النفوذ الصيني في أفريقيا يتعاظم ويتسع نطاقه بإيقاع متسارع، والوسيلة المستخدمة لتعظيم هذا النفوذ وتوسيعه ليست القوة العسكرية القهرية، وإنما هي العون الاقتصادي والتبادل التجاري، ولهذا فإن الغرب منزعج من أن إفريقيا قد تتحول على المدى البعيد إلى قارة صينية على حساب المصالح الإستراتيجية للقوى الغربية. خلال الأسبوع الماضي اشارت مقالة افتتاحية في مجلة «الاكونومست» اللندنية الى تطور الظاهرة الصينية في القارة السوداء والخوف المتنامي في العواصمالغربية، وتتحدث الافتتاحية عن الحملة السياسية الإعلامية التي أخذ الغرب يشنها بهدف الإساءة إلى الصين عن طريق تشويه صورة انتشارها في أنحاء القارة الإفريقية. ومحور هذه الحملة هو أن الصين في اندفاعها لضمان الحصول على مواد خام من مصادر مستديمة للتوسع المتواتر في إنتاجها الصناعي المتنوع تتحالف مع أنظمة دكتاتورية في البلدان الإفريقية مما يؤدي إلى إحباط الجهود الغربية لنشر الديمقراطية. وكأنما أرادت المجلة أن ترد على هذا الاتهام. فهي تقول إن هذا المنطق الغربي يتجاهل الفوائد التي تعود للبلدان الإفريقية الفقيرة من صفقات المواد الخام التي تعقدها معها الصين، وتسجل المجلة أنه بسبب التعامل الاقتصادي والتجاري مع الصين فان اقتصادات هذه البلدان تنمو حالياً بمعدلات لم تعرفها من قبل. مما يؤدي إلى تحسين المستويات المعيشية للأسر والأفراد، ثم ان الصين تقول الاكونومست ليست الدولة الوحيدة التي تسند أنظمة استبدادية في إفريقيا. وفي هذا الصدد تجدر الأشارة إلى أحدث مثال وهو قيام فرنسا بإرسال قوة عسكرية إلى تشاد لإنقاذ دكتاتورها إدريس ديبي من هجوم مسلح لفصائل المعارضة. هدف الحملة الغربية إذن هو التستر على حقيقة جديدة آخذة في التبلور وهي أن النظام الصيني للمساعدة الاقتصادية لبلدان إفريقيا يفضح عملياً طبيعة «المساعدة» الغربية لبلدان العالم الثالث عموماً. فبينما تقدم الصين مساعدات استثمارية ذات طبيعة تنموية إيجابية. فان الدول الغربية لا تقدم سوى قروض استهلاكية ضئيلة وقصيرة المدى وبفوائد ربوية باهظة، وبذلك تتحول تراكمات الفوائد المركبة التدميرية إلى مديونية أسطورية تستنزف الموارد المالية للبلدان الإفريقية فتزيدها فقرا على فقر وبؤساً على بؤس. على مدى السنوات العشرين الأخيرة ظل اقتصاد الصين يتنامى ويتوسع ويتنوع بمعدلات لم يعرفها العالم من قبل. ومع انتشار المنتجات الصينية في أسواق العالم بما في ذلك الأسواق الأميركية والأوروبية فان الصين باتت بحاجة إلى شراكات اقتصادية جديدة توفر لقطاعاتها الصناعية المزيد تلو المزيد من المواد الخام بأنواعها. ومن هنا كان التوجه الصيني بقوة صوب إفريقيا لإنشاء علاقة تبادلية تحصل الصين بموجبها على ما تحتاج من حديد ونحاس وكوباك ويورانيوم وماس الخ.. وفي المقابل تحصل البلدان الإفريقية على مساعدات صينية للتنقيب عن النفط وإنشاء بنى تحتية كالطرق البرية والجسور وخطوط السكة الحديد. وهكذا..عوضاً عن أن تدخل دول الغرب في تنافس تنموي مع الصين في إفريقيا فإنها تلجأ إلى أسلوب القذف بالطين.