الاهرام 26/9/2008 أكثر من مغالطة تضمنها تقرير لجنة الحريات الدينية الذي صدر عن الخارجية الأمريكية يوم الجمعة 9/19 فيما يتعلق بأوضاع الحريات الدينية في مصر. المغالطة الأولي قول التقرير ان سلطات الحكومة المصرية تقوم باعتقال بعض المتحولين من الإسلام إلي المسيحية, وبعض انصار الحريات الدينية, والواقع يكذب ذلك جملة وتفصيلا خلال المدة التي يغطيها التقرير من يوليو2007 إلي يوليو2008 والذي يصنفهم التقرير علي انهم من انصار الحريات الدينية هم خارجون علي القوانين السارية والمعمول بها في مصر, ومن واجب السلطات المختصة ان تنفذ القوانين, وإلا سادت الفوضي وانحل النظام العام. المغالطة الثانية وهي وصف التقرير لاحداث دير أبوفانا بانها احداث عنف موجهة ضد المسيحيين ووقائع الاحداث تكذب هذا الادعاء ايضا وتثبت ان المسألة نزاع علي اراض حول الدير, ولا صلة للعامل الطائفي فيها, فضلا عن ان تقرير الحريات الدينية صدر قبل ان تنتهي التحقيقات والمداولات بين اطراف النزاع حول الاراضي المحيطة بالدير, بل ولاتزال مستمرة حتي اليوم, ومع ذلك يتطوع معدو التقرير بالقول بأن ماحدث عنف و اعتداء علي المسيحيين! المغالطة الثالثة والأكبر هي انتقاد التقرير لما سماه اسلوب الحكومة في إدارة المساجد وإشارته إلي أن الحكومة تقوم بتعيين ائمة المساجد وتدفع لهم رواتب, في حين لاتساهم في تمويل الكنائس المسيحية, وهذه مركبة, وتكشف عن زيف كثير من الاستنتاجات التي خلص إليها التقرير فيما يتعلق بأوضاع الحريات الدينية في مصر, فالحكومة تقوم فعلا بتعيين ائمة المساجد عن طريق وزارة الأقاف, وفي حدود اختصاصاتها التي خولها لها القانون, وتؤاخذ علي أي تقصير يقع منها في ذلك, وأي تقصير يعد اخلالا بالقانون, اما القول بان الحكومة لاتسهم في تمويل الكنائس, أو تطبق عليها الخط الهمايوني وانها استولت علي أوقاف المسيحيين, فكله هراء, ومن العيب ان يرد في تقرير يصدر عن لجنة معتبرة يرأسها احد السفراء الأمريكيين, ويعاونه عشرون شخصية بارزة بعضهم من رجال الدين المسيحي وبعضهم من كبار المثقفين والقانونيين الأمريكيين, والحقيقة هي ان الحكومة المصرية ومنذ بداية الستينيات من القرن الماضي قد اتخذت سلسلة من الاجراءات لصالح الكنائس والاديرة, بدأت باصدار القانون رقم264 لسنة1960 الذي نص علي انشاء هيئة أوقاف الاقباط الارثوذكس, وحمت بموجب هذا القانون أوقاف الكنائس والاديرة, واستثنتها من تطبيق احكام قوانين الاصلاح الزراعي والتأميمات, وجعل للهيئة المذكورة شخصية اعتبارية م/2 ويديرها مجلس إدارة يشكل من بطريرك الاقباط الارثوذكس رئيسا ومن عدد من المطارنة وعدد مماثل من الاقباط الارثوذكس من ذوي الخبرة يعينون بقرار من رئيس الجمهورية بناء علي ترشيح البطريرك اعضاء م/3. وقضي هذا القانون ايضا بان يستثني من احكام القانون رقم152 لسنة1957 وهو خاص باستبدال الاراضي الزراعية الموقوفة علي جهات البر, والذي بموجبه فقدت الأوقاف الإسلامية جميع اراضيها بنقلها إلي وزارة الاصلاح الزراعي خلال الخمسينيات والستينيات, ونص القانون علي ان تستثني من احكام القانون المذكور الاراضي الموقوفة علي الاديرة والكنائس وجهات التعليم القبطية الارثوذكسية, وجهات البر الأخري المتعلقة بهم, وذلك فيما لايجاوز مائتي فدان لكل جهة من الجهات الموقوفة عليها ومائتي فدان من الاراضي البور م/1 طبعا ان كانت موقوفة علي الدير, ولما كانت أكبر مساحة موقوفة علي دير أو كنيسة لاتتعدي مائة أو مائة وخمسين فدانا حسب ما تفيد سجلات هيئة أوقاف الاقباط الارثوذكس, إلا باستثناءات معدودة علي اصابع اليد, فان معني الاستثناء السابق هو عطاء زائد علي ما في حوزة الدير أو الكنسية من الاراضي الموقوفة, اما مهمة هيئة أقاف الاقباط الارثوذكس فقد حددها قرار جمهوري آخر صدر برقم1433 لسنة1960, ونصت مادته الثانية علي ان تختص هيئة أوقاف الاقباط الارثوذكس, وذكرت عدة اختصاصات(...) منها, الاشراف علي إدارة جميع الأوقاف من اطيان وعقارات ومحاسبة القائمين علي ادارتها عن ايراداتها ومصر وفاتها, وبذلك لم تعد وزارة مسئولة عن أوقاف المسيحيين. هذا هو الوضع القانوني والفعلي لأوقاف الاقباط في مصر وهو متميز جدا اذا قارناه بما آلت إليه الأوقاف التي كانت مخصصة للمساجد والجوامع والمدارس الإسلامية, والمرتبات التي تدفعها الحكومة للائمة ويشير إليها تقرير الحريات الدينية, هي جزء يسير مما سبق ان استولت عليه في إطار سياسات الاصلاح الزراعي والتأميمات التي طبقتها ثورة يوليو في الخمسينيات والستينيات, ويكفي ان يعرف الجميع ان هيئة الأوقاف المصرية المختصة بادارة ممتلكات الأوقاف الاسلامية لم تنشأ إلا بعد عشر سنوات كاملة من نشأة هيئة اوقاف الاقباط الارثوذكس ومقرها في الانبا رويس بالعباسية. المغالطات السابقة تفقدنا الثقة في تقرير اللجنة الأمريكية, وتؤكد هزال الاساس المعلوماتي الذي بني عليه, وتبعده عن الموضوعية بقدر ما تقربه من التحيز والدعاية السياسية الموجهة.