توقيع مذكرات تفاهم بين إيطاليا ومصر لتعزيز التدريب الفني والمهني    بيراميدز: لا نتهم أحدا ولكن ما حدث ليس ظرفا قهريا    رئيس الاتحاد السكندرى: تعرضنا لظلم تحكيمي أمام الداخلية.. مصر كلها شافت هدف مابولولو    رئيس اللجنة الأولمبية يهنئ السيسي بذكرى ثورة 30 يونيو: أسست لجمهورية جديدة    ضبط أصحاب 6 مخابز لتصرفهم دقيق بلدى مدعم في البحيرة    الآن "متاحة عااجل HERE" نتائج شهادتي التعليم الأساسي والإعدادية الشرعية عبر موقع وزارة التربية السورية..نتائج التاسع في سوريا 2024 moed.gov.sy    لأول مرة.. محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن دراما رمضان 2025    أستاذ علاقات دولية: ثورة 30 يونيو أجهضت مخططات الإخوان لتقسيم مصر    مفهوم الوطنية الصادقة ندوة بمسجد بكفر شكر احتفالا بذكرى 30 يونيو    بداية من اليوم.. عودة خطة تخفيف أحمال الكهرباء ساعتين يوميًا    بعد طلب المدير الفني للمنتخب الأولمبي .. الأهلي يبحث مع كولر موقف إمام عاشور ومحمد عبد المنعم من المشاركة في أولمبياد باريس    شوبير يتحدث عن أزمة كهربا مع الجهاز الفني للأهلي    محافظ الغربية يتابع الموقف التنفيذى ل 6 مشاريع رصف وتطوير بطنطا    صحيفة تركية: مؤتمر الاستثمار المصري-الأوروبي المشترك ركز على موقع مصر الاستراتيجي    بعد شكوي الطلاب .. وزير التعليم يستعرض غدا نتيجة تقرير اللجنة الفنية حول امتحان الفيزياء    ضبط 388 قضية مخدرات و211 قطعة سلاح خلال 24 ساعة    القبض على لص سرق مجوهرات من محل فى أسيوط    وائل الدحدوح ل "الصحفيين العرب" : نتوقع منكم الكثير والمزيد من الدعم والضغط من أجل وقف الاعتداءات    اطلاق مسابقة حسن عطية للنصوص المسرحية فى دورتها التاسعة    شاهد.. أحدث ظهور لنجوى كرم وزوجها عمر الدهماني    توزيع حلوى على المواطنين بشوارع الأقصر احتفالا بذكرى ثورة 30 يونيو    حزب الله يعلن مقتل أحد عناصره جراء القصف الإسرائيلى على الجنوب اللبنانى    السيسي في ذكرى 30 يونيو: قضينا على الإرهاب وبنينا أساسا تنمويا    السيدة انتصار السيسي: أدعو المصريين إلى استلهام روح 30 يونيو لمواجهة التحديات    انتشال جثة طفل شاطئ الزراعيين في الإسكندرية بعد طفوه على سطح الماء    بعد رحيله عن الزمالك.. ياسر حمد يكشف علاقته بنجوم القطبين    ماذا قدّم ياسر حمد قبل رحيله عن الزمالك؟    إدارة الحوار الوطني تهنئ المصريين بذكرى ثورة 30 يونيو: سطروا بها ملحمة وطنية فريدة    صناعة الحبوب: ثورة 30 يونيو حافظت على أمن الوطن والتوسع في المشروعات القومية    أكثر من 15 سيارة جديدة تدخل السوق المصري لأول مرة في 2024    بمشاركة 289 عملا.. اختتام الدورة 24 للمهرجان العربي للإذاعة والتليفزيون بتونس    هل الصلاة في المساجد التي بها أضرحة حلال أو حرام؟..الإفتاء توضح    تعرف على دعاء النبى فى الهم والكرب    عبدالغفار يبحث مع «الصحة العالمية» إجراءات حصول مصر على الإشهاد الدولي بالخلو من مرض الملاريا    مجلس جامعة القاهرة يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بثورة 30 يونيو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 30-6-2024    هيئة بريطانية تتلقى بلاغاً عن حادث قرب ميناء المخا اليمنى    ملخص وأهداف مباراة الأرجنتين ضد بيرو 2-0 فى كوبا أمريكا    صيغة بايدن الجديدة لوقف الحرب فى غزة.. لماذا لا ينبغى أن ينجح بايدن؟    