«مليونا دولار يوميا» كانت هذه الغرامة التي أقرتها المحكمة الأمريكية ضد شركة «مايكروسوفت» الأمريكية للبرمجيات عام 2005، لاتهامها باحتكار سوق البرمجيات في الولاياتالمتحدة، وذلك لأنها تقدم برنامج «الإكسبلورر» للتصفح عبر الإنترنت مجانا، مع نسختها من برنامج «الويندوز»، فضلا عن أن برنامج الويندوز يدعم تشغيل بعض الملفات، ولا يدعم تشغيل أخري، وهو ما رأته المحكمة «سلوكاً غير عادل»، ينبغي، بناء عليه، معاقبة «مايكروسوفت» عليه، لأنه يحول دون شراء المستهلكين برامج أخري لتصفح صفحات الإنترنت، كما يقلل من إقبال المشترين علي شراء برامج لا تدعمها أنظمة تشغيل «الويندوز». وعلي الرغم من ذلك تجاهلت الشركة العقوبات، حيث رأت أن مكاسبها من حالة الاحتكار التي وصفتها المحكمة ب«غير العادلة» أكبر من أضرار الغرامة اليومية التي أقرت عليها، إذ لم تكن تلك هي المرة الأولي التي تقر محكمة فيها غرامة ضد الشركة العملاقة، حيث كانت المرة الأولي هي إقرار غرامة مليون دولار تتصاعد باستمرار، وتجاهلتها الشركة أيضا، ولم تنته تلك القضية إلا بالقرار الجرئ الذي تم اتخاذه حينها، بتجزئة الشركة إلي جزئين الأول الشركة المنتجة ل«الويندوز»، بوصفه بيئة تشغيل، والثانية يهتم ب«الأوفيس»، بوصفه تطبيقات عملية وبرامج تعمل ضمن تلك البيئة، إلا أن «مايكروسوفت» تحايلت علي هذا من خلال إبرام اتفاقات شراكة مع شركة «الأوفيس» التي انفصلت عنها، ولاتزال الشركة في حالة جذب وشد مع المحاكم الأمريكية حول صحة اعتبارها محتكرة أم لا. واللافت في حالة «مايكروسوفت» أنها تأتي ضد أكبر شركة في العالم، كما أنها تأتي في أكثر بلاد العالم التزاما بنهج السوق الحرة، فضلا عن دفاع الكثير من الخبراء الاقتصاديين عنها، بذريعة أنه علي الرغم من سيطرة الشركة علي 90% من سوق برامج التشغيل في العالم فإنها لم تجبر منافساً قط علي الخروج من السوق بشكل غير مشروع، بالرشوة أو بالتحايل، ولكنها تقدم منتجا أفضل، يقبل عليه الناس فقط. ولا تقتصر حالات مكافحة الاحتكار في الدول المتقدمة علي أكبر شركة في العالم فقط، ولكنها تمتد لتشمل سلعا أقل أهمية، مثل الشيكولاتة مثلا، حيث قامت بريطانيا بحملة كبيرة ضد شركة «مارس» لإنتاج الشيكولاتة، حيث تم اتهامها باحتكار إنتاج الشيكولاتة وتم التضييق عليها كثيرا بوصفها شركة تحتكر «سلعة استراتيجية» بالنسبة للبريطانيين، حتي إن كتبا تم تأليفها عن تجربة «مارس»، بعضها وصف الشركة ب«الإمبراطورية المحتكرة»، وبعضها درس كيفية تحقيق الشركة النجاح. وتتنوع حالات منع الاحتكار داخل الدول الغربية لتشمل السلع الغذائية الرئيسية والمواد الخام والأسلحة وغيرها، مثل إحدي الشركات الأمريكية التي حاولت احتكار بذور العديد من السلع الزراعية، وأخري حاولت احتكار إنتاج لحوم الخنازير وضغطت الحكومة علي تلك الشركات كثيرا بوسائل قانونية وتنفيذية لكي تتراجع عن مسعاها. وتعمل الحكومات في كثير من الأحيان بعيدا عن الأحكام القضائية لضمان عدم بروز حالات احتكارية صارخة، وذلك في إطار حرص تلك الدول علي احتفاظ النظام الاقتصادي الرأسمالي بقدر أدني من القبول يتيح له الاستمرار، حتي إن بعضها قد يعمل علي دعم منافس للشركة الاحتكارية من خلال تقديم مميزات اقتصادية لتلك الشركة والعمل علي زيادة الصعوبات التي تتكبدها الشركات الاحتكارية. وتبرز هنا حقيقة أن الأدبيات الاقتصادية الغربية تؤكد أن وظيفة الدولة الرئيسية في ظل نظام السوق الحر أن تعمل علي ألا تنفرد جهة واحد بإنتاج سلعة معينة، وألا تحوز أيضا النسبة الأكبر من هذا المنتج، وتضع التعريف للمنتج الاستراتيجي بأنه المنتج الذي يري أغلبية المواطنين أنه لا يمكنهم حياة ب«صورة طبيعية» من دونه، ومن ثم يتسع التعريف ليشمل عشرات إن لم يكن مئات السلع.