أكد التقرير الاستراتيجي العربي لهذا العام الصادر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام أن الأزمات المالية ليست ظاهرة حديثة، كما أن هذه الأزمات لها صور متعددة منها أزمة العملات والأزمات المصرفية وأزمات المديونية، مشيراً إلى أن العولمة تركت تأثيرا كبيرا في النظام المالي المعروف «بريتون وودز«، عندما فقد الاقتصاد الأمريكي حيويته وقدرته التنافسية، وهو ما عمق الأزمة المالية الدولية، وأحدث تدفقات الأموال الخاصة إلى البلدان النامية طفرة كبيرة في أسواق العقارات والأوراق المالية. وشدد على أن هناك انفصاما واضحا بين معطيات الاقتصاد الحقيقي والأسعار الاسمية، التي تحددها المراهنات المسعورة والمحمومة، وأن هذه المراهنات بدورها أفقدت النظام المالي الحالي قدرته على إدارة المخاطر المالية المحتملة. وأكد أن منظور التفاوض لوضع سياسة للتعاون بين الدول الأورومتوسطية هو الكفيل بتنمية إمكانيات الشراكة بين هذه الدول، وأن أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، سوف يؤرخ به للقرن الواحد والعشرين نظرا لعظم تأثيرها في ملامح لوحة المستقبل العالمي. وأشار إلى أن هذه الأحداث استطاعت أن توقظ النزعة المسكونة بأشباح الحروب الصليبية في العقل الغربي، ومن هنا كان لابد من مبادرة عربية تقوم على أساس القناعة الكاملة بأن حوار الحضارات أساس صياغة النظام العالمي الجديد، وأنه لا مناص من هذا التحاور والتقارب وتأكيد نقاط التلاقي ونبذ لغة الصراع. وأوضح أن الاحتلال الأمريكي للعراق يستحوذ على القسط الأكبر من الاهتمام الداخلي في أمريكا، حيث شاعت قناعة قوية لدى قطاع عريض من الدوائر السياسية الأمريكية أن واشنطن في المرحلة الراهنة تفتقد القدرتين السياسية والعسكرية على احتواء الموقف المتأزم في العراق. وقال: هناك فجوة هائلة بين ما تسعى إليه إدارة بوش وبين ما تم تخصيصه من موارد سياسية وعسكرية واقتصادية ومخابراتية وبشرية، وبالتالي فإن الاستراتيجية الأمريكية تستوجب تغييرا في أهدافها من بناء دولة مستقرة إلى احتواء الأزمة العراقية عند مستوى معين ووقف تأثيرها في الحدود العراقية منعا من وصولها إلى بقية الإقليم. وأضاف أن الشأن العراقي مارس دورا رئيسيا في سقوط الحزب الجمهوري في انتخابات الكونجرس، ومن ثم نجاح الحزب الديمقراطي الذي شكل أغلبية الكونجرس رقم 110 وحصوله على أغلبية حكام الولايات، وهو ما قد يرفع أسهمه في انتخابات الرئاسة المقررة هذا العام .2008 وأكد أن نتائج الانتخابات التشريعية الأمريكية جاءت لتعلن بداية أفول نجم المحافظين الجدد من دوائر التأثير ومراكز صناعة القرار السياسي، مشيراً إلى أنه قد جاء دور لجنة بيكر - هاملتون لتكون محاولة للوصول إلى نوع من الاتفاق بين الأطراف السياسية الداخلية الأمريكية الديمقراطيين والجمهوريين حول المأزق الأمريكي في العراق، كما أن «استراتيجية التقدم إلى الأمام« التي طرحها بوش جاءت محاولة للحفز، أوضح إصراره عليها لتنفيذ سياساته في العراق من دون أي تغيير جوهري. وعلى صعيد علاقة الاتحاد الأوروبي بقضايا الشرق الأوسط، يرى التقرير الاستراتيجي العربي أن العقيدة الأمنية الجديدة لأوروبا بعد 11 سبتمبر 2001 تشير إلى أن أزمات الحكم في دول الجنوب، هي المصدر الأساسي لمشكلات الأمن بالمعنى الشامل، ومن ثم الدعوة لإصلاح نظم الحكم في منطقة الشرق الأوسط وتحديثها. أما سياسة الصين الخارجية، فيؤكد التقرير أنها تسعى لزيادة دورها العالمي وتأمين مصالحها عبر العالم، وتولي أهمية للعلاقات الاقتصادية مع جميع الدول خاصة فتح الأسواق أمام صادراتها واستثماراتها، وتأمين مصادر النفط والمواد الخام لضمان استمرار عجلة التنمية في الداخل. وناقش التقرير المتغيرات الدفاعية والتصورات المطروحة لأمن الشرق الأوسط والموجة الثالثة