قبل24 ساعة من محاولة اغتياله خلال عرض عسكري في كابول خص الرئيس الأفغاني حامد كرزاي الولاياتالمتحدة وحليفتها بريطانيا بنصيب الأسد من انتقادات وجهها للبلدين ولمن يدور في فلكهما عبر حديث أجرته معه صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بسبب طريقة قيادتهما للحرب في بلاده وأنهما يحرمان حكومته من حقها في اتخاذ القرارات السياسية عن أي قرارات يتحدث كرزاي وأفغانستان محتلة أمريكيا منذ عام2001, لاقترافها ذنب إيواء أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة المتهم بتدبير هجمات الحادي عشر من سبتمبر ضد الولاياتالمتحدة وتفصح تصريحات الرئيس الأفغاني المغلوب علي أمره أنه بلغ ذروة الضجر والملل من معاملته بصفته ديكور جل مهمته تجميل وجه الاحتلال وأن واشنطن ليس لديها النية ولا العزم للتعلم من أخطائها وسقطاتها في العراق وغيره, وأنها تتجاهل عند التخطيط لسياساتها الفاشلة طبيعة الشعب الأفغاني الذي يتعاطف أفراده مع حركة طالبان المنظور إليها الآن علي أنها سيف محاربة قوي الاحتلال الأجنبية وتناسوا ولو لحين أنها أعادت أفغانستان في الماضي القريب لعصور الجهل والتخلف البغيضة. انتقادات كرزاي أو صرخاته الموجعة ل النيويورك تايمز لم تشفع له عند الذين خططوا لثالث محاولات اغتياله, لأنه في عيونهم خان الأفغان بقبوله تولي الرئاسة علي أسنة رماح المحتل ويجب التخلص منه, وكادوا ينجحوا في خطتهم بوقوفهم علي بعد500 متر من المنصة التي كان يجلس فيها الرجل مع ضيوفه الأجانب في عرض عسكري بمناسبة سقوط النظام الشيوعي الأفغاني يوم الأحد الماضي. الفوضي الناجمة عن محاولة اغتيال كرزاي كانت تأكيدا وبرهانا لحقيقة يتهرب الأمريكيون والغرب من الاعتراف بها هي أن أفغانستان أفلتت من بين أيديهم ولا يقدرون علي ترويضه حسبما اعتقدوا للدفع بها داخل حظيرة الاعتدال وصداقة الخصوم الذين أشاعوا يوما أن هذا البلد سيرتدي ثوبا عصريا يخلصه من عهد طالبان المظلم فإذا بالأفغان يحاولون الرجوع بعقارب الساعة للوراء بمناصرتهم للجماعات المسلحة المناوئة للقوات الأمريكية وتلك التابعة لحلف شمال الأطلنطي الناتو. ومع كل التبجيل والاحترام لمقام الرئاسة الأفغانية فإن كرزاي شخص مغلوب علي أمره فهو لا يملك سلطة حقيقية وعالمه لا يتجاوز مساحة قصره الرئاسي في كابول وعندما أراد إظهار قدرته علي التجول في ربوع أفغانستان فذهب الي قندهار, تعرض لمحاولة اغتيال فور خروجه من سيارته وواقعيا فإن القوات الأجنبية لا تسيطر سوي علي العاصمة وسيطرتها غير مكتملة بدليل الهجمات الانتحارية المتكررة ضد فنادق فخمة يقيم فيها الأجانب والسفارات الغربية وقوافل قوات الناتو, بقية الأراضي الأفغانية خاضعة لطالبان باستثناء المناطق الشمالية حيث أقام الأوزبك الطبعة الأفغانية من كردستان العراق. يحدث هذا بعد سبع سنوات من غزو هذا البلد المنكوب بأبنائه قبل الغزاة, يضاف لذلك أن حياة الأفغان لم يطرأ عليها تحسن يمكن قياسه, فالظروف المعيشية تزداد صعوبة, والبنية التحتية غير موجودة, فمثلا الصرف الصحي كله مكشوف, ويكاد يصعب العثور علي شارع لا يوجد علي جانبه ممرات الصرف الصحي التي تعرض السكان للأمراض والتلوث, وتظل أفغانستان المنتج الأول للمخدرات في العالم, برغم كل البرامج المعلنة للحد من زراعتها ومطاردة عصابات تهريبها. ترجمة هذه الحقائق لن تخرج عن أن المواطن الأفغاني سيبحث عن نافذة خلاصه وغالبا ما ستكون في طالبان, حتي مع علمه بأن الحركة خياره الأسوأ, لكن ما باليد حيلة, فأحلامه مع أمريكا تحولت الي كوابيس تؤرقه أينما ذهب, والمشكلة ليست في حكم الإعدام الصادر بحق كرزاي الذي اختار منذ البدء طريقه وقبل مسايرة القافلة الأمريكية وعليه تحمل التبعات, وإنما في احتضار واغتيال أفغانستان الباحثة عن مستقر آمن منذ20 عاما, ويبدو أنها لن تعثر عليه تحت راية المحتلين.