تزامناً مع دورة الألعاب الأولمبية في العاصمة الصينية بكين، عرضت القناة التلفزيونية الهولندية الثانية الاسبوع الماضي برنامجاً خاصاً من خمس حلقات عن محطات التلفزيون في الصين بعنوان «تلفزيون الصين». البرنامج الذي بدأ الإعداد له منذ أشهر، بث مقاطع منتقاة بعناية شديدة لبرامج تلفزيونية صينية، قبل ان تناقش مواضيعها مع خبراء اعلام وإعلاميين صينين وهولنديين في استوديو اعد لهم في العاصمة الصينية، تحت ادارة الكاتبة الصينية جولي اويونغ التي تعيش في هولندا منذ أكثر من عقد من السنين. ومن اجل اختيارات تلفزيونية متنوعة تحاول ان تغطي كل الاتجهات الفنية في التلفزيونات الصينية، قضى معد البرنامج الهولندي ومخرجه بيتر فليري شهوراً في الصين، متنقلاً بين المدن والريف، لتسجيل الاختلافات الموجودة بين تلفزيونات المدن والقنوات التلفزيونية التي تتوجه الى سكان المناطق الريفية الشاسعة. وعلى رغم شيوع البضائع الصينية في كل مكان في العالم بسبب انخفاض تكاليف إنتاجها، الا أن برامج التلفزيون الصيني لا يكاد يعرفها احد، ما عدا الصينيين أنفسهم. وعندما شاعت تجارة بيع البرامج التلفزيونية أو أفكارها في عدد من تلفزيونات العالم، بقيت الصين مستوردة فقط للأفكار، بخاصة افكار البرامج الشعبية التي يوجد العشرات من امثالها على شاشات القنوات التلفزيونية هناك، وبتنويعات تناسب البيئة الصينية، مثل البرنامج الذي عرضت مقاطع منه، ويدور حول اختيار أبطال «الكاينفو» الجدد الذين يحلّون محل أبطال صينين معروفين ونجوم سينما، مثل النجم السينمائي الشهير جاكي شان. وبسبب القوانين الرقابية وسيطرة وزارة الإعلام على العملية الإنتاجية التلفزيونية، تبدو البرامج الصينية تابعة كثيراً للخط الرسمي للدولة، وتتجنب التعرض لمواضيع معينة، مثل الحريات العامة، وعلاقة الصين بالعالم، وبعض المشاكل الاجتماعية. ولأن هذه المحظورات معروفة للجميع هناك، لا يتم حتى تقديم افكار برامج لمناقشتها. ولا تختلف الحال بالنسبة الى البرامج التي تحصل على موافقات إنتاج، فهي تتعرض أيضاً لرقابة صارمة اثناء التصوير، خصوصاً ان ليس في الإمكان عرض اي برنامج في القنوات التلفزيونية الصينية (يصل عددها حوالى 3000 قناة ) من دون موافقة وزارة الدعاية الصينية. وعلى رغم ان بعض الضيوف في البرنامج الهولندي، تحدثوا عن تغييرات كبيرة تشهدها الصين منذ نحو عشرين سنة، وتناولوا محاولة الحكومة الصينية الابتعاد قليلاً عن تراث الحقبة الشيوعية (خلت مثلاً، حفلة افتتاح الأولمبياد الأخير من أي اشارة الى الثورة الشيوعية)، وتقديم «صين» جديدة، كبلد تمثل نسبة النمو الاقتصادي فيه احدى اعلى النسب في العالم، الا انهم لم يتحدثوا بالتفاؤل ذاته عن التلفزيون الصيني الذي يشهد تغييرات طفيفة فقط. فالتاريخ الصيني الذي يقدم في البرامج الوثائقية هو تاريخ الدولة الشيوعية الحديثة، وإثارة الحماسة الوطنية لا تزال موجودة في معظم البرامج السياسية التي يبدو بعضها كأنه ينتمي الى سنوات الخمسينات من القرن العشرين وروح الحرب الباردة. وعلى رغم الرقابة الصارمة المفروضة على البرامج التلفزيونية الصينية، يبدو ان هناك مؤشرات إلى ضغوط كبيرة، تتعرض لها الحكومة الصينية لزيادة مساحة الحرية في التلفزيون. هذه الضغوط، وكما أشار بعض الخبراء الإعلاميين الهولنديين، تأتي من مستعملي شبكة الانترنت في الصين الذين يقدر عددهم ب 230 مليون شخص، وهي أعلى من أي نسبة في أي دولة في العالم. ذلك ان عدداً كبيراً من مواقع الإنترنت (يديرها الشباب عادة)، خصصت لانتقاد برامج التلفزيون الصيني، ما أدى الى توقيف بعضها، وتحسين أداء برامج اخرى. ولا يخلو احتكار الحكومة الصينية ملكية القنوات التلفزيونية في الصين من فوائد مالية، فمع الرخاء الاقتصادي الذي تشهده الصين حالياً، زادت مداخيل الإعلانات التلفزيونية على القنوات الصينية، حتى وصلت ارباح احدى القنوات الكبيرة الى نحو 100 مليون يورو خلال سنة واحدة فقط. في المقابل لا تشكو القنوات التلفزيونية الصينية من قلة المشاهدين، ففي حين يتمنى اي برنامج اوروبي او اميركي تحقيق نسبة مشاهدة تصل الى خمسة ملايين مشاهد مثلاً، يحقق برنامج صيني ناجح، يعرض على قناة «سي سي تي في» الصينية مثلاً، نسبة مشاهدة تصل الى 800 مليون مشاهد. هذا العدد الهائل وغير المعروف في اي مكان آخر في العالم، لا يمكن ان تفرط به السلطة الصينية بسهولة، لمصلحة محطات تلفزيونية خاصة أو أجنبية من خارج الصين. لذلك يبدو اي تغيير كبير وقريب، من الأمور غير المطروحة على أجندة التغييرات في هذا البلد.