عصر يوم الأحد السابع من يونيو عام 1981 كان العراق منشغلاً على حدوده الشرقية بحرب الخليج الأولى مع إيران التي كان قد مضى على بدايتها في ذلك الوقت ثمانية أشهر وفي الجهة الغربية من الحدود كانت إسرائيل على موعد مع حدث خططت له وبيتت العزم لتنفيذه. بعد أن دربت ثمانية من أمهر طياريها على مقاتلات اف -16 الأميركية لضرب حلم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في امتلاك برنامج نووي بإشراف الوكالة الدولية لطاقة النووية وان حامت الشكوك حول مقاصده النهائية وما إذا كان سلميا بحتا أم خطوة على طريق القنابل النووية. لكن العالم النووي العراقي د. نعمان النعيمي الذي شارك في الحلم العراقي بامتلاك التكنولوجيا النووية أكد في أكثر من مناسبة أن مفاعل «تموز» أو «اوزيراك» كان للأغراض السلمية. مشيرا إلى أن بداية العمل في البرنامج بدأ بعد زيارة نائب الرئيس العراقي حينها صدام حسين على رأس وفد كبير من ضمنه رئيس لجنة الطاقة النووية العراقية إلى فرنسا في السبعينات.وقت أن كان جاك شيراك يشغل منصب رئيس الوزراء وقد تشكل بين الطرفين حينها صداقة حميمة تواصلت لسنوات. وفي إطار هذه الزيارة عقد العراق مع فرنسا عدة اتفاقيات بين الجانبين لإنشاء مصنع للفولاذ في منطقة الزبير ومصنع للمعدات الالكترونية للرادارات في منطقة الدور بالإضافة إلى صفقة طائرات الميراج العسكرية واتفاقيات نفطية. كما تم عقد اتفاق بين لجنة الطاقة العراقية ونظيرتها الفرنسية بقيمة 450 مليون دولار أميركي فقط لإنشاء مفاعل لفحص المواد على أن يكون نسخة مماثلة لمفاعل نووي فرنسي يدعى (أوزيرس) وهو بطاقة 70 ميجا وات حراري، ويستخدم لفحص المواد التي تستخدم في صنع المفاعلات النووية، وقد صمم المفاعل العراقي ليكون بقدرة 40 ميجا وات حراري وسماه الفرنسيون «اوزيراك - 1» والمعروف في العراق باسم »تموز - 1« أو مشروع «17 تموز» .والى جانب هذا المفاعل أنشئ مفاعل صغير «اوزيراك -2» بقدرة 1/ 2 ميجا واط ويستخدم كمفاعل تجريبي للمفاعل الكبير، اشتمل مشروع 17 تموز الفرنسي على مختبر وورشة تحضير المواد ومختبر لمعالجة النفايات المشعة ذات النشاط الإشعاعي المنخفض، وبحسب الاتفاق تم تصنيع كافة المعدات الخاصة للمنشأة النووية في فرنسا، ومن ثم يتم شحنها إلى التويثة حيث موقع المفاعل. إسرائيل التي كانت تتابع الجهد العراقي عن كثب لم تنظر جلاء الشك من اليقين حول هدف مفاعل «تموز»، ورأت أن الأمر في كل الأحوال، يهدد أحلامها في الهيمنة وامتلاك الرادع النووي الذي يضمن، تفوقها العسكري الدائم على جيرانها العرب. وحسب الرواية الإسرائيلية التي كشف عنها النقاب وبثها التليفزيون مساء 18 ابريل 2007 في فيلم وثائقي مدته ساعة ونصف ساعة، عرض الفيلم الاستعدادات الدقيقة التي قامت بها أجهزة المخابرات في الجيش الإسرائيلي وسير الغارة التي شنت في السابع من يونيو 1981 على مفاعل «تموز»، وقتل خلالها فني فرنسي. وتبين من خلال الفيلم أن طائرات «أف 16» الثماني التي نفذت الغارة كان يجب أن تسلم أصلا لشاه إيران، ولكن بعد الثورة الإيرانية تم تسليمها لإسرائيل وكان من المفترض ألا تتسلمها إلا في عام 1982. وكشف الفيلم كيف تدربت مجموعة الطيارين الثمانية منذ وقت طويل وبسرية متناهية على التحليق على علو منخفض خصوصا فوق قبرص والبحر الأحمر. وكان أصغر هؤلاء الطيارين إيلان رامون الذي أصبح أول رائد فضاء إسرائيلي وقتل في الأول من فبراير 