ادت الازمة المالية الراهنة التي نالت من أعتى المؤسسات المالية في وول ستريت وامتدت الى البنوك واسواق المال باوروبا واسيا في تغيير نظرة الاثرياء بامريكا تجاه مشترياتهم. فبالرغم من ان متسوقي سلع الرفاهية يمثلون قطاعا نخبويا صغيرا من الاقتصاد الأمريكي الا ان تاثيرهم كبير على الانفاق، فقد أبقوا محافظهم مفتوحة لفترة طويلة بعد أن عزف المتسوقون من أصحاب الدخول المتوسطة عن الشراء تحت ضغط أزمة انخفاض أسعار المنازل وارتفاع أسعار الطعام والوقود. ولكن الان يبدو أن الحصن الاخير لقوة المستهلكين بدأ ينهار نتيجة للازمة المالية العالمية التي هاجمت الثروة الاستثمارية إلى جانب قيم العقارات. فقد انخفضت مبيعات سلع الرفاهية ومن بينها تلك الموجودة بالمتاجر والمطاعم الفاخرة بنسبة 4.8 % في سبتمبر/ ايلول 2008 مقابل ارتفاع بنسبة 11 % في اغسطس/ اب من نفس العام، حسبما ذكرت "سبندينج بالس" وهي خدمة بيانات التجزئة التابعة للمؤسسة الاستشارية لبطاقة ماستركارد الائتمانية. ووفقا لدراسة مسحية أجرتها مؤسسة "برينس اند اسوشيتس" للابحاث في اواخر سبتمبر على 439 أسرة فأن اكثر من ثلاثة أرباع الاسر التي تتراوح ثروتها بين مليون و10 ملايين دولار تعتزم انفاق أموال أقل على سلع الرفاهية حتى نهاية عام 2008 تحسبا لما قد يحدث في المستقبل. وتقول سوزان كوين - التي عملت بقسم المبيعات بمتجر ساكس لمدة 31 عاما- انها كانت لديها رغبة شديدة في شراء زوج جديد من الاقراط من متجر "ساكس" في فيفث افينيو بنيويورك وهي المسألة التي تقول انها ما كانت لتفكر مرتين قبل القيام بها منذ بضعة أسابيع، الا انها اليوم لم تستطع شراءها، لانها تشعر بالذنب حيال شرائها نظرا لان كل استثمارتها بالبورصة هبطت" واضافت كوين "الناس خائفون.. انا متسوقة كبيرة هنا ايضا لكنني أكبح جماح نفسي" وترى ايفا جانبارت لورينزوتي الرئيس التنفيذي لمتجر وكتالوج" فيفر" - وهو متجر لسلع الرفاهية يبيع منتجاته على شبكة الانترنت - انه الناس ما زالوا يستطيعون تحمل تكلفة شراء منتجات الشركة، الا ان تحديد رغبتهم فى الشراء مسألة اخرى. وأشارت لورينزوتي إلى أن الازمة المالية لحقت بمتجر "فيفر" مؤخرا في 17 سبتمبرايلول 2008 حين هبطت الاسهم الامريكية الى أدنى مستوياتها خلال ثلاثة أعوام عقب افلاس بنك "ليمان براذرز" وانقاذ لعملاق التأمين امريكان "انترناشونال جروب". وتابعت أنهمنذ ذلك اليوم اصبحت الاعمال أهدأ مما كانت عليه في بداية عام 2008 الى حد كبير. وقوض سوق الاسهم الهابط ثقة متسوقي سلع الرفاهية في سبتمبر، فقد شهد هذا الشهر انهيارا للبورصات العالمية لم يشهده العالم منذ الثلاثينات من القرن العشرون. وليس المستثمرون فحسب هم الذين يشعرون بالالم، اذ يواجه الاف العاملين في وول ستريت الذين أذكوا طفرة في الانفاق على سلع الرفاهية احتمالات بفقدان وظائفهم فضلا عن تخفيض نصيبهم من الارباح لعام 2008. ويصف تشارلز جروم محلل قطاع التجزئة في مؤسسة "جي بي مورجان" للخدمات المالية هذا بأثر مؤشر "سي ان بي سي" لاسهم العالم، مشيرا إلى قناة الاعمال المدفوعة الاشتراك مقدما التي شاهد عبرها متسوقون مرعوبون من ذهاب استثماراتهم أدراج الرياح. واوضح ان استعادة الشعور بالثقة قد تستغرق وقتا، مضيفا انه في العادة يتبع أزمات البنوك عامان من النمو الاقتصادي بمعدل أقل من المعتاد وهذا ليس بشير خير للاسهم. ومع استقبال موسم الاجازات والذي يعد انسب وقت للتسوق تزداد التوقعات بان يلحق بتجار التجزئة اضرار جثيمة حيث يرجح اكثر المتنبئين تشاؤما بأضعف موسم خلال 17 عاما. وقال جروم ان مبيعات شهر سبتمبر كانت سيئة على الارجح في سلاسل المتاجر التي تبيع سلع الرفاهية ومن بينها ساكس حيث، توقف التسوق الطموح وانخفض انفاق المستهلكين من أصحاب الدخول المرتفعة مع الهبوط في سوق الاسهم. ويوافقه الراى ميلتون بيدرازا الرئيس التنفيذي لمعهد الرفاهية -الذي يجري أبحاثا على المستهلكين من أصحاب الثروات الكبيرة- فيقول ان شهر سبتمبر شهد تراجعا كبيرا في مبيعات الحقائب النسائية الباهظة الثمن والسيارات والسفر والمجوهرات واليخوت. واعترف بيرت تانسكي الرئيس التنفيذي لمتجر "نيمان ماركوس" -الذي منى بخسائر ربع سنوية تجاوزت الضعف- بان الاضطراب في الاسواق المالية وما تبعه من زعزعة للاستقرار اثر سلبا على أنماط شراء المستهلكين (عملاؤه ) الذين يستثمرون بقوة في الاسواق. وفي المقابل ذكرت شركة "جي براند" للجينز التي يباع القطعة الواحدة منها بمبلغ 271 دولارا في متاجر مثل بارنيز في نيويورك ان مبيعاتها ما زالت نشطة. كما لم تفقد الاعمال الفنية جاذبيتها، فيقول نيكولاس لاوري رئيس صالات مزادات سوان "حين تصبح الاوقات عصيبة نرى مزيدا من الناس يرغبون في بيع ميراثهم وكنوزهم من الاعمال الفنية... في المقابل تستقطب الزيادة في الاعمال الفنية القيمة مشترين اضافيين." وصالة مزادات سوان متخصصة في الكتب النادرة والصور وقد ذكرت أن المزادات الثلاثة التي أقيمت منذ منتصف سبتمبر/ ايلول 2008 تجاوزت التوقعات. وفي الوقت نفسه سجل مزاد لاعمال الفنان داميين هيرست في صالة مزادات سوثبي في لندن في 16 سبتمبر أرقاما قياسية جديدة حيث بيعت 218 قطعة بمبلغ 198 مليون دولار. (رويترز)