الجمهورية: 4/7/2008 * شدني خبر مفاده انتهاء وزارة القوي العاملة من إعداد 335 معياراً لقياس مستوي مهارة الحرفيين طبقا للمستويات الدولية وان الوزارة خلصت خلال السنوات الخمس الماضية من قياس مهارة 180 ألف عامل حرفي ومنحت تراخيص بمزاولة المهنة ل 102 ألف حرفي. وطبعاً كل هذا مقدمة للتغلب علي ظاهرة العمالة غير المدربة التي انتشرت بل تغلغلت في جميع الأوساط المهنية والحرفية. وصارت كالسرطان تنخر في المجتمع وستظل حتي يأتي اليوم الذي فيه تروح ضحية تدني مستواهم الحرفي. * صراحة جهد تشكر عليه الوزارة وبادرة طيبة لاعادة الشيء لأصله فلقمة العيش الصعبة جعلت الكثير من الأفراد غير المتعلمين خاصة لأن يجتهدوا بالعمل في أي شيء لزوم "تقليب العيش" ومن باب "الرزق بيحب الخفية". وهذا حق مشروع ومتاح أمام العاطل والباطل ولكن ليس بهذا الشكل وإنما بالأصول والتدريب فالمسألة ليست سهلة فالحرفة والمهنة لها أصولها وصنعتها. والدليل إطلاق اسم "الأسطي" علي كل من يمتهن حرفة أو صنعة. وأيضا لفظ "المعلم" وهذا لا يأتي من فراغ بل بالجهد والعرق ومعرفة كل صغيرة وكبيرة عن الصنعة وليس كل من "مسك المنشار بقي نجار". لذا كان ينبغي علي الذي يريد أن يمتهن مهنة أو يحترف حرفة الاهتمام بمعرفة أصولها وخباياها كي يتمكن من اتقانها ويصبح معلما أو أسطي. نثق به ونعتمد عليه في قضاء حوائجنا. * أما المسألة بقت "سداح مداح" فهذا خطأ كبير ويترتب عليه خراب بيوت. وأعتقد أن أغلبنا قاسي وعاني من أنصاف هؤلاء وصعاليكهم. فالذي يمتهن مهنة لا تناسب ظروفه ومؤهلاته الجسمانية والعقلية واستعداداته يعتبر صعلوكا لأنه يتصعلك في مجال ليس بمجاله. وكذلك دخيلاً لأنه يحشر نفسه فيما لا يعنيه ولا يجيده. والذي يتدخل فيما لا يعنيه يسمع ما لا يرضيه بل وقد يخسر حياته. وكثيرا ما نسمع ونتداول فيما بيننا عن حكايات ونوادر أطرف من نوادر جحا عن تصرفات مثل هؤلاء "الهواة". وما يتعرضون له من الاهانة والضرب والقتل قبل الوصول إلي أقسام الشرطة بسبب سوء تصرفاتهم وتخريبهم للأجهزة المراد إصلاحها. * الطريف أن مثل هؤلاء يدعون معرفتهم بكل شيء حتي ولو لم يسبق له التعامل معه. لأنه يترك المسألة للصدفة مؤمنا بالمثل "إما صابت أو اتنين عور" وطبعاً العور في النهاية. وهذا الضرر الذي سيقع علي الزبون لا يعنيه. فهو ورطه بعد.. أن أخذ أجرته ثم يختفي لاصطياد ضحية أخري يعمل لها "البحر طحينة" والأغرب أنه يطلب أجرة مبالغاً فيها وكأنه خبير زمانه. وهنا يحدث الشجار لأنه لم يعط الزبون حقه مقابل ما حصل عليه من أموال بالفهلوة. ولا يكتفي بذلك وإنما يقوم بعمل غسيل مخ للزبون ويقنعه بأن كل شيء تمام. وتلك مأساة وخطأ لابد من تداركه وذلك بوضع تسعيرة اجبارية تلزم الطرفين وتقضي علي المشاكل بينهما. وأن تكون هناك فواتير كي يمكن للزبون استدعاء هذا الأجير أو الفني