لمشكلات الانتشار النووي وإشكالية العلاقة بين السنة والشيعة وتطورات تركيا وإيران من الداخل، موضحا أن الشرق الأوسط أصبح مسرحاً للمواجهات الاستراتيجية الدولية، وهو تحول نتج عما جرى ويجري في العراق وأفغانستان إلى إقليم في حالة توتر وتحول سريع على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي والثقافي. وأشار إلى أن التخطيط العسكري الأمريكي من المرجح أن يبنى على أساس وجود عسكري أكثر كثافة ومرونة في المنطقة، وذلك عند مقارنته بفترة الحرب الباردة، مع الترتيب لتدخل سريع بواسطة قوات للدعم قادمة من مناطق قريبة من البحر المتوسط. وعن الموجة الثالثة للانتشار النووي المرتبطة باحتمالات امتلاك إيران أسلحة نووية، يرى التقرير أن هذه الموجة من المتوقع أن تؤدي إلى حدوث تغيير استراتيجي في المنطقة، ينتقل بها من حالة الاحتكار النووي الإسرائيلي إلى حالة الانتشار النووي المستندة إلى نموذج القطبية الثنائية في الإقليم، خاصة أن البلدان العربية شهدت بداية موجة من الانتشار النووي المدني وكأن ثمة ماراثونا نوويا يجري في الشرق الأوسط في ظل مقولات جديدة تماما تتعلق بالعلاقة بين القدرة النووية والقوة النووية. ويؤكد أنه على الرغم من أن موجة الانتشار النووي في المنطقة لن تؤدي بالضرورة إلى تداعيات عسكرية، فإنه من المؤكد أنها سوف تدفع باتجاه ظهور تأثيرات استراتيجية لاتزال الأفكار الخاصة بها تحت التشكيل، موضحاً أن الإشارة إلى إعلان إسرائيل دولة نووية من جانب رئيس وزرائها «إيهود أولمرت« تعبير عن سياسة جديدة فحواها أنه على العالم الاعتراف بالأمر الواقع والخاص ببعض الدول خارج نطاق تصنيف معاهدة منع الانتشار النووي، وهذا يعني بدوره أن ملامح نووية جديدة سوف تضاف إلى الوجه الاستراتيجي للإقليم، وهذا بدوره سوف يؤثر في اللاعبين الرئيسيين. إشكاليات التقارب والتباعد وشدد التقرير في متناول تحليله للدلالة السياسية لإشكالية العلاقة بين السنة والشيعة في المنطقة على أن السياسات التي اتبعتها الإدارة الأمريكية في ترتيب تحالفاتها الداخلية وإدارة صراعاتها الإقليمية خاصة مع إيران استطاعت أن تفجر إشكاليات التقارب والتباعد بين السنة والشيعة في منطقة الشرق الأوسط، وإن كان إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين فجر أول أيام عيد الأضحى الموافق 30 ديسمبر 2006، ليعبر عن عمق المشاعر الطائفية لدى الشيعة في مواجهة السنة في العالم. وأوضح أنه من المرجح أن تتجه النزاعات والصراعات المذهبية في المنطقة نحو الاستمرار في ظل استمرار السياسات الأمريكيةوالإيرانية، لأن إيران بإصرارها تدفع الولاياتالمتحدة إلى الضغط على حلفائها في المنطقة للوقوف ضد التحركات الإيرانية وهذا بدوره سوف يوسع الهوة بين السنة والشيعة في المنطقة، وأن عودة ملف الأقليات خاصة مع دق طبول الحرب الأمريكية، يعني إمكان توظيفها للتمرد في مواجهة النظام. وشدد التقرير على أنه بالنسبة إلى الوضع التركي الداخلي، فإنه بات أكثر اعتدالا عقب فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، الذي أصبح مؤخرا أكثر مدنية وتقدما من جميع الأحزاب الكمالية الأخرى، وأنه أثبت ذلك بالممارسة العملية، وأن الرفض الأوروبي لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لاعتبارات دينية وحضارية وثقافية، يعني أنه لا بديل عن عودتها إلى فضائها الإسلامي. وأشار التقرير الاستراتيجي العربي إلى أن فوز حركة حماس في الخامس والعشرين من يناير 2006 في الانتخابات التشريعية الفلسطينية مثل انقلابا في المعادلة السياسية الفلسطينية، وأفرز تداعيات خارجية مثلت في مجملها ضغوطا على الشعب الفلسطيني عقابا له على انتخابه هذا التيار الديني المتشدد. وأكد أن تشكيل حركة حماس للحكومة بمفردها في مارس 2006 الماضي قاد العمل