في الآونة الأخيرة أصبح سوق المصري للمباني كأنه سحابة تتحرك في الأفق دون ضابط بسبب الارتفاع اللا محدود في أسعار مواد البناء خاصة الحديد الذي أصبح يلهب ظهور العاملين في سوق البناء وتابعه الأسمنت.. ومع هذا الانفلات انقلات أيضا أسعار الشقق وأصبح الجميع يئن ويبحث عن مخرج وهل من معين من جانب الدولة في ايجاد بديل للبناء بالطريقة الحالية؟ المفاجأة جاءت من الخبير د.رأفت شميس الأستاذ بالمركز القومي لبحوث البناء والاسكان في أن ارتفاع أسعار الشقق في مصر الذي أصبح لهيبه لا يطاق ولا يجابه من أبناء الطبقة المتوسطة وما دونها.. كانت المفاجئة براءة مواد البناء من هذا الارتفاع المغالي فيه وأن المتهم الأول هو أسعار الأراضي المرتفع دون مبرر.. وأن الزيادة في سعر الحديد من ألفي جنيه إلي خمسة آلاف جنيه تسبب زيادة تكلفة المتر المسطح من الخرسانة 50 جنيها فقط. وأن الاستعانة باستخدام نماذج الحوائط الحاملة لن يوفر أكثر من 15% وهو تكلفة الأعمدة التي سيتم الاستغناء عنها في الوقت الذي تحتاج إلي أساسات "شريطية" للحوائط الحاملة وتكلفتها أعلي من استخدام "القواعد" المستخدمة في البناء بنظام الأعمدة بالإضافة إلي عدم وجود "الطوبة" التي تصلح للاستخدام في تنفيذ الحوائط الحاملة. يقول المهندس حسين الجبالي رئيس الإدارة المركزية لقطاع الاسكان بوزارة الاسكان إن ارتفاع أسعار بيع حديد التسليح والأسمنت ستؤثر بشكل كبير علي جميع المشروعات التي تلتزم وزارة الاسكان بتنفيذها سواء مشروع الاسكان القومي أو مشروع البنية الأساسية للصرف الصحي ومياه الشرب خاصة أن المكون الرئيسي في المواد المستخدمة في مشروعات المرافق بصفة خاصة هو الحديد والأسمنت. ويؤكد المهندس الجبالي أن الحديد والأسمنت يشكلان 20% من ثمن تكلفة الوحدة ومعني أن يرتفع سعرهما في السوق فإن ذلك يعني أن خمس ثمن الوحدة ارتفع تلقائيا مع فرض ثبات أسعار العوامل الأخري الداخلة في البناء وهذا شبه مستحيل لأن أي زيادة في حديد التسليح والأسمنت يتبعها زيادة في العناصر الأخري الداخلة في البناء كالخشب والزجاج والبلاط وباقي العناصر. ويضيف المهندس الجبالي أن كل ما نتحدث عنه من توفير سيكون في الأعمدة فقط لكن السقف لابد أن يكون من الخرسانة المسلحة.. وفيه نظام الأقبية لن تستطيع استخدام لأكثر من دورين. ويقول المهندس الجبالي إن الحديث كثر هذه الأيام من بعض الاستشاريين عن البناء بنظام الحوائط الحاملة بتقليل الاعتماد علي الخرسانة المسلحة وبالتالي تقليل التكلفة وإذا كنا نطبق نظام الحوائط الحاملة فإن المبني لن يزيد علي أرضي وأربعة طوابق في أفضل الحالات.. وهذا كما قلنا لا يتناسب إلا مع أماكن معينة ولا تقدم حلا جذريا. أما فيما يتعلق بتفكير البعض بالاستعانة بأسياخ البلاستيك في البناء بدلا من أسياخ حديد التسليح فإن هذا تفكير كارثي وخطير وإن كنا سمعنا أنه سبق استخدامه بالفعل في بعض المناطق العشوائية وهذه المباني تعتبر قنابل موقوته مع أي هزة زلزال تسبب كوارث.. ولذلك أصدرت الحكومة تشريعا بتحريم استخدام أسياخ البلاستيك التي تسبب كوارث.. ولكن في الدول المتقدمة خاصة الأوروبية يكون فيه بدائل لاستخدام نوعيات مختلفة من الألياف الصناعية ومواد جديدة يمكن أن تتحمل الاجهاد الذي يتحمله حديد التسليح مع ضرورة وجود جهة مرجعية معتمدة تعطي التصريح باستخدام هذه المواد.. وأنه من الضروري التعلل مع هذه النوعيات التي تريد استخدام أسياخ البلاستيك مرة أخري في البناء وأن يكون التعامل سريعا دون أي تباطؤ. ومن ناحية أخري يؤكد د.