"خطر اندلاع حرب ضد ايران قائم وجدّي واكبر من اي وقت مضى، وهو محور مشاورات سرية اميركية – اوروبية وعربية – دولية جارية حاليا. ولبنان مرشح، اكثر من العراق وفلسطين والجبهة السورية والخليج، لان يكون، وضد ارادة الغالبية العظمى من ابنائه، طرفا مباشرا في اي مواجهة عسكرية اسرائيلية او اميركية مع الجمهورية الاسلامية، لان "حزب الله" يريد، بالتفاهم التام مع طهران، ان يخوض بكل قدراته العسكرية المعركة الكبرى الى جانب الايرانيين، وايا يكن الثمن. وهذا الموقف الخطر هو ما يدفع "حزب الله" فعلا الى التمسك بسلاحه وبحرية التصرف به كما يريد، ما يجعله يحرص على الاحتفاظ بقرار الحرب في معزل عن الدولة وعن السلطة الشرعية، وهو ما يتجاوز الحسابات الداخلية ومنطق حماية لبنان من التهديدات الاسرائيلية الذي يتذرع به الحزب علنا". هذا ما اكدته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية في باريس وثيقة الاطلاع على تطورات المشكلة النووية الايرانية. وكشفت هذه المصادر ان "المعلومات التي تملكها دول غربية وعربية بارزة ومعنية مباشرة بالامر تؤكد ان القيادة الايرانية اتخذت قرارا بالتمسك باربعة مطالب ومواقف اساسية، بقطع النظر عن الضغوط والتهديدات الدولية وعن الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الداخلية الصعبة، هي: اولا: التمسك باستقلال ايران النووي ورفض ربط مصير برنامجها النووي بعروض الدول الكبرى واقتراحاتها ومصالحها وحساباتها. ثانيا: الاصرار على مواصلة عمليات تخصيب الاورانيوم وتطويرها لامتلاك القدرات التكنولوجية الضرورية لانتاج السلاح النووي ورفض اي عرض دولي يتعارض مع هذا التوجه. ثالثا: التصرف على قاعدة ان ايران ليست دولة عادية بل هي الدولة الرئيسية في المنطقة، ما يفرض على الدول الكبرى ان تتعامل معها على هذا الاساس وليس ان تفرض شروطها عليها؟ رابعا: اتخاذ كل الاجراءات والقرارات اللازمة لتثبيت ايران كقوة عظمى في الشرق الاوسط، اذ ان ثمة فرصة تاريخية متاحة الآن لتحقيق ذلك بسبب المصاعب الكبيرة التي تواجهها اميركا في عدد من الساحات، ونتيجة اقتناع المسؤولين الايرانيين بانهم لن يتعرضوا لضربة عسكرية مهما فعلوا". واوضحت المصادر الاوروبية ان قرار المواجهة هذا الذي اتخذته القيادة الايرانية هو ما دفعها الى رفض العرض الرسمي الخطي الذي قدمته اليها الدول الست الكبرى اميركا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والمانيا، والهادف الى تسوية المشكلة النووية الايرانية بالوسائل الديبلوماسية. ووفقا لما قاله ديبلوماسي اوروبي بارز: "ان المسؤولين الايرانيين يرون ان قبولهم هذا العرض الدولي يشكل هزيمة سياسية واستراتيجية لهم وانتكاسة لدورهم وتقليصا لطموحاتهم الاقليمية، اذ ان قبولهم هذا العرض سيدفعهم الى وقف كل مساعيهم لانتاج السلاح النووي وسينهي استقلالهم النووي ويجعل ايران دولة كسواها من الدول المهمة في المنطقة تتعاون مع الدول الكبرى وفقا لقواعد وشروط حددتها هذه الدول وليست منسجمة مع مخططات الجمهورية الاسلامية وطموحاتها الكبرى بل تتعارض معها". الرد الايراني على العرض الدولي وفي اطار موقفهم المتشدد هذا يحاول المسؤولون الايرانيون اقناع شعبهم وحلفائهم بان الدول الكبرى تريد حرمان ايران امتلاك برنامج نووي سلمي متطور، لكن الواقع نقيض ذلك تماما، فالعرض الرسمي والخطي الذي قدمته الدول الست الكبرى الى ايران اخيرا لتسوية النزاع النووي سلميا يدعم صراحة وبوضوح حقها في امتلاك برنامج نووي سلمي ويتضمن كذلك حوافز واغراءات لم يسبق ان تلقاها الايرانيون منذ قيام الجمهورية