أبو الغيط يكشف صفحات مخفية في حياة الرئيس الراحل مبارك وتوريث الحكم وانقلاب واشنطن عليه    أبو الغيط يلتقي وزير خارجية الصومال    أسعار الخضراوات اليوم 30 يونيو في سوق العبور    مفيدة فوزي تحتفل بعقد قران ابنتها بوصلة رقص داخل مسجد وتثير الجدل    بكين: ارتفاع أرباح خدمات البرمجيات والتكنولوجيا 16.3% خلال أول 5 أشهر في 2024    أمين سر "دفاع النواب" : ثورة 30 يونيو أنقذت مصر من الفوضى    مصدر حكومي يعلن تفاصيل التعديل الوزاري وحركة المحافظين وموعد حلف اليمين    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى بولاق الدكرور دون إصابات    ثورة 30 يونيو|النقيب محمد الحبشي.. نال الشهادة قبل ولادة ابنه الوحيد بشهر    «الرعاية الصحية» تعرض إنجازات «التأمين الطبي الشامل»: علاج 44 مليون مواطن    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 30 يونيو    عاجل.. حدث ليلا.. فيروس قاتل في إسرائيل ووفاة والدة ملك المغرب وانتخابات فرنسا    هفوة جديدة.. بايدن يخلط بين فرنسا وإيطاليا والحروب العالمية    شاهد محمد أبو تريكة يصنع الحدث في مواقع التواصل بعد احداث مباراة المانيا والدنمارك ... خالد منتصر يسخر من تصريحات محمد أبو تريكة    هل يجوز التهنئة برأس السنة الهجرية.. الإفتاء توضح    حظك اليوم برج القوس الأحد 30-6-2024 مهنيا وعاطفيا    ما هي أول صلاة صلاها الرسول؟.. الظهر أم العصر    الإجازات تلاحق الموظفين.. 10 أيام عطلة رسمية في شهر يوليو بعد ثورة 30 يونيو (تفاصيل)    5 علامات تدل على خلل الهرمونات بعد الحمل.. لاتتجاهليهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى النكبة: هل استوعبنا التاريخ
نشر في أخبار مصر يوم 15 - 05 - 2008


الاتحاد: 15/5/2008
يمر اليوم ستون عاماً على إعلان قيام إسرائيل. لكن هذا اليوم، الذي استولت فيه الحركة الصهيونية على أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين، كان محصلة عمل متواصل امتد عدة عقود. ويجوز أن نعيد بدايته إلى قرن كامل قبل 15 مايو 1948.
لم تكن الصهيونية قد ظهرت بوضوح بعد، ولا الحركة التي قامت على أساسها قد تبلورت بشكل كامل.
كان ثمة حلم غائم لدى قليل من اليهود الأوروبيين أصحاب النفوذ المالي والمصرفي الكبير، في منتصف القرن التاسع عشر، وعلى رأسهم البارون أدمون روتشيلد، وشاركهم في ذلك بعض أصدقائهم المرتبطين معهم بمصالح، وفى مقدمتهم اللورد شافتسبري.
وتصادف أن شافتسبري القريب جداً إلى روتشيلد، كان صهراً لرئيس الوزراء البريطاني اللورد بالمرستون الذي كان مهتماً بمنطقة المشرق العربي ومهموما بكيفية منع مصر من الوصول إليها مرة أخرى. وكان ذلك بعد إخراج قوات محمد علي منها عام 1840 وضرب مشروعه الذي استهدف بناء دولة عربية كبيرة تجمع وادي النيل والجزيرة العربية وشرق المتوسط.
القراءة الاختزالية للتاريخ، جزء من "أدلجة" الصراع ضد إسرائيل، وتحويله إلى رافعة لمشروع قومي عربي أو آخر إسلامي يقوده "الإخوان" وإيران!
وظهرت في ذلك الوقت فكرة "عودة" اليهود إلى فلسطين، ليكونوا سنداً للإمبراطورية البريطانية التي طردت محمد علي من الشام لكنها تركت وراءه فراغاً في المنطقة لم يملأه أحد.
وكان هذا ما قاله البارون روتشيلد لرئيس الوزراء بالمرستون خلال لقاء جمعهما فيه اللورد شافتسبري عام 1949.