رأفت عبدالعزيز شميس الأستاذ بالمركز القومي للبحوث أن الموضوع ليس أسعار مواد بناء وارتفاعها كل فترة.. فعندما زاد سعر الحديد خلال العامين الماضيين من ألفي جنيه حتي وصل إلي 5 آلاف جنيه فإن هذه الزيادة في السعر في الشقق السكنية العادية.. وأن ارتفاع أسعار الشقق وتكلفتها سببه الأول سعر الأرض لأنه مثلا عندما يكون سعر الأرض في مدينة القاهرةالجديدة 2 مليون جنيه ويتم بناء 8 شقق عليها فيكون نصيب الشقة من سعر الأرض 250 ألف جنيه وذلك قبل أن تفعل أي شيء سواء التصميم أو استخراج الترخيص وإذا كان سعر متر المباني ألف جنيه بتشطيبه وهذا رقم معقول للتشطيب الفاخر فيكون سعر المباني فقط 150 ألف جنيه و250 ألف جنيه ثمن أرض الشقة فيكون اجمالي الثمن 400 ألف جنيه وإذا أضفنا 40% تكاليف إدارة وربح فمعني ذلك أن يصل سعر الشقة إلي 600 ألف جنيه.. فلو رجعنا إلي أصل ارتفاع التكاليف نجده أنه بدأ من ارتفاع سعر الأرض. ويقول د.شميس إننا لو رجعنا إلي موضوع الشقق السكنية نجد أن هناك مبالغة في أسعار بيع الشقق.. ولو فرضنا أننا نبحث عن خامات بديلة للحديد والأسمنت في ظل سعر الأراضي المرتفع بدون سبب فمثلا سعر متر المباني والتشطيب قلنا إنه 1000 جنيه سنخفضه ما بين 800 إلي 900 جنيه للمتر ولن ينخفض بأي حال من الأحوال عن 30% من سعر تكلفة البناء.. لكن مازال سعر الأرض كما هو والخامات البديلة تحتاج لمجهود في التعامل لأسباب منها أنني أحتاج إلي عمالة مدربة وهذا يعاني منه قطاع المقاولات بشدة كذلك محتاج إلي ضبط جودة عال للمواد المستخدمة وهذا ليس متوفراً ولو قررنا البناء بنظام الحوائط الحاملة فإننا في السوق المصري نعاني من عدم وجود التصنيع الجيد للطوب المستخدم كحوائط حاملة وللأسف أنه لا يوجد في مصر إلا مصنع واحد أو مصنعان تصنع طوبة جيدة وبالقطع فإن هذا العدد لا يمكن أن نعتمد عليه في اللجوء إلي تنفيذ البناء بنظام الحوائط الحاملة لأن هذا النوع يحتاج مئات المصانع التي تنتج طوبا جيدا هو الطوب الأسمنتي وسعره مرتفع. ويقول د.شميس إنه مهما تحدثنا عن تخفيض أسعار لن تحل المشكلة لأن المشكلة لها أركان قانونية ومحتاجون إليها بصورة أشمل وأن نبحث من أين بدأت المشكلة ليس الخامات فقط وأسعارها.. ولكن المشكلة في العمالة غير المدربة والأراضي والمضاربة علي أسعارها وإذا كنا نحتاج إلي الحل فإنه مطلوب عملية شاملة ليس بها نظرة أحادية علي مواد البناء فقط.. ولكن لابد أن تشمل أنظمة الإنشاء والتصميمات والتخطيطات وإدارة مشروعات وحل مشكلة ارتفاع أسعار الأراضي غير المبرر. ويؤكد رأفت شميس أن استخدام الحوائط الحاملة علي أسقف ليس حلا.. لماذا لأنك ستوفر الأعمدة فقط وهي لا تمثل أكثر من 15% من تكلفة الخرسانات في المبني.. والحوائط إلي نوع من الأساسات الشريطية وتكلفتها أعلي من القواعد المنفصلة في حالة استعمال الأعمدة الخرسانية.. وأن اللجوء إلي استخدام الحوائط الحاملة في ظل الممارسات الموجودة في سوق البناء الذي يعتمد علي الفهلوة وعدم التخصص في معظمها.. وللأسف الأهالي التي تبني توفر في استخدام المقاولين وتذهب إلي غير المتخصصين وهذا توفير كاذب عندما تذهب إلي مهندس غير جيد سوف يستعمل مواد أكثر والعمر الافتراضي للمبني سيكون أقل.