.. "وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون ولقد همت به وهم بها لولا أن رأي برهان ربه " صدق الله العظيم. بالقطع يلخص هذا المشهد القرآني العظيم الذي يصور واقعة التحرش بنبي الله يوسف من قبل امرأة العزيز ما نريد سرده في السطور التالية إذ يؤكد أن التحرش سلوك لا يقترن بالذكورة فقط بل إنه تصرف قد ينبع من الأنثي نفسها أو أنها تساعد علي الإتيان به إذ ما أتاحت الفرصة لمن يقف أمامها لفعل ذلك "ولقد همت به وهم بها لولا أن رأي برهان ربه". ووسط موجة السخط التي تسود المجتمع حاليا مما يتردد عن ظاهرة التحرش بالإناث. يتبادر سؤال هام ليس من المنطقي إغفاله وهو.. هل كل حوادث التحرش تكون الضحية فيها أنثي؟ أو بمعني آخر هل الرجال لا يتعرضون إلي التحرش أيضا من النساء أو من رجال من نفس جنسهم؟ قبل الإجابة عن السؤال بوقائع محددة نعرض لرأي جماعة من علماء النفس يفسرون أسباب التدافع اللا أخلاقي وراء هذه الظاهرة التي استغلها أصحاب النوايا السيئة في النيل من سمعة المجتمع المصري علي صفحات المجلات والصحف الغربية. يقول العلماء إن التحرش في الشارع سواء من رجل أو انثي يعتبر مظهرا من مظاهر التعبير الجنسي لهؤلاء الذين لا يجدون متنفسا طبيعيا له بسبب الكبت وقائمة المحظورات الطويلة والموجهة بكاملها للكبت الجنسي وعدم إشباعه. مما يجعلها تتضخم في اللاوعي دافعه الشخصي إلي تعبيرات مغايرة عما هو مألوف. ومتخذة أنماطا سلوكية منحرفة. وإذا نظرنا إلي الشريحة الأوسع التي تمارس هذه السلوكيات سنجدها من الشباب "ذكورا وإناثا" حيث تعتبر قوة التعبير الجسدي عن البلوغ الجنسي أحد خصائص هذه المرحلة العمرية والذي يترافق مع عدم وجود صرف لهذه الطاقات في نشاطات مثمرة كممارسة الرياضة أو النشاطات الثقافية وما إلي ذلك كما لا يوجد متنفس مشروع كالزواج لصعوبة متطلباته حاليا. والحل في تدخل من بيدهم الأمر في تسهيل مهمة الوصول إلي المتنفس المشروع وهو الزواج. أما عن السؤال المطروح.. هل الرجل يتعرض للتحرش؟ فالإجابة نعم يتعرض عدد كبير من الرجال للتحرش وبأنواع شتي. وإذا كنا في مجتمعاتنا الشرقية لا نلمس هذا السلوك بصورة كبيرة. وقد نستغربه ونهزأ ممن يتحدث بشأنه. فإنه ينتشر وبشدة في المجتمعات الغربية وهناك إحصائيات ووقائع ترصد هذه الظاهرة التي قد تثير الضحك في كثير من الأحيان. تحت عنوان "التحرش بالرجال ليس نكتة" كتبت إيف تامينسيوجلو علي صفحات موقع Msnbc.com تقول إننا اعتدنا في السابق التحدث عن تحرش الرجال بالإناث في الطرقات وأماكن العمل وشهدت ساحات المحاكم العديد من القضايا لكن قليلا ما نتحدث عن تحرش الإناث بالرجال مع أنه أصبح واقعا ملموسا يتزايد مع مرور الوقت وعرضت الكاتبة لرأي خبيرة الموارد البشرية في الولاياتالمتحدة روبرتا كينسكاي التي أكدت أن التحرش بالرجال إحدي الحقائق التي باتت معروفة في مجتمعات العمل الأمريكية لكن الأكثرية ممن يتعرضون لهذا التحرش يتجنبون الحديث عنه حتي لا يتعرضوا لسخرية الآخرين. ويؤكد ديفيد جرينبرج المتحدث باسم اللجنة الأمريكية لتكافؤ فرص العمل "EEOC" علي ما قالته كينسكاي مشيرا إلي أن التحرش بالرجال زاد بمقدار الضعف في السنوات ال15 الأخيرة خاصة مع ازدياد عدد النساء العاملات مضيفا أن حوالي 2000 رجل تعرضوا للتحرش الجنسي علي وجه التحديد من زميلات وزملاء لهم بالعمل في العام الماضي فقط.. وتسرد تامينسيوجلو بعض الوقائع التي شهدتها الولاياتالمتحدة في السنوات الأخيرة ومن بينها واقعة الشاب توماس الذي قص عليها واقعة تحرش زميلته به عندما أخذت تطارده برسائل اليكترونية تحتوي علي إيحاءات جنسية. وعندما لم تجد استجابة فورية منه زادت من سخونة رسائلها. بعدها لجأت إلي التحرش المباشر به داخل المكتب الذي يعملان به.. وبالإضافة إلي واقعة توماس هناك الواقعة الأشهر التي حدثت بأحد محال البيتزا بولاية لويزيانا عام 1995 عندما أقدمت مديرة المحل علي التحرش