2003 خلال تحطم المركبة الأميركية كولومبيا. وفق هذه الرواية أيضا فقد أخذت جميع المخاطر في الاعتبار خلال الغارة على مفاعل «تموز» فيما يخص الأعطال واحتياطي المحروقات والنيران الأرضية المضادة والأخطاء الملاحية وغيرها. وقد شارك في العملية في مجملها 230 شخصا، بعد أن ألح رئيس الأركان الإسرائيلي حينها الجنرال رافاييل على رئيس الوزراء مناحيم بيغن لإعطاء الأمر للبدء بالعملية. ويعرض الفيلم روايات الطيارين عن الهجوم حيث تذكر أحد الطيارين ما قاله لهم الجنرال إيتان قبيل انطلاقهم «إذا وقعتم في الأسر قولوا كل ما تعرفونه. أنتم تعتقدون أنكم تعرفون الكثير ولكنكم لا تعرفون شيئا. كفوا عن أكل التمور لأنكم ستحصلون على الكثير منها في العراق». وفي يوم الهجوم أقلعت الطائرات من إيلات على البحر الأحمر وحلقت على علو منخفض في طريقها إلى العراق كي لا يتم رصدها قبل أن تصل إلى غايتها على بعد 17 كيلو مترا جنوب شرقي بغداد حيث كان يقبع مفاعل تموز في منطقة التويثة، وما هي إلا ثواني معدودة، حتى بات المفاعل مجرد أنقاض، وأثر بعد عين. وقال أحد الطيارين خلال المهمة لدى اقترابه من المفاعل العراقي «حسنا، لا أرى طائرات ميغ (...) ها هي أسوار المفاعل. هناك هوائيات. ألقيت القنابل». ومرت 50 ثانية بين القنبلة الأولى التي كانت بزنة 900 كلغ والقنابل التي ألقاها إيلان رامون، الطيار الذي قاد الطائرة الثامنة والذي قال «أرى ألسنة النيران والدخان، المفاعل ينهار». وقال طيار آخر إن الطائرات الثماني تعود إلى إسرائيل وأضاف «تشارلي الجميع أحياء والهدف دمر طبقا للخطط» التي وضعت. وبرر رئيس الوزراء في تلك الفترة مناحيم بيغن برر هذه الغارة التي جرت قبيل الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية بقوله إن مفاعل «تموز» كان على وشك أن يعمل مما كان سيتيح للعراق إنتاج قنابل ذرية. وقال الجيش الإسرائيلي إن الغارة «أعادت المارد النووي في بغداد إلى قمقمه». وأثارت العملية انتقادات دولية حادة بعضها من الحكومة الأميركية. وفي 19 يونيو من العام نفسه أي بعد نحو أسبوعين من الغارة، تبنى مجلس الأمن بالإجماع «إدانة قوية للهجوم العسكري الذي شنته إسرائيل». وعلى الجانب العراقي قدمت الحكومة احتجاجاً رسمياً إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولرد الاعتبار ما قال النعيمي، استدعى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الدكتور جعفر ضياء جعفر في حوار مع صحيفة«الرياض» السعودية الذي كان معتقلا بسبب احتجاجه على اعتقال احد العلماء العراقيين وهو حسين الشهرستاني، وذلك بدعوى انتمائه إلى حزب« الدعوة» المحظور حينها. وطلب صدام من جعفر تكوين برنامج نووي عراقي بديل على أن يتم انجازه بقدرات عراقية وبشكل سري، وعدم اللجوء إلى المعونة الأجنبية سواء كانت علمية أم بالتجهيزات. وعدم شراء أي معدات من الخارج الا إذا كانت من السوق المفتوح، وعد الرئيس صدام حسين الدكتور جعفر بأنه سيصنع له تمثالاً من الذهب الخالص في بغداد إذا ما نجح في صناعة القنبلة النووية!. ورد حينها الدكتور جعفر بأنه سيحاول، فرد عليه صدام بأنني أثق بقدراتك واجزم انك تستطيع فعل ذلك. وبعد عدة اشهر من تدمير مفاعل تموز، أكد وزير التجارة الخارجية الفرنسي وقتها ميشال جوبير أثر زيارة رسمية لبغداد، موافقة باريس المبدئية على إعادة بناء المفاعل النووي، ولكن ظلت هذه التصريحات بدون تنفيذ عملي.