في مجموعة "كطير من القش..يتبعني" للشاعر الفلسطيني غسان زقطان ما يبدو وجوها متعددة لعالم واحد تطل في صور من الوحشة والوحدة والمغيب وتفيض بشعور دائم بفوات الآوان. وفي قصائد زقطان حزن عميق عريق يلف الكائنات بل العالم كله في كثير من المساواة وفي خط من التصور الصوفي للوجود في أحيان آخرى يجعل كثيراً من التنافر يبدو لنا أقرب الى صور الوحدة الشاملة. جاءت مجموعة غسان زقطان في 122 صفحة متوسطة القطع وبلوحة غلاف للفنان السوري نذير نبعة.وقد وردت قصائده المجموعة تحت عناوين رئيسية هي "تعلات" و"وحدي وأمامي النهر" و"الغريب في ايقونته" و"كرم الروميات". وإشتمل كل عنوان على عدد من القصائد. في لغة زقطان حزن "مهادن" يبدو كأنه فيض لخلاصات تجارب في الحياة ولمواقف فكرية تبعث في القارىء شعوراً بأن كثيراً منها يبدو كأنه يتحدث عن طريق مسدود أو طرق مسيجة بالخيبات لا توصل الى اي مكان. معظم قصائد المجموعة جاءت شعراً حديثاً يخلو من القافية أو يكاد ويعتمد على أنواع من الوزن هي في غالبيتها إيقاعات كأنها "تقاسيم" على مشاعر الحزن والوحشة والنهايات. وقد تتداخل فيها الأزمنة ليتشكل من مجموعها "زمن" واحد هو زمن الفجيعة وخيبات الامل. في عنوان رئيسي هو "تعلات" وفي القصيدة الأولى منه التي حملت عنوان "تذكر الجدة" يقول في تصويرية تنطلق صعداً لتجعل الرمزي يتحدث بأسى عن الواقع "التعلات في غيبة الغائبة، وإنتظار المراكب بين الظهيرة والعصر، حيث الشقوق العميقة للضوء، والراضيات الأسيرات..جداتنا .في السهول، يمشطن نوم التلال ويهرمن في نومهن المشقق." وفي قصيدة "تذكر الوحيدات" تصوير ورموز تحمل إيحاءات تفيض بالحزن وبتذكر يسيل آسى. ومع ذلك فهو يطل بحيادية "حقيقية" أو مدعاة ببراعة فائقة فكأنها تعرض ما مضى وقد جرت تصفيته من الندم الذي لا ينفع ولا يغير. لكن كل ذلك بقي يكتنز كثيراً من التعاطف والتحسس بالآم الأخرين. يقول زقطان "الوحيدات، من لم يبعن مواعيدهن، ولا يشترين الموعيد، أشعلن ناراً على التل، إذ يكثر التائهون، ويشتد صمت الهواء. "الوحيدات، يمشين في الظل، سرب من السرو يجتاز خط التلال، كتنهيدة الناي، أو كالصفير.الصفير الوحيد الذي قد تراه هنا، عاليا في المساء. الوحيدات، من لا نحب، ومن لا نواعد، أرسلن من يشرح الأمر للعابرين، أسهبن." وفي القصيدة التي تلتها وحملت عنوان "تذكر التائبات" نقرأ " والتائبات اللوتي رجعن إلى البهو من غيرة في الجوار، على وهن بعد صبح طويل وعصر يحممن أكتافهن، ويخلطن أعذارهن القليلة بالماء.فيما تؤدي الحديقة دوراً جديداً أمام المساء، سيأخذها من تذمر عاداتها العشر عارية حيث تنتظر الأغنية. وفي قصيدة "اغنية حارس الكرم" يتحول الموت عند الشاعر إلى " قديم" حاضر في الحاضر وإلى "ات" يشبه ما مضى آي يتحول الكل إلى حالة أو إلى "حقيقة" واحدة متعددة الوجوه. يقول زقطان "يا ابنتي عندما تذهبين لقطف السفرجل، لا توقظي حارس الكرم من نومه، انه ميت منذ زمن طويل كما تعرفين، مخدته من عظام البنات، وفرشته من اساور زوجاته الميتات، وفي حرجه رأس زوجته الهاربة. وفي قصيدة "الذي وجدته صدفة في المراة" أجواء غرابة من عالم الأحلام وسمات سريالية لكنها كلها روافد لنهر واحد يسير بهدوء رهيب إلى نهاية واحدة. يقول الشاعر "الذي وجدته صدفة في المراة، في طرفها المعتم تحديدا، كان هناك وحيدا يفكر بك، ويتودد الى عزلتك.الذي لأنك بحاجة إلى رفقة لا أكثر ناديته من عتمته، وأطعمته بيديك، كنت تناديه فيأتي، وتشير إليه فيثب على قدميه، وما أن تدير ظهرك حتى يحدجك بعيني ضبع، قبل أن يعود إلى زاويته في المرآة، الأن تذكر ذلك كله، لأن ثمة وقتاً طويلاً عليك تزجيته هنا، وأنت تحدق في المرآة، من طرفها المعتم تحديداً، فيما هو جالس في مقعدك، يطعمك بيديه، ويسقيك، ويناديك فتأتي . في قصيدة "طبيعة صامتة" تكثيف موح لمشاعر الغربة والوحشة والرحلة الأخيرة وسط وحدة قتالة. وينبعث كل ذلك من مشهد هو في تطبيقه "العملي" ليس غريباً أو نادراً بل تحفل بأمثاله أماكن كثيرة في مدن العالم الكبيرة. إلا أن الشاعر ينقله من صورته في الحياة اليومية ويحوله إلى صورة لمصير إنساني. يقول زقطان "النهايات لما ينام الغريب الأخير على درج البيت، أو حين يغلبه النوم، يدخل في الظل باب الحديقة، والياسمين الذي أنهكته المواعيد، يأوي إلى فسحة في الزجاج المعشق، تأوي اليها اليمامات أيضاً، ويأتي غبار تسببه الحافلات التي تعبر الجسر." ويختم القصيدة الطويلة نسبياً بالقول "إنتهى الوقت يا سيدي تستطيع الذهاب إذن دون خوف على الليل، لا شيء يدعو الى الخوف يا سيدي، لم يعد ممكنا أن يموت الغريب من الحب." (رويترز)