الاسلامية عام 1979. فهذا العرض الدولي يتضمن استعداد الدول الكبرى لتطوير علاقات التعاون في مجالات عدة مع النظام الايراني الحالي مما يعني ضمنا التخلي عن اي خطط لاسقاط هذا النظام، ويشدد تحديدا على عزم الدول الكبرى على مساعدة ايران، تقنيا وماليا، لتمكينها من امتلاك برنامج نووي متطور مخصص للاستخدام السلمي، وعلى دعم بناء مفاعل نووي في ايران يعمل بالماء الخفيف، وعلى تقديم ضمانات ملزمة قانونيا بتوفير امدادات الوقود النووي التي يحتاج اليها الايرانيون. كما ان هذا العرض يؤكد استعداد الدول الكبرى لتطوير العلاقات السياسية مع ايران وللتشاور مع قيادتها حول قضايا المنطقة ولتعزيز التعاون معها وتحسينه في المجالات الاقتصادية والتجارية والمالية والتكنولوجية والعلمية والزراعية وفي مجالات اخرى متعددة. وفي مقابل ذلك كله تريد الدول الست الكبرى من ايران ان توقف تخصيب الاورانيوم وكل النشاطات السرية او العلنية التي تمكنها من انتاج السلاح النووي وذلك بطريقة يمكن التأكد منها، كما تريد من ايران ان تعتمد سياسة بناءة ومسؤولة وتسعى الى تعزيز الامن والاستقرار والسلام في المنطقة بالتعاون مع المجتمع الدولي والمجموعة العربية، وان تتخلى بالتالي عن مساعيها لمحاولة الهيمنة على الخليج العربي ولزعزعة الاستقرار في عدد من الساحات الاقليمية كالعراق ولبنان وفلسطين بالتحالف مع قوى متشددة تؤمن بالعنف. وكشفت المصادر الاوروبية المطلعة ان القيادة الايرانية لم تكتف برفض هذا العرض الدولي بل انها تريد، من خلال الردود والاقتراحات التي قدمتها الى الدول الست الكبرى، تحقيق ثلاثة اهداف اساسية هي الآتية: اولا: تريد ايران الحصول على تأييد الدول الكبرى لحقها في مواصلة تخصيب الاورانيوم، ما يعني انتزاع موافقة هذه الدول الضمنية على امتلاك ايران السلاح النووي. ثانيا: تريد ايران المشاركة مع الدول الكبرى في معالجة النزاعات الاقليمية المختلفة في العراق ولبنان وفلسطين وفي ساحات اخرى، وليس الاكتفاء باجراء مشاورات بينها وبين الكبار، مما يعطي الايرانيين حينذاك قدرة على التأثير على مسار الاحداث في المنطقة وعلى تحقيق مكاسب مهمة لهم ولحلفائهم. ثالثا: تريد ايران اقامة نظام امني – سياسي جديد في منطقة الخليج تشارك فيه ويمنحها موقعا مهما ومؤثرا ودورا اكبر في هذه المنطقة الاستراتيجية البالغة الاهمية. وشددت المصادر الاوروبية على ان هذه المطالب الايرانية مرفوضة من الدول الكبرى كليا ومن سائر الدول العربية المعنية مباشرة بالامر. خطط اسرائيل هذه المعطيات والمعلومات تكشف مدى صعوبة التوصل الى صفقة سلمية بين ايران والدول الكبرى حول المشكلة النووية وترجح احتمالات الحرب. وفي هذا المجال اكدت مصادر ديبلوماسية غربية وثيقة الاطلاع ان جهات غربية بارزة حذرت مسؤولين ايرانيين اخيرا من ان القيادة العسكرية والسياسية الاسرائيلية وضعت الخطط الحربية اللازمة لمحاولة تعطيل قدرات ايران على انتاج السلاح النووي وانها تدرس جديا توجيه ضربات جوية وصاروخية ضد منشآت نووية وعسكرية ايرانية متعددة قبل نهاية عهد الرئيس جورج بوش وربما قبل نهاية هذه السنة، وبقطع النظر عمن يرئس الحكومة الاسرائيلية. واوضحت المصادر ان مسؤولين اسرائيليين رفيعي المستوى اجروا خلال الفترة الاخيرة مشاورات مع عدد من الدول الكبرى في شأن خططهم الحربية هذه من دون ان يطلبوا صراحة الحصول على موافقة هذه الدول على ضرب ايران، وانهم شددوا خلال مشاوراتهم هذه على ان امتلاك ايران السلاح النووي يهدد مصير اسرائيل بشكل ليس كالسابق منذ قيامها، وانهم على اقتناع بان الجهوز والضغوط