تعيش اسبانيا اليوم الأحد محطة بارزة في تاريخها الحديث من خلال الانتخابات التشريعية في اقليم بلد الباسك لاختيار حكومة الحكم الذاتي، ذلك أن فوز الحركات القومية الباسكية كما تشير إلى ذلك استطلاعات الرأي يعني استمرارها في مسيرتها نحو الانفصال والتهديد بتكوين جمهورية جديدة في شمال إسبانيا قد يكون لها أكبر تأثير على مستقبل هذا البلد الأوروبي برمته ويتعدى ذلك إلى الاتحاد الأوروبي. ويشارك في هذه الانتخابات، الحزب القومي الباسكي الحاكم رفقة أوسكوال كارتاسونا واليسار الموحد، وكذلك »الحزب الشيوعي من أجل الأرض الباسكية« الذي طالب الحزب الشعبي بحظره لكنه لم ينجح في ذلك بسبب غياب أدلة قوية على ارتباطه بمنظمة إيتا. وهذه الأحزاب هي قومية مطالبة بالانفصال ولا تتردد في وصف الوجود الاسباني بالاستعمار والثلاثة الأولى تحكم ضمن ائتلاف بينها. كما يشارك في هذه الانتخابات الحزب الاشتراكي الحاكم في مدريد والحزب الشعبي المعارض، ويصنفان بالحزبين الوحدويين ببقاء بلد الباسك ضمن خريطة إسبانيا موحدة. وتشير استطلاعات الرأي إلى فوز الحركات القومية بالأغلبية المطلقة، وهذه الأغلبية المطلقة تعني شيئا واحدا وهو تطبيق الحزب القومي الباسكي للاستفتاء بشأن بقاء بلد الباسك ضمن اسبانيا أو إعادة العلاقات القانونية بين الاقليمومدريد في عدد من المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في أفق الانفصال وتحقيق دويلة جديدة في المدى المتوسط، وهو المخطط المعروف باسم »مخطط إيباريتشي« نسبة إلى رئيس الحكومة الباسكية الحالي. وتكشف العديد من الدراسات المستقبلية ومن ضمنها كتاب »مستقبل اسبانيا« لمؤلفه دييغو هيدالغو أن الخطر الحقيقي الذي يتهدد اسبانيا في المستقبل القريب هو مطالب الحركات الانفصالية التي قد تفجر اسبانيا ككيان وكدولة إلى مجموعة من الدويلات، وهناك حتى روايات أدبية تتحدث عن اسبانيا الشبيهة بملوك الطوائف العربية التي كانت في الأندلس. وكتب المحلل خوراسيو باسكيث ريال في جريدة آبي سي أمس السبت مقالا بعنوان »خطر التفكك« أهم ما جاء فيه أن هذه الانتخابات قد تعني فوز مخطط إيباريتشي الانفصالي، وقتها سوف لن تتقلص مساحة إسبانيا وعدد سكانها بل ستفقد الكثير من هيبتها في المنتظم الدولي. هذا السيناريو ليس من باب الخيال، فمطالب الحركات القومية الباسكية والكاتلانية ونسبيا الغاليسية تعمل في هذا الاتجاه، وأصبح اليوم الأحد تاريخا حاسما في نجاح وتقدم هذه الأطروحة أو تراجعها استنادا إلى نتائج الانتخابات الباسكية حيث كتبت الباييس في افتتاحيتها »ما يجري في الانتخابات هو مدى إيقاف زحف دعاة القطيعة مع دولة اسبانيا. وتحذر الكثير من الأصوات من أن استراتيجية الأحزاب القومية أكثر خطورة من استراتيجية منظمة إيتا الارهابية التي تراهن على السلاح لتحقيق انفصال بلد الباسك، ذلك أن ما عجزت عنه إيتا بالاغتيالات والتفجيرات يحققه الحزب القومي الباسكي عبر صناديق الاقتراع. ويثير التوجه الجديد في بلد الباسك قلق الحزب الاشتراكي الحاكم وكذلك الحزب الشعبي المعارض الذي يطالب بإجراءات راديكالية لوقف حدة الانفصال، كما يثير قلق المؤسسة العسكرية، حيث صرح وزير الدفاع خوسي بونو بأن الجيش لا تروقه أبدا اسبانيا مفككة. ويذكر أن الكثير من الدراسات تفيد بأن الجيش الاسباني الذي كان كثير التدخل في السياسة الاسبانية والانقلابات حتى سنة 1982 قد يعود إلى الساحة السياسية عبر بوابة مواجهة الانفصال في بلد الباسك. ونشرت جريدة والت ستريت جورنال الأمريكية مؤخرا مقالا تحليليا اعتمدت فيه على تقارير الاستخبارات الأمريكية يفيد بأن نجاح مخطط إيباريتشي هو بمثابة القنبلة التي قد تفجر القارة الأوروبية وستدخلها في متاهات الانفصال، حيث ستطالب كل قومية بالاستقلال. وبالقاء نظرة على الخريطة الأوروبية سيتبين أن النزاعات الانفصالية ليست منحصرة فقط في كوسوفو والبوسنة والهرسك أو دولة يوغوسلافيا سابقا بل هي شاملة في مجموع القارة، سواء مع حركة العصبة الوطنية في شمال إيطاليا والحركات الكورسيكية في كورسيكا الفرنسية وبلد الباسك الفرنسي وبلجيكا، وهذا يعني أن »الاتحاد الأوروبي يعيش بلقنة صامتة« لم تنفجر بعد وقد تكون الانتخابات الباسكية مقدمة لها. وستكون انتخابات يوم الأحد حاسمة في تاريخ اسبانيا، فتراجع الحركات القومية يعني مزيدا من الاستقرار في اسبانيا ونجاح أطروحتها الانفصالية يعني التمهيد للانفصال ودخول اسبانيا في فصل جديد لا أحد يعرف نتائجه الأخيرة وسيمتد بدون شك إلى باقي القارة الأوروبية.