من الأفكار الشائعة عن أبناء الشعب العراقي وتقسيماتهم الطائفية حاليا أن( الشيعي) منهم غالبا ما يكون داعما لحكومة بلاده باعتبار أنها ذات أغلبية شيعية, ومدافعا عن إيران وسياساتها إن لم يكن مواليا لها. لكن ذلك ليس هو الصحيح علي الدوام! وهذا ما يكشف عنه الحوار الذي أجرته الأهرام مع وفد شيوخ العشائر العربية في جنوب العراق الذي يزور القاهرة حاليا بدعوة من مصر لإجراء سلسلة من اللقاءات والمشاورات مع كبار المسئولين. مفاجآت عديدة تضمنها الحوار, لعل أبرزها هو أن مجلس العشائر لايقتصر فقط علي أبناء المذهب الشيعي( المنتشر في جنوب العراق) بل يضم عددا من العشائر السنية, وقد جمعت بين الطرفين الرغبة في التأكيد علي عروبة العراق والوقوف ضد محاولات التدخل الإقليمي.. أي إيران! في البداية أوضح الدكتور محمد حميد رشيد المتحدث الاعلامي باسم الوفد أن مجلس شيوخ العشائر العربية في جنوب العراق تم انشاؤه في شهر يوليو 2007 ويضم77 عشيرة ونحو ستمائة( فخذ) من أبناء المحافظات الجنوبية الثلاث في العراق وعلي رأسها البصرة, وأكد أنه يعد من أهم التجمعات العشائرية وأنشطها في البلاد, قائلا إن أعضاء مجلس الشيوخ من الشيعة والسنة يرفضون الحديث من الأصل عن شيء اسمه( المصالحة) بين الجانبين فهم يرتفعون فوقها ويعتبرون أنه لاتوجد خلافات من الأساس. ويضيف أن المجلس نجح في إقامة خمسة مؤتمرات منذ شهر يوليو 2007 علي الرغم من الصعوبات والمخاطر الأمنية خاصة في ظل وجود هذه العشائر علي بعد مسافة قصيرة لاتزيد علي18 كيلو مترا من الحدود مع إيران. وأشار إلي أن الحكومة المصرية وجهت الدعوة لشيوخ العشائر للحضور الي القاهرة للاستماع منهم الي وجهات نظرهم وحقيقة الأوضاع علي الأرض في العراق, في أول تحرك عربي رسمي باتجاه هذه العشائر بما يمثل قوة دعم سياسية كبيرة. وقال إن الزيارة تأتي في وقت مهم للغاية قبل انعقاد القمة العربية في دمشق وفي ظل الأوضاع الأمنية المتردية في جنوب العراق. وأضاف أن وفد شيوخ العشائر الذي يلتقي بكبار المسئولين المصريين يضم كلا من الشيوخ كاظم عبد الواحد العنيزان رئيس المجلس وهاشم صدام آل سيد صروط وأحمد الغانم وكاظم عبود وخالد جمال السعدون. ومن جانبه اعتبر الشيخ أحمد الغانم رئيس قبيلة آل الغانم ان الحكومة العراقية الحالية غير شرعية لأنها نشأت في ظل الاحتلال ووصلت الي الحكم عبر انتخابات شكلية أو غير صحيحة, وطلب دعم الدول العربية وكافة القوي الوطنية الرافضة للاحتلال لمجلس العشائر الجنوبية قائلا إن قيام العرب بإرسال سفراء لهم الي بغداد حاليا يمثل دعما للحكومة العراقية التي نعتبرها غير شرعية لأنه مادام المحتل الأجنبي موجودا فلا شرعية للحكومة, وناشد الدول العربية عدم إرسال سفراء لها إلي بغداد. * لكن أي دعم بالتحديد يريده مجلس العشائر؟! { يجيب علي السؤال بالتفصيل الشيخ هاشم صدام قائلا إن عشائر الجنوب لعبت ومازالت تلعب دورا كبيرا في الحفاظ علي القومية العربية للعراق, والوقوف في وجه المد الاقليمي لبعض دول الجوار وهو ما يستلزم الدعم من الدول العربية لنا, وأضاف أن الوفد طلب من السيد عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية خلال لقائه به أن تعمل القمة العربية في دمشق علي اتخاذ موقف موحد بدعمنا معنويا وماديا للاستمرار في القيام بدورنا لاسيما انه ليست لدينا الأموال الكافية لذلك, وقد أكد لنا الأمين العام أن مطالبنا مشروعة ووعد بعرضها علي القادة العرب في القمة, ونحن متفائلون بذلك لأنه يؤكد دائما أن القومية العربية في العراق خط أحمر. من الواضح أنكم تقصدون بحديثكم عن التدخل الاقليمي ايران, فما هو حجم النفوذ الايراني بالتحديد في العراق وما طبيعة علاقتكم بطهران لاسيما أن نسبة كبيرة في مجلس العشائر من الشيعة؟ { لابد من الإشارة إلي أن إيران دولة كبيرة في المنطقة والعالم ولها مصالحها بالطبع, لكن ذلك, لايعني بحال من الأحوال أن تتدخل في الشأن العراقي الداخلي, فنحن نرحب بالتعامل معها علي أساس حسن الجوار, ولا ننسي أنه بعد سقوط نظام صدام حسين وقفت إيران إلي جانب الجنوب العراقي كثيرا ولولاها لكان قد دمر بالكامل! * كيف؟! { توقف انتاج الأراضي الزراعية في البصرة لمدة عامين بسبب الظروف التي مرت بها العراق في تلك الفترة خلال الحرب, لذا كنا نحصل علي المواد الغذائية والخضراوات من ايران, وهو فضل لا ننكره, لكن ما حدث هو أن إيران استغلت الفجوة التي نشأت بعد سقوط النظام( ولم تستغلها الدول العربية) فدخلت عناصر كثيرة من المخابرات الايرانية الي اراضي العراق حتي قدرت أعدادهم بنحو أربعين ألف عنصر ايراني, كما كانت هناك ممارسات استفزازية أخري تمثلت في قيامهم بشراء أراض في كربلاء والنجف ثم إقامة الأبنية عليها. اسمح لي... انت( شيعي) ومع ذلك تهاجم إيران.. كيف؟ { رد بحسم قائلا: أولا نحن في مجلس العشائر لانهاجم ايران بل نطالبها بحسن الجوار, وثانيا فإن المجلس يضم عشائر من الشيعة والسنة معا ولا نفرق بين الجانبين, بل نقول فقط نحن عراقيون وولاؤنا لبلادنا, وننتقد أي مواطن عربي يتحدث عنا فيقول هذا شيعي وذاك سني, وللعلم فإن العشيرة الواحدة لدينا تضم سنة وشيعة معا ونتصاهر فيما بيننا, فالخلافات بين أبناء المذهبين لاتوجد إلا في وسائل الإعلام! * وماذا عن حوادث القتل الطائفية وعمليات التفجير المتبادلة للمساجد والحسينيات؟! { أؤكد أن هناك عناصر تسعي لإحداث الوقيعة والفتنة بين العراقيين لكن الخلافات الحقيقية ليست بين السنة والشيعة من أبناء الشعب العراقي ولكن بين الكتل السياسية الطائفية ولكل منها مصالحها الخاصة التي تسعي الي تطبيقها, ففي البصرة علي سبيل المثال هناك ما يعرف( بفرق الموت) التابعة لبعض الأحزاب التي تعتبر أنه من ليس معهم فهو ضدهم, لا فرق في ذلك بين سني وشيعي, وهناك25 عراقيا يقتلون يوميا في البصرة وحدها علي مدي السنوات الخمس الماضية التي أعقبت الاحتلال, وفي ليلة واحدة تم تصفية45 امرأة. وفيما يتعلق باستهداف المساجد والحسينيات فإن المنفذين ليسوا عراقيين وهم معروفون للجميع, فهناك عناصر من دول أخري تسعي إلي زرع التفرقة, لكننا نواجه ذلك ويقوم أبناء كل طائفة بتقديم العزاء لاخوانهم من الطائفة الأخري عند وقوع مثل هذه الحوادث. وفي المناسبات الخاصة بالشيعة مثل يوم عاشوراء فإن( الاخوة) السنة في البصرة والعمارة والناصرية يحتفلون أيضا في مساجدهم, والكل يحتضن المناسبة ولكن بطريقته الخاصة فالتفرقة يريدها المحتل وبعض الكتل السياسية, لكن الحقيقة ان الحب بين أبناء الشعب هو السائد. ويضيف: هناك ربع مليون عائلة سنية في الجنوب تعيش وسط الشيعة وتتصاهر معهم, وبعد سقوط نظام صدام حسين حاولت عشائر السعدون وهم من رموز السنة في الجنوب أن يرحلوا لكن الشيعة رفضوا ذلك وأصروا علي بقائهم وأخذوا يترددون علي دواوينهم ويقيمون معهم العلاقات الودية حتي لايشعروا بالتفرقة. وكشهادة أمام الله( لا لنبي البشر) أقول والحديث للشيخ هاشم صدام إن عملية التهجير التي تمت لبعض العشائر الشيعية من الرمادي غرب العراق ارتكبها تنظيم القاعدة وليس أهل السنة هناك, والدليل انهم( أي السنة) أخذوا يتصلون بالعشائر المهجرة للسؤال عن أحوالهم والاطمئنان عليهم بعد رحيلهم. * أخيرا.. هل لديكم برنامج سياسي محدد؟ وألا تخشون تردي الأوضاع الأمنية بصورة أكبر في حالة خروج القوات الأمريكية بشكل فوري؟! { برنامجنا الرئيسي هو العمل علي خروج المحتل أولا ثم إجراء انتخابات بعد ذلك, لكننا لا ننكر أن خروج قوات الاحتلال حاليا يمكن ان يؤدي إلي زيادة سوء الأوضاع كما يمكن أن يسهم في إتاحة الفرصة للنفوذ والمد الاقليمي لدول الجوار, لذا فإن بقاء هذه القوات( لفترة قصيرة) قد ينطوي علي بعض الفوائد, لكن ذلك يتوقف علي مدي الدعم العربي للعراق حتي يمكن تقصير فترة بقاء الاحتلال والعمل علي رحيله بأسرع وقت ممكن.