لا يبدو هنالك أي تشابه بين مرشح الرئاسة الروسي دمتري مدفيديف و الرئيس الحالي فلاديمير بوتين. فمدفبيديف صوته هاديء ومفرداته منتقاه ومهذب وحتى ودود، فبوصفه استاذ سابق للقانون، يقدم نموذجا ً للأستاذ الجامعي المثقف. هل ستحوز هذه الصفات على تقدير الشعب الروسي؟ إنه غربي الطابع، مفرط الوداعة، بمعنى آخر ليس روسيا ً بدرجة كبيرة. " هل رأيتم يديه؟ إنهما لطفل في الرابعة عشر من العمر، كيف يمكنه بهاتين اليدين قيادة روسيا أكبر بلد في العالم؟" تقول بائعة صحف. إنها أمور لا يمكن التغاضي عنها في بلد يعتبر الوداعة و قصر القامة (1,62 مترا)علامات ضعف. على النقيض من هذا الرأي، يقول فاليري موسين، أحد أساتذته السابقين في كلية الحقوق بسان بطرسبورج، في وسع مدفيديف أن يتصرف بصرامة إذا تطلب الأمر ذلك. أما أولجا إحدى تلاميذه في نفس الكلية تقول إنه في فترة الامتحانات لم يكن يفوته شيء. دمتري مدفيديف، 42 سنة، سيكون الحاكم الروسي الأصغر سنا ً منذ نيكولا الثاني، آخر قياصرة أسرة رومانوف، الذي قتله البلاشفة في 1918. مدفيديف يقر بالشبه بينه و بين نيكولا الثاني من ناحية المظهر دون أن يتطرق إلى الجوهر، فنيكولا كان ضعيفا ً. و في محاولة للالتفاف على مظهره الضعيف، يسعى إلى تقليد مرشده بوتين، فيحمل على منظمة الأمن و التعاون الأوروبي قائلا ً "إنها تتلقى الأوامر من واشنطن". و يتهم المجلس الثقافي البريطاني، الذي أغلق الكرملين فروعه في الأقاليم، "بأنه يمارس أنشطة استخباراتية". ملصقات الحملة الانتخابية المعلقة في القرى تظهر الرئيسين المرتقب و المنتهية ولايته جنبا ً إلى جنب، لكن بالاقتراب قليلا ً نرى صور بوتين متقدمة بضعة سنتيمترات. و قد قال بوتين إنه لن يكون محتاجا ً إلى تعليق صور خليفته، فالعلاقة بينهما هي علاقة أب و ابن. يلخص فاليري موسين ذلك قائلا ً "هي علاقة أستاذ بتلميذ، فلاديمير بوتين سيساند خليفته، إن مدفيديف مدين بكل شيء إلى أستاذه". نشأ مدفيديف في ضواحي مدينة سان بطرسبورج العاصمة السابقة للامبراطورية، حيث حصلت عائلته على سكن مساحته 40 مترا ً مربعا ً تخصصه الدولة لمتوسطي الحال، و كان السكن يتميز بوجود دورة مياه مستقلة أغنت العائلة عن الوقوف في طوابير الصباح لاستخدام دورة المياه المشتركة. و في كلية الحقوق بسان يطرسبورج التي تخرج فيها قبله بعشرة أعوام فلاديمير بوتين، يلفت مدفيديف انتباه اناتولي سوبتشاك الذي انتخب عمدة سان بطرسبورج في حقبة البريسترويكا، فعينه مساعدا ً له. يقول بوريس فيشنيفسكي المعارض الديمقراطي " كان وقتها في الخامسة والعشرين من عمره ولم يكن أحدا ً يعيره انتباها وكانت مهمته تتلخص في تلقي المكالمات لسوبتشاك. لكن فلاديمير بوتين انتبه إلى هذا الشاب الذي يوزع وقته بين مقر العمودية و القاء المحاضرات في كلية الحقوق، إضافة إلى بعض أنشطة المشورة الصغيرة". بدأت العلاقات تتوطد بين بوتين و مدفيديف، حيث يعينه مستشارا ً قانونيا ً في لجنة العلاقات الاقتصادية الخارجية لمكتب عمودية سان بطرسبورج، و يظهر مدفيديف براعته في تخليص بوتين من بعض الورطات مثل اتهام مجموعة من النواب في الدوما له بالفساد. هذه المجموعة كانت تتزعمها مارينا سالي و هي الآن في الثمانين من عمرها و لم تتحدث عن القضية بعد ان تلقت تهديدا ً بالقتل.في هذه الفترة بدأ الفساد و المافيا ينتشران في سان بطرسبورج، حيث سيطرت منظمة طامبوف الاجرامية على المدينة لفترة قبل أن ينزوى زعماؤها. و قد اقترب مدفيديف من هذا العالم دون ان يتلوث. عندما قفز بوتين قفزته الكبرى من سان بطرسبورج إلى الكرملين في 1997 لم يأخذ معه مدفيديف و إنما إيجور سيتشين، أما مدفيديف فوصل الكرملين في 1999 حيث اوكل له بوتين الذي كان وقتها رئيسا ً للوزارة، مهمة الاشراف على حملته الانتخابية. وسرعان ما تفوق مدفيديف على الجميع ليصل إلى منصب رئيس الإدارة الرئاسية و يطلق عليه زملاؤه لقب "الوزير" و يصبح عين بوتين الساهرة في شركة الغاز العملاقة "غازبروم" التي يشغل بها حتى الآن منصب رئيس مجلس الإدارة. في 2005 بدات التوقعات ترشح مدفيديف لخلافة بوتين بعد أن أزاح منافسه سرجي ايفانوف الضابط السابق بجهاز الاستخبارات الروسي KGB. هنا بدأ يبزغ الأمل في التغيير في اللهجة إزاء السياسة الخارجية و تحسين ظروف الاعتقال لميخائيل خودوركوفسكي أحد أقطاب قطاع البترول في روسيا و الذي حكم عليه في 2005 بثمانية اعوام في أحد المعسكرات على مسافة 7000 كم من موسكو. الآمال معلقة كذلك على مشروعات تطوير قطاعات الصحة و التعليم و الاسكان و الزراعة. لكن هل ستتمكن الأكتاف الهزيلة لمدفيديف من تحمل العبأ الثقيل: التضخم الذي قفز إلى 12%، ومديونيات الشركات العامة الكبرى، و تبعية الاقتصاد الروسي الشديدة للمواد الأولية، و إصلاح النظام القضائي و مكافحة الفساد. تقول المحللة السياسية ليليا شفتسوفا " لقد جلس مدفيديف في مقعد قيادة جيجولي قديمة ( سيارة روسية)، فحدث عطب في المحرك و الكوابح، لكن ادعى كل من بوتين و مدفيديف انهما يسبقان الغرب بهذه السيارة". مترجم عن : ماري جيجو لصحيفة لوموند