طريق الفيوم 300 مليون جنيه عبقرية المكان المنظومة الهندسة المتحف والهضبة نزلة السمان محمية تراثية أخيرا قررنا استثمار النعمة التي منحها الله للمصريين لكنهم لا يفيدون منها إلا قليلا. أخيرا سنبدأ في تحويل أعظم مكان أثري في الدنيا إلي متحف نظيف مفتوح علي الأفق, خال من العشوائيات, لا يلوث أرضه روث الدواب, وتطفل المتسولين والباعة الجائلين. بعد عامين من الآن سنشاهد هضبة أهرامات أخري تماما سينفق عليها300 مليون جنيه حتي يشعر كل زائر لها أنه عاد إلي الوراء, إلي عصر بناة الأهرامات لتصله مباشرة الفلسفة الحقيقية التي أرادها أجدادنا من هذه المنطقة. في البداية أكد الدكتور زاهي حواس عالم الآثار الشهير ورئيس المجلس الأعلي للآثار أن عملية تطوير هضبة الأهرامات تم تخطيط التنظيم العام لها منذ نحو15 عاما عندما كنت مديرا لمنطقة آثار الجيزة, وذلك بهدف تحويل المنطقة إلي محمية أثرية تتناسب مع عظمتها وتراثها الإنساني الفريد الذي لا يوجد له نظير في العالم, وللقضاء علي العشوائيات الموجودة بالمنطقة التي تشبه حديقة الحيوانات حيث توجد الجمال والخيول, وكذلك الباعة الجائلون, وأكوام الزبالة, بالإضافة إلي انتشار السرقات, كما تفتقد المنطقة لأماكن الخدمات الترفيهية, والحمامات, والكافتيريات, لذلك فإن المرحلة الأولي التي تم تنفيذها تم فيها تنظيم عملية الدخول والخروج المؤقت, وإنشاء سور حول الهضبة باتساع17 كيلومترا من كل جانب, كما تم عمل بوابات إلكترونية وحمامات من مدخل فندق ميناهاوس, وجار الآن التعاقد مع إحدي الشركات لتقوم بتركيب السيارات الكهربائية التي تقل الزائرين. طريق الفيوم وأضاف د. حواس أن المرحلة الثانية لتطوير الهضبة سيتم فيها الآتي: 1 تغيير الطرق الأسفلتية بطرق مناسبة لطبيعة المنطقة. 2 عمل باردورات( ممرات حجرية) تستخدم عند زيارة المقابر. 3 عمل إنارة مناسبة للمنطقة, وإزالة كل العشوائيات التي توجد بجوار الأهرامات. 4 إنشاء مبان جديدة للموظفين أسفل الهضبة بجوار المخزن المتحفي ليتم بعد الانتهاء منه إزالة كل المباني الجديدة. وأشار د. زاهي حواس إلي أن كل العربات والأتوبيسات السياحية ستدخل الهضبة من طريق الفيوم ثم تقف في موقف انتظار ضخم يجاور مكان انتظار الخيول والجمال, كما يجاور مكاتب الطب البيطري وموظفي المحافظة والشرطة والآثار, كما سيتم إنشاء تراك خلف الأهرامات يخصص لرحلات الخيول والجمال بحيث يمكن استخدامه للزائرين دون دخول الحيوانات للمنطقة الأثرية, كما سيتم عمل مجموعة من الأكشاك للباعة الجائلين وكل من يعمل دون ترخيص سيتم منحه ترخيصا, كما سيكون لكل جمل أو خيل رقم وتعريفة, وفي نهاية الرحلة, كما يقول د. زاهي حواس, سيدخل الزائر لمركز الزوار الذي سيوجد به أفلام تشرح طبيعة المنطقة الأثرية, وبعد خروجه يجد نفسه أمام عربات كهربائية تنقله للخارج. 300 مليون جنيه وأضاف أن هذا المشروع الضخم سيتم الانتهاء منه خلال عامين من الآن, وأن تكلفة المرحلة الأولي منه بلغت100 مليون جنيه, بينما المرحلة الثانية والأخيرة ستتكلف200 مليون جنيه, مشيرا إلي رفضه الحصول علي قرض إسباني بسبب فائدته العالية, وأن أموال المشروع متوافرة والعمل يسير علي قدم وساق. وأشار د.حواس إلي أننا نقوم الآن بالتعاون مع وزارة البيئة بإجراءات تحويل هذه المنطقة إلي محمية تراثية تشمل منطقة منف بالكامل من أبورواش إلي دهشور, وسيصدر قرار بذلك خلال عام واحد من الآن. عبقرية المكان من جانبه أكد الدكتور طارق أبو النجا أستاذ العمارة بجامعة جنوب كاليفورنيا واستشاري المشروع أن الرؤية العامة لمشروع تطوير الهضبة تتمثل في إعادة طبيعة وعبقرية المكان لأقرب ما يمكن لما كان عليه في العصور القديمة, لأنه كان عبارة عن مكان مقدس بالنسبة لقدماء المصريين, حيث كان عبارة عن مسطح صحراوي شاسع خال من المباني والعمران, له فلسفة خاصة بأن يستخدم كمدفن للملوك الثلاثة خوفو وخفرع ومنقرع كل في هرمه, والمعروف في ثقافتنا التاريخية التي استمرت حتي الآن أن المدافن لها طبيعة خاصة, حيث لابد أن تقع في مكان بعيد خال من السكان والعمران, ومن هنا تعاملنا مع المكان من خلال عمقه التاريخي الديني, فلا