ثانية إذا ما تم اكتشاف خطأ في عملية الاصلاح وهو ما يطلق عليه "الضمان". وهذا يحدث عندما تذهب إلي المختصين أو لمراكز الصيانة إلا أن أكثرهم للأسف لا يرحمون الزبون ويبتزونه حتي النخاع. حيث في الغالب يلجأ إلي تغيير الجزء التالف بالكامل بدلا من إجهاد نفسه. وأحيانا يعرض نظام البدل مع دفع الفرق. الأمر الذي يجعل أغلب الزبائن تلجأ لهذا الفهلوي غير المدرب ولو هناك رقابة علي مراكز الصيانة ما تركونا فريسة لكل من هب ودب. مع ضرورة عمل حصر لجميع هذه الفئات وتصنيفهم. * عموماً تفكير وزارة القوي العاملة لهذا المعياروالزام مثل هؤلاء بعدم العمل دون تراخيص لمزاولة المهنة جاء في وقته وجهد نشكرهم عليه. لأنه سيفك الاشتباك بين الفهلوي والزبون. وسينهي المعاناة اليومية. فلا يعقل أن أخسر فلوسي وخدمتي في نفس الوقت. يعني موت وخراب ديار. لذا يجب علي الوزارة أن تقنن ذلك وتعلنه في وسائل الإعلام. وأيضاً الزامهم بتعليق تراخيص المزاولة علي صدورهم أو رقابهم مثلما يحدث في بعض الأعمال. وألا نسمح نحن كزبائن بادخالهم منازلنا أو التعامل معهم دون إبراز الترخيص أو رؤيته. وكم من حوادث سرقة وقتل حدثت بسبب ذلك. والمفروض أن يتم عمل تراخيص غير قابلة للتلف أو للتزوير. فهناك من يمكنهم التغلب علي ذلك بسهولة طالما أن الفهلوة وبتوع التلات ورقات و"احنا اللي دهنا الهوا دوكو" صاروا الأكثرية في هذا الزمان! * وهذا لا يعني عدم وجود "معلمين واسطوات" علي حق. فمازال هناك أمثالهم ممن ورثوا المهنة عن الآباء والأجداد. ومثل هؤلاء يجب الاهتمام بهم ورعايتهم والاستفادة منهم في عمليات التدريب خاصة في بعض الحرف التي أوشكت علي الانقراض. وعلي رأي المثل "ايدهم تتلف في حرير" وهذا ما جعل العثمانيين عندما غزوا مصر عام 1517 يقومون بعمليات تهجير جماعي وبشكل اجباري لكافة الصناع المهرة والحرفيين في ذاك الزمان. للاستفادة من خبراتهم في بناء بلادهم الفتية آنذاك. فهي في حاجة إلي سواعدهم وأفكارهم وابداعاتهم الفنية بل واحتجزوهم في معسكرات مؤقتا ثم زوجوهم كي لا يفكروا في العودة لمصر ثانية. * لابد من احترام التخصص والاهتمام بعمليات التصنيف فالمسألة ليست بالهمجية والعشوائية التي تحدث حاليا. والتي صراحة ان لم يتم وقف زحفها وابطال مفعولها الهدام أو وأدها من المهد ستكون العواقب وخيمة. والمثل القائل "7 صنايع والبخت ضايع" يحتمل معنين الأول ان كل هذه المهن السبع لا تمكن صاحبها من معرفة كل شيء عنها فأخفق وضاع وهذا طبيعي والثاني من كثرة فهمه واتقانه يبطئ في انجاز العمل فلا يقبل عليه أحد ثانية. وعموما لا يصح إلا الصحيح ولابد من إعادة الشيء لأصله. وأن نطور أنفسنا أولا بأول ونلاحق الحداثة وما يجري حولنا. وألا نلجأ إلا للذي نثق فيه ويحمل شهادة أو خبرة أو ترخيص مزاولة حتي لا يصبح حلاق الصحة طبيباً أو "الأعمي ساعاتي"!!