السياسي الفلسطيني نحو انحدار الصلات والتفاعلات بين شركاء النظام الفلسطيني إلى درك أسفل من الاتهامات والتباغض، التي امتدت إلى إضعاف المجتمع الفلسطيني ومؤسساته بما أفسد المناخ الفلسطيني كله، مؤكدا أن تشكيل حكومة وحدة وطنية في مارس 2007 ليكشف أنها لم تعد مسألة فلسطينية داخلية، بل أصبحت مجالا للضغوط الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية وبعض الدول العربية. قال التقرير: لم يمنع اتفاق مكة يوم 8 فبراير 2007 فرقاء القضية الفلسطينية من العودة إلى الاقتتال مرة أخرى، وذلك في يوم الحادي عشر من مايو 2007، هذا اليوم الفارق في تاريخ القضية الفلسطينية، لأنه لم يكن أكثر من ممر إجباري إلى مشهد مشوش يميل إلى اللون الرمادي، ولا يستقر على وجهة معينة. وأضاف: تبدو معضلة غياب الفلسفة الواضحة للمؤسسة الأمنية والتحديات الخارجية الأمريكية والإسرائيلية، التي تصر على الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والالتزام بالاتفاقيات الموقعة معها، أكبر التحديات التي تواجه بناء حوار فلسطيني يخرج بالقضية الفلسطينية من المحنة الخطيرة التي يواجهها النظام. اختراق غير مسبوق وأشار التقرير إلى أن النظام العربي يواجه حالة اختراق غير مسبوقة من الخارج، وعجز مؤسساته عن التفاعل بالكفاءة المطلوبة مع تحديات النظام، ودون عمل عربي جماعي يستند إلى قاعدة حقيقية للقوة وليس دبلوماسية التصريحات، لن يكون ميسورا مواجهة معضلات المستقبل، مؤكدا أن التطور الديمقراطي في موريتانيا يعد استثناءً في تفاعلات النظام العربي، فقد التزم المجلس العسكري الحاكم بالإقدام على التأسيس لحالة ديمقراطية نادرة، تمثلت في إجراء تعديلات على الدستور تضمن عدم الانتكاس على العملية الديمقراطية مستقبلا. وأوضح أن التجربة الديمقراطية الموريتانية تعد حلما لكل عربي، مؤكدا أن هذه التجليات وضحت جلية في الانتخابات البرلمانية والمحلية النزيهة التي أجريت في نوفمبر 2006، التي فاز بها المستقلون ولم تستبعد القوى الإسلامية من المشاركة فيها، ثم شهدت البلاد انتخابات رئاسية تنافسية في مارس 2007 أسفرت عن فوز المرشح المستقل سيدي ولد الشيخ عبدالله بعد انتخابات إعادة للمرة الأولى في تاريخ البلاد. وشدد على أن الحسم كان دوما في انتخابات الرئاسة سواء في موريتانيا أو غيرها من البلدان العربية، يتم في الجولة الأولى عادة، وهو ما جعل رئيسة بعثة المراقبين الأوروبيين، تقول: «عندما كنت أستمع لنتائج الجولة الأولى من الانتخابات لاحظت أنها لا تختلف في شيء عن الأرقام والمؤشرات المألوفة في بلداننا الأوروبية«. تغول السلطة التنفيذية وأشار التقرير فيما يتعلق بأحداث الداخل المصري إلى أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية جرى في يوم 26 مارس 2007 بنسبة مشاركة هي 27%، ومثل عزوف الناس عن المشاركة تعبيراً عن عدم الاهتمام والتأكد مسبقا أن النظام السياسي سوف يفعل ما يريد وإدراكهم أن مشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية لن تحلها الانتخابات ولا الاستفتاءات، موضحا أن هذه التعديلات تلتها انتخابات النقابات العمالية التي كشفت بدورها أن هناك أزمة هيكلية في التنظيم النقابي الرسمي، الذي يبدو جزءًا من الجهاز الإداري للدولة، ومن ثم يتطلب الأمر وجود حريات نقابية وضم عمال القطاع الخاص إلى التنظيم النقابي وعودة الدور الحيوي للجان النقابية. وأكد أن أزمة القضاة التي شهدها عام 2007 أكثر تداعياتها المستمرة إلى الآن دلت على تغول السلطة التنفيذية وامتلاكها أدوات حساسة للتأثير في مؤسسات القضاء، في حين كشفت دراسات وتقارير عديدة صدرت خلال 2007 أن وضع التعليم أصبح خطرا ويحتاج إلى إصلاح من الجذور في إطار بيئة جاذبة لرأس المال البشري وعبر إصلاحات سياسية ودستورية حقيقية.