«فتش عن المرأة« نقولها معاً مع الكاتب الفرنسي الكبير الكسندر دوما عندما نريد ان نكشف عن سر غير محدد في حياة شخص ما.. في حالة سيناتور ايلينوي المترشح للرئاسة باراك اوباما، لعل الافضل القول فتش عن المرأتين في حياته: أمه الراحلة عالمة الانثروبولوجيا المميزة آن دونهام، وزوجته المحامية اللامعة ميشيل اوباما، التي تصدرت صفحات المجلات بأناقتها وحضورها المميزين. ولكن السر الصاعق الذي قد تفصح عنه المرأتان، وان بشكل غير مباشر، لن يتلقاه الامريكيون برحابة صدر، فهما تقولان، من خلال تصرفاتهما وليس تصريحاتهما طبعا، ان باراك قد يكون يكره الولاياتالمتحدة. بطبيعة الحال، ليس من الضروري تصديقهما، ولكننا نعلم عن اوباما أقل بكثير مما يتداول عن تاريخ أي من المترشحين المنافسين له في السباق الرئاسي، وهو ما يدفع بمنافسته هيلاري كلينتون إلى استغلال هذه النقطة وتوجيه حملتها الانتخابية للتفتيش عن الجوانب المظلمة في حياته واضاءتها. ألم تعمد اخيرا إلى نشر صور تظهره بالعمامة لتقول إنه مسلم؟ انطلاقاً من هنا كانت الرحلة مع المرأتين المميزتين في حياة اوباما لكشف بعض خبايا شخصيته الجذابة التي لم تظهر كثيرا في الصحف. اورينت برس« وضعت التقرير التالي: في محاولة لتحليل بعض الجوانب المستورة من شخصية اوباما كان لا بد من الاطلاع على خلفية المرأتين اللتين لعبتا دورا مهما ومحوريا في حياته. واولى هاتين السيدتين، والدته آن دونهام التي تعرف بأنها عالمة انثروبولوجيا في جامعة هاواي كان لها باع طويل في الاحتكاك بالحضارات والثقافات المهددة بالانقراض أمام خطر العولمة وسيطرة الدول الكبرى وثقافاتها على سائر المجتمعات الأخرى. دونهام كانت ترى الولاياتالمتحدة كأنها وحش كاسر يتهدد الثقافات الاخرى التقليدية كتلك الموجودة في الدول النامية ولاسيما افريقيا، وقد ركزت معظم ابحاثها في الحضارات في تلك الدول واللغات التي قد تزول تماما في القرن القادم والتي تبلغ نصف عدد اللغات المحكية في العالم البالغ عددها 6700 لغة. ربطت دونهام بهذه الثقافات المهددة بالزوال، عاطفة شديدة لم تقتصر على العلم والتحليل والدراسة بل تعدت ذلك إلى إطار شخصي، اذ انها تزوجت من رجلين ينتميان إلى هذه الثقافات، المرة الاولى بزواجها من حسين باراك اوباما الكيني الاصل عام 1960 والثانية بزواجها من الطالب الجامعي الاندونيسي لولو يوتسرو عام 1967 وهو ما يدل على مدى مقتها التوسع الامريكي وتأثير الدول العملاقة في الحضارات القديمة، ومدى تعاطفها مع دول العالم النامي والبدائي وتماهيها معها. ويعتبر الكثيرون ان المرأة الناشطة تركت بصماتها في نفس ابنها الذي كانت تصحبه معها انى ذهبت ولاسيما إلى افريقيا لتجعله على احتكاك بهذه الحضارات، وعلى الارجح انه تشرب منها الكثير من الحب لهذه الحضارات وما تشمله من ديانات وعادات لا يستطيع النفور منها. إلى درجة ان البعض رغب في اعتبار ان اوباما هو انتقام آن دونهام من الولاياتالمتحدة، علما ان المرأة توفيت عام .1995 ماذا عن ميشيل؟ من جهة ثانية، هناك زوجة اوباما ميشيل، التي عبرت في أكثر من مرة عن مقتها الشديد للتمييز العنصري في بلادها، وعلى الرغم من انها تمكنت من ان تصل إلى منصب مهم جدا وان تحصل بجهدها على وظيفة تتقاضى خلالها 300 ألف $ سنويا، فقد أعلنت ميشيل صراحة في 18 فبراير الفائت:«إنها تشعر بالفخر المرة الاولى ببلادها ليس فقط لأن اوباما يحقق نتائج جيدة بل لان الشعب متعطش فعلا للتغيير«، وقد أخذ عليها هذا الكلام من قبل الكثيرين الذين اعتبروه فاضحا لأنها اكدت انها تشعر بالفخر بالولاياتالمتحدة المرة الاولى وهو ما أهان الكثيرين الذين يرون في الولاياتالمتحدة