الدولية المختلفة لن تدفع الايرانيين الى وقف خططهم لامتلاك القنبلة النووية. وكشفت المصادر الغربية المطلعة ان اربعة عوامل اساسية تدفع اسرائيل الى "التفكير جديا" في ضرب ايران قبل نهاية عهد بوش في 20 كانون الثاني المقبل، وهي الآتية: اولا: ان المعلومات الاستخبارية التي تملكها القيادة الاسرائيلية من مصادر مختلفة تدفعها الى الاعتقاد ان ايران ستبلغ سنة 2009 خط اللاعودة في المجال النووي وتصبح قادرة فعلا على انتاج السلاح النووي في ذلك الحين او في موعد اقصاه السنة 2010. وعلى هذا الاساس فان ايران سترفض في الاشهر المقبلة كل العروض والحوافز التي ستقدمها اليها الدول الكبرى لوقف عمليات تخصيب الاورانيوم لانها تريد اساسا التفاوض مع هذه الدول بعد امتلاكها القدرات التكنولوجية اللازمة لانتاج السلاح النووي. والمسؤولون الاسرائيليون على اقتناع بان الوضع سيكون اكثر خطورة بالنسبة اليهم اذا ما قاموا بتأجيل ضرب ايران الى ما بعد مرحلة امتلاكها القنبلة النووية. ثانيا:ان ادارة بوش هي الاكثر تأييدا لاسرائيل في تاريخ العلاقات بين البلدين، وهذا ما يسهل "المهمة الاسرائيلية" اذ ان الرئيس الاميركي لن يجد اي صعوبة او حرج في تقديم مساعدات مختلفة الى الاسرائيليين، وإن بصورة غير معلنة في حال ضربوا ايران. كما ان هذا الرئيس الاميركي لا يزال يتمسك فعلا بالخيار العسكري في التعامل مع الجمهورية الاسلامية في حال فشلت الجهود الديبلوماسية الدولية في وقف البرنامج الايراني النووي التسلحي. ثالثا: اسرائيل ليست لديها مصلحة في احراج الرئيس الاميركي الجديد، وذلك بإقدامها على ضرب ايران في عهده، كما ان الرئيس الجديد، سواء كان باراك اوباما او جون ماكين، سيحتاج الى فترة من الزمان قد تمتد اشهرا عدة لاتخاذ قرار نهائي حاسم بشأن طريقة التعامل مع ايران وسبل منعها من انتاج السلاح النووي، وتتخوف اسرائيل وجهات اخرى من ان تستغل ايران هذه المهلة الزمنية لتطوير عمليات تخصيب الاورانيوم وان تكثّفها من اجل امتلاك السلاح النووي ووضع العالم امام هذا الامر الواقع الخطر الجديد. رابعا: ان المسؤولين الاسرائيليين على اقتناع، وفقا لما اكدوه لعدد من الزعماء الغربيين، ان ضرب ايران في عهد بوش سيعطي الرئيس الاميركي الجديد فرصة مهمة وجيدة لمعالجة المشكلة النووية الايرانية من موقع قوة وليس من موقع ضعف وعلى اساس انه ليس مسؤولا عما فعلته اسرائيل في عهد سلفه بوش وليس متورطا بالتالي، بشكل مباشر او غير مباشر، في مواجهة مسلحة مع الجمهورية الاسلامية. ووفقا لما قاله لنا ديبلوماسي اوروبي مطلع على هذا الملف: "ان المسؤولين الاسرائيليين يتصرفون على اساس انهم سيقدمون بضربهم المنشآت النووية الايرانية، خدمة كبرى لسائر الدول المتخوفة جديا من اخطار امتلاك النظام الايراني المتشدد سلاحا نوويا وصواريخ ارض – ارض قادرة على حمل رؤوس حربية نووية، لان مثل هذا التطور، في حال حدوثه، سيعزز مساعي ايران للهيمنة بوسائل مختلفة على منطقة الخليج التي تحتوي على اكثر من 60 في المئة من الاحتياط النفطي العالمي وعلى ساحات اقليمية اخرى، وهو ما يهدد الامن والسلم الدوليين وليس الامن والسلم في الشرق الاوسط فحسب". واضاف: "ان جهات غربية بارزة تتفهم هذا المنطق الاسرائيلي لكنها ترفض التصريح بذلك علنا لانها لا تزال تريد اعطاء الفرصة للجهود الديبلوماسية لاقناع ايران بالتخلي عن خططها لامتلاك السلاح النووي". هذا الوضع البالغ الخطورة جعل احد مستشاري الرئيس نيكولا ساركوزي البارزين يقول في جلسة مغلقة: "ان ايران النووية تشكل الخطر الاكبر الذي يهدد العالم حاليا".