وفى هذه المقابلة ظهر للمرة الأولى تعبير "وطن قومي لليهود" على لسان روتشيلد، وهو يسعى إلى إقناع بالمرستون بضرورة الاعتماد على اليهود وبالتالي "إعادتهم" إلى "وطنهم التاريخي". تحدث الثري اليهودي عن الفراغ في بلاد الشام بعد إخراج القوات المصرية منها، وما يحمله هذا الفراغ من نذر فوضى خطيرة. واقترح إيجاد "وطن قومي لليهود" لخلق ما أسماه قوة ديناميكية قادرة على ضبط الأمور في إطار المصالح البريطانية وحماية هذه المصالح من أي تهديد.
وتعتبر هذه هي اللبنة الأولى في البناء الذي تواصل العمل فيه على مدى عدة عقود قبل أن يحمل اسم "الحركة الصهيونية" في نهاية القرن التاسع عشر، ويؤدي إلى إعلان قيام إسرائيل، في مثل هذا اليوم قبل 60 عاماً.
ووضع تلك اللبنة يهود متحمسون بمساعدة مسيحيين يؤمنون بما أصبح يطلق عليه "المسيحية الصهيونية"، أي المسيحيون الذين يؤمنون بأن اليهود لابد أن يعودوا إلى "أرض الميعاد" التي سيبُعث فيها المسيح مجدداً حسب عقيدتهم. وكان أولهم اللورد شافتسبري، وتبعه آخرون ومنهم مارك سايكس ممثل بريطانيا في الاتفاق المشهور لتقسيم المنطقة بينها وبين فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى، وهو اتفاق "سايكس -بيكو". وكان ذلك الاتفاق إحدى المحطات الرئيسية في تاريخ المشروع الصهيوني لإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين.
يقول لنا هذا التاريخ إن إسرائيل لم تكن مجرد مشروع استعماري أوروبي، ثم إمبريالي أميركي، وإن اليهود لم يكونوا مجرد أداة استخدمها الاستعمار البريطاني لدعم مصالحه. فقد كان هذا أحد أبعاد المشروع الصهيوني، وليس البُعد الوحيد فيه.
فقد قام هذا المشروع على حلم صهيوني بدأ غائماً، ثم تبلور بسرعة من خلال التفاعل بين الحالمين به والاستعمار البريطاني.
وتفيد قراءة تاريخ القرن السابق على 15 مايو 1948، أن نجاح المشروع الصهيوني يعود، مثل كل شيء، إلى مثابرة اليهود الذين وضعوا اللبنات الأولى وجهدهم الوفير وعملهم الدؤوب وإصرارهم المدهش.
ولولا هذا كله، ما وجد مشروعهم دعما بريطانياً قوياً حوّله إلى مشروع صهيوني استعماري مشترك.
غير أن الاتجاه العربي الغالب في قراءة ذلك التاريخ، مازال ينفر من هذه الحقيقة، ويصر على أن إسرائيل ليست أكثر من مشروع استعماري فكّر فيه وخطط له ونفذه المستعمرون الأوروبيون، ودعمه بعدهم الإمبرياليون الأميركيون. وتؤدي هذه القراءة المبتسرة وظيفة معينة لأصحابها.
فهي تعني في النهاية أن ما حدث في مثل هذا اليوم قبل 60 عاماً نتج عن مؤامرة استعمارية كبرى، وأن هذه المؤامرة متواصلة بلا نهاية.
فمادام المشروع الصهيوني استعمارياً في الأساس، وطالما أن الصراع هو ضد القوى الاستعمارية ثم الإمبريالية و"العولمية" الآن، تصبح فلسطين قضية عربية- قومية أو إسلامية أو كلتيهما، ولا يمكن أن تكون قضية فلسطينية في المقام الأول. ويغدو الصراع، بالتالي، قومياً أو إسلامياً أو مزيجاً منهما تخوضه الأمة كلها (عربية أو إسلامية أو كلتاهما)، وليس صراعاً وطنياً تحررياً يخوضه الشعب الفلسطيني بمساندة عربية وإسلامية. فالقراءة الاختزالية للتاريخ هي، إذن وعلى هذا النحو، جزء من عملية "أدلجة" طبيعة الصراع ضد إسرائيل وتحويله إلى رافعة لمشروع قومي عربي أو آخر أو لمشروع إسلامي قد يقوده "الإخوان المسلمون" أو قد تتزعمه "إيران"، وذلك على حساب مشروع التحرر الوطني الفلسطيني.
