لأول مرة في تاريخ الجزيرة اصبح زعيم حزب شيوعي وهو ديميتريس خريستوفياس رئيسا للجمهورية القبرصية التي يمثلها الآن القبارصة اليونانيون فقط. حيث انقسمت الجزيرة الى شطرين شمالي وجنوبي، بعد ان تدخل الجيش التركي في يوليو 1974 لحماية الأتراك من اي مجازر محتملة بعد الانقلاب العسكري الذي قام به ضابط قبرصي يوناني قومي ضد الرئيس الاسقف مكاريوس بدعم من جنرالات الجيش الذين كانوا يحكمون اثينا انذاك. وفشلت منذ ذلك التاريخ جميع المحاولات التي بذلتها الاممالمتحدة وامريكا والاتحاد الاوروبي لإقناع قيادات القبارصة الاتراك واليونانيين وكانوا دائما من الاحزاب اليمينية في التوصل لاتفاق ما يحل مشكلة قبرص ويوحد الجزيرة في دولة فيدرالية مشتركة اقترحها الامين العام السابق كوفي انان في ابريل/ نيسان 2004. ووافق القبارصة الاتراك على هذا الاقتراح بنسبة 65% ورفضه القبارصة اليونانيون بنفس النسبة. وجاء التصريح الاول على لسان خريستوفياس وقال انه سيسعى لتوحيد الجزيرة وحل مشكلتها بالحوار مع القبارصة الأتراك ويحكمهم الآن الرئيس محمد علي طلعت وهو صديق مقرب لخريستوفياس منذ كان زعيما للحزب الجمهوري التركي وهو حزب ماركسي لينيني ايضا. فيما يشغل منصب رئيس الوزراء الآن ساعده الأيمن في الحزب سابقا فردي صويار وهو ايضا مقرب من خريستوفياس وكان يؤمن مثله بالمقولات الشيوعية التي تؤكد على أخوة الشعوب بعيدا عن الميول القومية المتعنتة. ويرى الكثيرون في فوز خريستوفياس ولو بدعم من الرئيس اليميني السابق بابادوبولوس الفرصة ربما الاخيرة لحل المشكلة القبرصية بدعم من دول الاتحاد الأوروبي التي يبدو انها قد ندمت على فتح أبواب الاتحاد للقبارصة اليونانيين فقط في مايو/ ايار ،2004 كما انها سئمت من مواقف القبارصة اليونانيين المتعنتة تجاه أي صيغة للحل التي تسعى من أجلها الأممالمتحدة أو الاتحاد الاوروبي واضطر العام الماضي تحت تهديدات القبارصة اليونانيين الذين يمثلون الجمهورية القبرصية لتعليق مباحثات العضوية مع انقرة بعد ان رفضت الاعتراف بجمهورية قبرص واشترطت لذلك رفع الحصار المفروض على جمهورية شمال قبرص التركية التي تمثل القبارصة الاتراك. يبدو ان مجمل هذه التطورات وبانتخاب خريستوفياس قد تفتح صفحة جديدة في الملف القبرصي خاصة في هذا التوقيت الذي يعيش حوارا ايجابيا بين الحكومتين اليمينيتين في أثيناوانقرة. حيث عبر رئيس الوزراء اليوناني كوستاس كارامنليس خلال زيارته الاخيرة الى تركيا بداية الشهر الماضي عن ضرورة العمل المشترك لحل المشكلة القبرصية. كما اتخذت حكومة اردوغان منذ البداية مواقف مرنة تجاه تطورات الجزيرة وعبرت عن استعدادها أكثر من مرة للمساهمة في اي حل ينهي المشكلة التي تخلق لأنقرة مشاكل صعبة ومعقدة في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي. حيث تتحجج بعض الدول الاوروبية بالملف القبرصي حتى لا تفتح ابواب الاتحاد للاتراك المسلمين الذين يرى غالبيتهم في قبرص جزءا من الامن الوطني والقومي لتركيا التي لا ولن تضحي ابدا بالقبارصة الاتراك على الرغم من رغبة غالبيتهم في العيش مع القبارصة اليونانيين خاصة بعد ان اصبح الجنوب اليوناني عضوا في الاتحاد الاوروبي مستفيدا من كل مزاياه السياسية والاقتصادية والمالية وغيره. حيث حصل اكثر من 70 الف قبرصي تركي (من اصل 210 آلاف) حتى الآن على جواز سفر الجمهورية القبرصية اليونانية الي يمثلها القبارصة اليونانيون كما ان حملة هذا الجواز والهوية القبرصية الرسمية يستفيدون من الخدمات الاجتماعية ومنها العلاج المجاني في الشطر الجنوبي اليوناني. ويبقى القرار اولا لخريستوفياس الذي عليه ان يثبت مدى التزامه بصداقاته السابقة مع رفاقه الشيوعيين السابقين طلعت وصويار كما عليه ان يثبت مدى التزامه بتعهداته ووعوده للقبارصة اليونانيين الذين صوتوا لشعاراته خلال الحملة الانتخابية ووعد فيها بتوحيد الجزيرة والعيش مع القبارصة الاتراك وعلى الرغم من اعتراض الكنيسة الارثوذوكسية لذلك منذ البداية. ويبقى الرئيس السابق بابادوبولوس العائق الأول والاساسي لأي حل محتمل لأنه لن يقبل لنفسه وحزبه وحلفائه من الاحزاب اليمينية الاخرى التي ايدت خريستوفياس في الانتخابات الاخيرة ان ينجح الشيوعيون في حل مشكلة عقدها اليمينيون طيلة السنوات الماضية من استقلال الجزيرة عام 1960 حيث حكمها رجل دين مسيحي وهو الاسقف مكاريوس مذكراً الجميع بأهمية هذه الجزيرة التي كانت نقطة انطلاق رئيسية للحركات الصليبية ضد العالم الاسلامي والعربي، وهو ما يفسر شعارات الحزب القومي السوري الذي كان يدعو لهلال عربي خصيب ونجمته قبرص!