يمكن التعامل مع مكان في القرن الحادي والعشرين بدون فهم عميق لهذا البعد الفلسفي التاريخي المصري القديم, فقد كان لابد أن نضع أنفسنا في مكان الكاهن المصري القديم الذي شيد هذه الأهرامات حيث كان فيلسوفا ومعماريا في الوقت نفسه مع الاستفادة بالتكنولوجيا الحديثة التي لم تكن متوافرة له. وأضاف د. أبو النجا أن الفكرة الأساسية للتطوير هي أن هضبة الأهرامات حالة معمارية فريدة تتعامل مع عبقرية المكان ليس في محليته المحدودة لكن كمكان يبدأ في رحلته الجغرافية من الصحراء الكبري ويتقاطع مع أطول وأكبر واد ونهر في العالم, حيث إن التحول بين المسافة الشاسعة للصحراء الكبري والحالة الجغرافية عند نهر النيل والوادي في منطقة الأهرامات التي تتمركز عند حافة التحول للحالة الجغرافية من الهضبة للوادي العظيم. المنظومة الهندسة * لكن كيف نتعامل مع الحالة المعمارية القائمة الآن؟ وكيف نجعل الزائر يستمتع بالحالة الفريدة للأهرامات. * أجاب د. أبو النجا: ببساطة شديدة لكي تصل إلي هذه الحالة الفريدة لابد من تطويع المفردات المعمارية القائمة لنصل إلي حالة اللاعمارة دون أن يتضرر أحد, أو القيام بأي أعمال إزالة أو تهجير. * وكيف سيتم تطبيق هذه الرؤية؟ * قال د. أبو النجا: إن ذلك سيتم من خلال عدة عمليات, فبالنسبة للمنظومة الهندسية فإن منطقة الأهرامات تعد منظومة هندسية فراغية عبقرية فريدة ولابد أن يصل للزائر هذا البعد عند زيارته لها حتي يستمتع بها بشكل واضح, وذلك سيتم من خلال تنظيم مسار الزيارة لإظهار هذا البعد المحوري الهندسي العظيم, حيث سيكون مسار الزيارة من نقطة محددة علي ارتفاع محدد بالهضبة بحيث تتقاطع الأهرامات الثلاثة بامتداد واحد ثم تنفرج هذه الرؤية مع امتداد المسار شرقا في شكل قوسي حتي يصل إلي نقطة أخري بعدها تنفرج الصورة بالكامل وتظهر منظومة الأهرامات هندسيا وفراغيا وجغرافيا في لحظة أخري وتتواري هذه النقاط حتي يصل الزائر وجها لوجه مع ضمير المكان ممثلا في تمثال أبو الهول. وأضاف د. أبو النجا: إن مواد البناء التي ستستخدم في عملية التطوير ستكون ذات خصوصية شديدة حيث تم اختيار نوع معين من الأحجار الرملية التي تتواءم مع طبيعة المنطقة تتميز بدرجة تحمل عالية لتتحمل حركة السير, سواء للسيارات الكهربائية أو للأفراد, كما سيتم التعامل مع الحجر الرملي بدرجات مختلفة من الخشونة والنعومة للوصول للغرض المنشود معماريا, حيث تختلف معالجة الحجر سطحيا بما يتناسب مع الغرض المعماري والوظيفة المطلوبة, كما أن نفس نوعية الأحجار ستمتد أفقيا لتشكل مسطحات المنشآت السفلية التي ستضم جميع الخدمات التي يحتاجها الزائر والتي ستصمم بحيث تمكن الزائر من رؤية بانوراما الأهرامات من أكثر من نقطة وموضع وهو بداخلها. المتحف والهضبة وحول علاقة منطقة الهضبة بعد التطوير بمشروع المتحف الكبير كمنطقة أثرية متكاملة قال: إنه سيتم ربط التخطيط العام للهضبة بالمتحف الكبير الذي يقع بالقرب منها, ولا يفصل بينهما سوي نادي الرماية الذي لابد أن يكون له موقع آخر بعيدا عن هذه المنطقة الأثرية, وذلك حتي تكتمل منظومة المتحف والهضبة في موقع أثري متكامل بحيث يتاح لزائر الهضبة أن يصل للمتحف داخل الرحلة الواحدة ولا يضطر للخروج من الهضبة والذهاب برحلة جديدة إلي المتحف. نزلة السمان وبالنسبة لمشكلة المباني العشوائية التي تحيط بهضبة الأهرامات بمنطقة نزلة السمان قال د. أبو النجا: إننا سنتعامل مع المشكلة بشكل إنساني بحت, حيث لن يتم تهجير أو إزالة مساكن المواطنين, ولن يتم إرغام أحد علي ترك مكانه أو إنهاء تجارته, بل علي العكس فإن المنظومة الجديدة ستساعد علي انتعاش المنطقة اقتصاديا في إطار يؤدي إلي استيعاب هؤلاء المواطنين بأنشطتهم المختلفة وتطويرها داخل منظومة الرؤية الجديدة لهضبة الأهرامات. محمية تراثية وأضاف أنه بالتوازي مع مشروع التطوير فإنه يتم حاليا توثيق منطقة جبانة ممفيس التي تضم مجموعة أهرامات الجيزة وأبوصير وسقارة ودهشور في إطار موقع تراث عالمي موثق من خلال هيئة اليونسكو, وذلك تمهيدا لإعلان المنطقة بأكملها منطقة محمية تاريخية تراثية, وإن كان ذلك بالطبع يتطلب صدور قرار جمهوري بذلك.