الدولة الأهم والأقوى في العالم. وبالعودة إلى تحصيلها العلمي فقد وضعت ميشيل اوباما اطروحة تحدثت عن موضوع «السواد« في الولاياتالمتحدة أثناء تخرجها في جامعة برينستون، حتى انها قالت آنذاك: «إن خبرتي في برينستون جعلتني على وعي أكبر بأنني سوداء أكثر من اي وقت مضى. لقد رأيت انه مهما حاول بعض اساتذتي ورفاقي أن يكونوا من الليبراليين والمنفتحين خلال تعاملهم معي كسوداء، فإنني سأبقى اشعر كأنني ضيفة في حرم الجامعة، وكأنني حقا لا أنتمي إلى هذا المكان«، وهو تعبير صارخ عن مدى التمييز العرقي الذي تشعر به. وبالتالي، فمن الممكن ان يظهر الأمر نفسه لدى اوباما، الذي عانى أيضا التمييز العرقي، وذلك اذا ما أخذنا بعين الاعتبار المقولة التي تشير إلى انه «ليس من الضروري أن يتشارك الأزواج فيما يحبونه ولكنهم يتشاركون فعلا فيما يمقتونه«، أي انه يجب ان يكون بينهم ادنى درجات التفاهم فيما يكرهونه، وبالتالي فإن ما تشعر به ميشيل من كره تجاه الولاياتالمتحدة فيما يخص التمييز العرقي قد يكون مماثلا لما يشعر به اوباما، خصوصا بالنظر إلى الدور الكبير الذي تلعبه ميشيل في حملة اوباما الرئاسية حيث تبدو إلى جانبه في كل المناسبات كما انها تحشد له الملايين. ويظهر من خلال تصريحاتها وخطاباتها كم انها تؤثر فيه، حتى انها لا تتوانى عن انتقاده علانية إذا ما أرادت ذلك، اذ قالت في احدى المرات انها تجد صعوبة في التوفيق بين الصورتين لباراك اوباما فهو «ظاهرة، ومحام لامع، وكاتب يتمتع بنسبة مبيعات عالية، وحاصل على جائزة جرامي، ولكنه في المنزل أقل جاذبية«. الحماة وزوجة الابن ومن الامور اللافتة للانتباه ان ميشيل تتحدث عن حماتها بكثير من المودة والتقدير، فتقول: إنها «كانت انسانة حالمة ارادت ان ينفتح العالم لها ولأبنائها«، وهي بذلك تشير إلى مدى حب وتعلق اوباما بوالدته وبأعمالها، وخصوصا انه من المستغرب ان تقوم زوجة الابن بمدح حماتها بهذا الشكل. يقول اصدقاء آن دونهام عنها انها كانت كالرحالة، وانها عندما ذهبت إلى اندونيسيا مع زوجها الثاني اخذت ابنها باراك معها وعلى الرغم من ان الكثيرين اليوم يحاولون القول إن اوباما مسلم مع كل ما يفعله لنكران ذلك، فتشير جميع الادلة إلى انه لا يكن الشعور بالمقت تجاه المسلمين كما الكثير من السياسيين لأنه عايشهم واطلع على عاداتهم وتقاليدهم وتعاليمهم وان لم يكن قد اعتنق الاسلام كما يشدد هو. الشر يولد الشر ازاء ذلك، فإن احد الصحفيين المساندين للسيناتورهيلاري كلينتون في حملتها لم يتردد في القول: ان «الشر يولد الشر«، بحيث كتب مقالا يتضمن تلميحات كبيرة إلى السلوك السيئ والعدائي لوالد اوباما الكيني الذي يصفه اوباما نفسه في كتابه «أحلام من أبي« بأنه سكير. ويذهب الكاتب الذي استند إلى مقولة «هذا الشبل من ذاك الاسد« باتجاه القول ان الرجل الكيني تزوج من امرأة بيضاء ولكنه لم يستطع تحمل المسؤولية فتركها وابنه وفر إلى موطنه، كأنه يريد بذلك القول ان اوباما لن يتمكن من تحمل مسئولية دولة ذات غالبية من العرق الابيض وانه سرعان ما سيفشل في تحقيق مهامه، مشددا على حقيقة ان والده دمر نفسه ليشير إلى ان اوباما في حال إذا ما تسلم زمام السلطة فإنه لن يؤذي نفسه فقط بل الامريكيين جميعا ومختلف دول العالم التي تتأثر بالولاياتالمتحدة. علما ان سيرة اوباما لا تتضمن الكثير من النقاط السوداء باستثناء اعترافه بأنه تعاطى المخدرات في وقت ما عندما شعر بالضياع وبعدم الانتماء، اما ماعدا ذلك فهو يبدو على درجة كبيرة من الاستقامة. بغض النظر عن تأثره بوالدته او بأبيه فإن اوباما يبدو مصرا على التغيير، وقد تمكن من اقناع الكثير من الامريكيين بذلك.