وتأبى هذه القراءة الاختزالية التي فرضت نفسها على أجيال متوالية من العرب، إلا أن تتواصل في الذكرى الستين للنكبة بدلاً من أن تكون هذه مناسبة لإعادة قراءة التاريخ الذي اُختزل واستيعاب دروسه.
وما زال بعض أنصار هذه القراءة مستعدين للذود عنها بكل ما يستطيعونه، على نحو ما ظهر في بعض الحوارات التي بدأت قبل أسابيع قليلة في مناسبة ذكرى النكبة. ووصل الأمر، في إحدى الحالات، إلى حد إنكار وقائع تاريخية ثابتة أو إهالة التراب عليها جهاراً نهاراً وعلى مرأى ومسمع من الملايين في ندوة منقولة على الهواء.
ففي هذه الندوة، أصر الكاتب والمؤرخ الفلسطيني الدكتور بشير نافع على أن رواد الصهيونية اليهود في القرن التاسع عشر كانوا "أولاداً" لا قيمة لهم ولا وزن لدورهم، وأنهم بالتالي مجرد أدوات تم توظيفهم في مخطط استعماري كبير.
ويقول لنا التاريخ، هنا، إن بعضهم كانوا رواداً بمعنى الكلمة، وإن فكرة "إعادة" اليهود إلى فلسطين نبعت منهم وأنهم بذلوا جهداً كبيراً لإقناع بريطانيا العظمى بها.
كما يقول لنا إنهم هم الذين سعوا إلى أن يكونوا أدوات لدى الاستعمار، لكن لخدمة مشروعهم في المقام الأول، وأنهم نجحوا في ربط هذا المشروع بالخطط الاستعمارية.
وهذا كله كان يستدعي عملاً منظماً وإدراكاً عميقاً للوضع الدولي ومتغيراته، وإبداعاً في خلق الآليات اللازمة لتحقيق أفضل استثمار ممكن لعلاقاتهم مع القوى الاستعمارية.
لكن الأكثر إثارة للقلق على حالة قسم كبير من العقل العربي، فيما يتعلق بقراءة تاريخ الصهيونية، هو إنكار وقائع تاريخية يقينية لا شك فيها ولا شبهة، ومسجلة ليس فقط في عدد كبير من الروايات التاريخية ولكن أيضاً في الوثائق البريطانية.
وبلغ هذا الإنكار مبلغاً لا سابق له، عندما أصر الدكتور نافع في الندوة نفسها على إنكار ليس فقط دور البارون روتشيلد في إقناع بالمرستون بفكرة الوطن القومي لليهود، ولكن أيضاً على نفي وجود هذا البارون من حيث الأصل! فلا يعرف بشير نافع، أو لا يريد بالأحرى أن يعرف، دوراً لعائلة روتشيلد في المشروع الصهيوني قبل العقد الثاني من القرن العشرين، أي بعد أن تنامى هذا المشروع على الأرض عبر هجرات جماعية يهودية منظمة ضاعفت عدد اليهود في فلسطين عدة مرات.
والمذهل في ذلك أن المنكور هذه المرة علم بارز في تاريخ العمل اليهودي الذي أسس للحركة الصهيونية على المستويين السياسي والمالي.
وهذا المنكور اقترن اسمه بعشرات الأحداث الكبرى غير العادية في ذلك التاريخ، منذ أن تعاون مع شافتسبري في إقناع الحكومة البريطانية بتوطين اليهود في فلسطين، وإلى أن وفر السيولة المالية اللازمة لكي تشتري بريطانيا حصة مصر في قناة السويس، وصولاً إلى القيام بتنظيم أول هجرة يهودية إلى فلسطين عام 1882، والمساهمة في تمويل إنشاء أكثر من 20 مستوطنة خلال عشر سنوات، إلى غير ذلك مما لم يكن ممكناً للمشروع الصهيوني أن يصبح بدونه مشروعاً.
هذا البارون الذي ملأ تاريخ النصف الثاني من القرن التاسع عشر لم يكن موجوداً من أصله عند الدكتور بشير نافع، ليس لأنه غير قادر على معرفة التاريخ ولكن لأنه يعبر عن اتجاه اختزالي في قراءة هذا التاريخ يعمد منذ وقت طويل إلى قراءة ما ينسجم مع الصورة التي رسمها في عقله، أو في خياله، للحركة الصهيونية وعلاقتها بالاستعمار، ويصر على استبعاد كل ما لا يتسق مع هذه الصورة. وتظل فلسطين وقضيتها هي الضحية بعد 60 عاماً على النكبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.