بأحد العاملين جنسيا إذ وجدته يجلس بمفرده فأخذت تتحسس كتفيه وعنقه ثم حاولت جذبه للتمادي معها وعندما رفض قامت بحرقه.. مما دفعه للجوء إلي المحكمة لتكون بذلك أول واقعة يتم فيها الحكم لرجل ضد سيدة في واقعة تحرش جنسي وحكم له وقتها بمبلغ 237 ألف دولار نتيجة الأضرار التي لحقت به. وتضيف تامينسيوجلو وقائع أخري تعرض فيها الرجال لتحرش جنسي من السيدات وتؤكد أن الأمر لا يقتصر علي هذا النوع إذ تعرض كثير من الرجال للتحرش من رجال مثلهم ومنهم رجل يعمل بحقول البترول في خليج المكسيك اشتكي لدائرة العمل من محاولة رئيسه التحرش به وكذلك ثلاثة سائقين في إحدي الشركات التجارية مكنتهم المحكمة من المحصول علي 25 ألف دولار من رئيسهم في العمل بعد محاولته التحرش بهم وقيامه بنقلهم من مواقعهم لرفضهم الانصياع لرغباته.. وخلصت الكاتبة إلي ضرورة أن يتحلي الرجال بالشجاعة الكافية وأن يقدموا علي كشف محاولات الآخرين التحرش بهم سواء كانوا رجالا أم نساء مؤكدة أنها الطريقة الوحيدة التي ربما تردع المتحرشين عن أفعالهم. وبعيدا عن نماذج إيف تامينسيوجلو هناك وقائع شهيرة حدثت في المجتمعات الغربية يندي لها الجبين أبرزها قصة المعلمة ربيكا بويشيللي المعلمة السابقة في مدرسة ريدوود سيتي بكاليفورنيا. والتي مارست الجنس مع طالب في السادسة عشرة من عمره بعد أن جذبته إلي داخل سيارتها وكذلك المعلمة ماري ليتورنو المتزوجة وأم لأربعة أطفال والتي تبلغ حاليا 43 عاما والتي اتهمت عام 1997 بإقامة علاقات جنسية مع فيلي فوالو البالغ من العمر حاليا 21 عاما عندما كان في الثالثة عشرة من عمره والذي أثبت وقتها أن معلمته قامت باغتصابه!! إفرازات الحضارة الغربية من يتابع ما كتبته الصحف الغربية وبالأخص الأمريكية عن واقعة التحرش الجنسي الذي حدث في مصر منذ أسابيع قليلة يتخيل أن المجتمعات الغربية تعيش في بحر من الفضيلة وأن التحرش ليس له وجود في بلاد أولاد العم سام ومن علي شاكلتهم.. فقد كتبت إلين نيكماير بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقول إن مصر واحدة من أسوأ دول العالم في نسبة التحرش بالنساء في الشوارع وتأتي في المرتبة الثانية بعد أفغانستان مضيفة أنه من الواجب علي النساء المسافرات إلي مصر الحذر من إمكانية تعرضهن لاعتداءات جنسية و نظرات غير مرغوب فيها. وشاركتها الرأي كاتبة أخري من أصول آسيوية بصحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل" تحدث بسخرية بالغة عن سلوكيات الشارع المصري وكيف أنها تكون مجبرة علي ارتداء غطاء للرأس في بعض الأماكن وكذلك حالة الشبق التي يعيشها الشباب المصري والذي طاردها بعضهم في أحد البازارات طالبا قبلة نظير دفع خمسة جنيهات.. والحقيقة المؤكدة أن هؤلاء ومن سار علي طريقتهم في طرح قضية التحرش بشوارع القاهرة تناسي عمدا أصل ظاهرة التحرش التي بلا شك هي إحدي إفرازات الحضارة الغربية التي تبيح ذلك تحت اسم الحرية الشخصية والدليل علي ذلك تلك الوقائع التي سردناها سلفا والتي نبعت من أفكار "فرويد" الذي يقول "الجنس هو كل شيء وكل شيء نابع من الجنس" ومن هذا المنطلق حض الشباب من الجنسين علي الخروج علي التقاليد التي كانت مفروضة عليهم ودعاهم لممارسة الجنس كيفما شاءوا وكان من نتيجة ذلك ظهور الكتب الجنسية التي ألفت ليتلذذ القاريء بالجنس وظهرت دور السينما والمسارح التي استغلت جسد المرأة وأنوثتها مما زاد من هوة الانفلات الأخلاقي. بالعودة مرة أخري إلي ظاهرة تعرض الرجال للتحرش مثلهم مثل النساء وقياسا علي القاعدة الشهيرة "لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه" وبعد أن دخل الشارع المصري منعطفا جديدا بالحكم الذي حصلت عليه فتاة الأفلام الوثائقية قبل أيام من محكمة جنايات القاهرة هل لنا أن نطرح سؤالا آخر هو.. هل سيعيد هذا الحكم للشارع المصري قدسيته؟ ونلحقه بسؤال أخير.. متي سنري أول رجل مصري يحصل علي حكم ضد أنثي في قضية تحرش؟.