيام من تسليم نواف فارس أوراق اعتماده سفيرا لسوريا في العراق. والمعروف أن فارس من المنطقة التي تعرضت إحدي قراها للغارة الأمريكية مما يضعه وحكومته في مأزق أمام سكان تلك المنطقة. فقد كان من المفترض أن ينسج علاقات أفضل وتفهما بين الجانبين العراقي والسوري بالقدر الذي يقلل من الاتهامات ضد بلاده, لكن الغارة الأمريكية تعني محاولة إفساد الأمر. 3- محاولة دعم حملة مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة مع اقتراب الانتخابات الشهر المقبل. والدليل علي ذلك مسارعة ماكين إلي الإشادة بالعدوان ومحاولة التقليل من منافسه أوباما بذكر أنه لو كان أوباما في الحكم ما كان قد اتخذ قرارا بشن مثل هذه العملية ضد ماوصفه المتحدث باسمه- بالإرهاب. 4- دعم سياسة العدوان الإسرائيلية ضد سوريا:والدليل علي ذلك استهداف مبني تحت الإنشاء لخلق ارتباط مزيف بين خطر مزعوم لهذا المبني وبين خطر مزعوم آخر للمبني تحت الإنشاء الذي قصفته الطائرات الإسرائيلية بزعم إنه خاص بمفاعل نووي. ويربط بين الخطر المزعوم للمبنيين مساندة الولاياتالمتحدة وإسرائيل لحق أي دولة في عمل عسكري علي أرض دولة أخري مستقلة تكون غير قادرة أوغير راغبة في اتخاذ إجراءات من جانبها لوقف تهديد افتراضي. 5- تبرير الاعتداءات الأمريكية علي باكستان من خلال تكرارها في دول أخري مثل سوريا والصومال, وبالتالي تحولها إلي نهج معتاد. وسيترتب علي هذا إطلاق أيدي الولاياتالمتحدة وإسرائيل في ضرب دول مجاورة بزعم تهديدها للأمن الدولي.