لم يعد مهماً من فاز بلقب «سوبر ستار» لهذه السنة. المهم ماذا يستطيع أن يفعل الفائز، كائناً من كان، في مستقبله القريب أو البعيد. لا جواب. لا جواب مطلقاً حول هذه النقطة الجوهرية التي ينبغي أن تُدرس كظاهرة، بعدما دُرست جيداً ظاهرة نجاح هذا البرنامج التلفزيوني خصوصاً في أجزائه الأولى. الظاهرة الخطرة هي عودة خريجي «سوبر ستار»... الى بيوتهم بعد «نجومية» تلفزيونية واسعة. عودتهم الى الظلّ بعد أشهر قليلة من الأضواء المبهرة، فكأنهم لم يكونوا يوماً أمام الكاميرا على الشاشة الكاسحة كل بيتٍ وعائلة، وكأنهم لم يغنوا ولم يفتحوا أصواتهم على جمالٍ بعضه خلاّب، بل كأنهم كانوا في نزهة أو عطلة، فإذا ما انتهت النزهة أو العطلة عاد الجميع الى حياتهم العادية يتابعون أعمالهم أو يبحثون عن عمل إذا كانوا عاطلين من العمل! ليست القضية هي فتح استوديو التلفزيون أمام مواهب جديدة، فهذا عمل روتيني يقدر عليه من لا يملك إلاّ المال للإنتاج. القضية هي كيف نحمي المواهب التي تثبت أمام المشاهد وتنجح في الاستحواذ على رأيه وعاطفته عموماً، من الضياع أو من اليأس السريع القاتل، وكيف نفتح بعد استوديو التلفزيون، استوديو التسجيل الغنائي أمام «نجوم» جدد بعضهم من الوزن الفني الثقيل، الجميل، المشبع بروحية الطرب والتراث والأداء العصري في آن؟ وكيف نؤمن لهم الاستمرارية في خطّ الغناء الذي بدأوه في البرنامج: الغناء المتمكّن، القوي، الملآن بالعافية والنضج حتى وان يكن المغنون في ريعان الشباب وخبرتهم قليلة؟ مواهب يمكن القول انها استثنائية أحياناً، ويشكل غيابها، أو ضياعها (نكرر ذلك عمداً)، أو تردّدها بعد انتهاء عرض البرنامج، خسارة لا لنفسها فقط، بل للأغنية العربية الجديدة التي تحتاج دائماً دماً جديداً ينتج خبرات جديدة وألواناً أدائية مغايرة... فهل الشهرة الواسعة والكبيرة التي ينالها بعض نجوم برنامج «سوبر ستار» بأصواتهم التي تعادل الاكتشاف الذهبي أحياناً محكومة بأن تبدأ، بعد آخر مشهد يُعرض لهم على الشاشة رافعين أيدي الفرح بحيازة اللقب، بالتراجع؟ والغريب أنه لا يحتاج الأمر سنة أو اثنتين حتى ينسى المشاهدون نجمهم هذا أو ذاك في البرنامج. إذ بسبب عدم وجود خطط لرعايتهم، يتكفّل «الزمن» بسيرهم البطيء أو بإلقائهم على الرفّ، والزمن هنا بمعنى الأيام وبعض السنوات لا العقود. هذا بالضبط ما حصل مع نجوم «سوبر ستار» كلهم: ديانا كرازون، ملحم زين، رويدا عطية الذين تابعوا بشقّ النفس، أما الآتون بعدهم فبالكاد يتذكرهم الجمهور. ولعل شهد برمدا وهي الموهبة السورية الخارقة في أحد أجزاء البرنامج مثالٌ على التناقض الحاد بين قوة الموهبة خلال عرض البرنامج و «قوة» الظروف الإنتاجية والإعلامية بعد ذلك: شهد برمدا خسارة حقيقية. وفي «سوبر ستار» الأخير من يملك الطاقة الأدائية الغنية ولكن يخشى عليه من المصير «المحتوم» نفسه بناءً على التجارب السابقة. طبعاً ليست محطة «المستقبل» شركة إنتاج غنائي. ولا المؤسسة اللبنانية للإرسال كذلك وهي تقدم «ستار أكاديمي». لكن من غير العقول ترك المواهب على الطريق، بل على قارعة الطريق. ثمة ما ينبغي، من التعاون، ان يقوم بين المحطة التلفزيونية وأي شركة إنتاج تتبنّى المواهب كي يكون هناك تواصل بين مسرح الانطلاق ومسرح الاستمرار، وخبرة شركة الإنتاج ضرورية لأن المتخرجين في البرنامج قد لا يملكون أي معرفة بقدراتهم أو بما يناسبهم من الألوان الغنائية وبالتالي يمكن أن يقعوا بسهولة في الأخطاء المميتة غنائياً وانتاجياً... أسوأ ما يتعرّض له نجوم برامج هواة الغناء، خصوصاً أصحاب الإمكانات الغنائية الجدية والرائعة، ان محطات التلفزة التي تطلقهم تتعامل معهم كما يتعامل شخص «متعطش» مع شخص آخر «محتاج» ولا يريد منه سوى... متعة زائلة!