لا يوجد في الحياة الحمض النووي الريبي المنقوص الأوكسجين أو DNI فقط، ذلك ان ما يحيط بنا مذهل ويدفعنا على الأقل إلى التفكير والتفكير في عمق، مثلما هي الحال بالنسبة لجملة موروثاتنا، وفي خضم كل هذا الكم المعلوماتي، وانطلاقا من شكلنا الخارجي ووصولا إلى سلوكياتنا اليومية، فيا ترى ما الذي يتحكم في كل هذه العضوية والوظائف.. أهي الموروثات أم أشياء أخرى؟! ماذا وراء الجينات؟ لقد اكتشف واطسون وكريك بنية جزيئية DNI قبل 50 سنة، ومنذ ذلك الحين اعتبرت الجينات المسؤولة عما ما نحن عليه، لكن الأمر ليس بهذه البساطة. أظهر فريق من المركز الفرنسي للبحث العلمي في مايو 2006 أنه بالإمكان أن تولد فارة بذيل أبيض، على الرغم من أن جيناتها تحمل شفرة اللون الرمادي. وبعد سلسلة من التجارب العلمية، أثبت العلماء ان صفة الذيل الأبيض موروثة، لكن الذي يحملها في الجملة الوراثية للفارة هو الحمض الريبي النووي 'اي ار ان' وليس الدي ان أي أو الحمض الريبي النووي منقوص الأكسجين. ولكن هل يمكن ملاحظة هذا النوع الاستثنائي من الوراثة لدى الإنسان؟ اظهرت دراسة حول المجاعة في هولندا تمت عام 1945 ان اوزان المواليد الجدد في تلك الفترة كانت ضعيفة جدا، والمفاجئ ان اطفالهم ايضا كانوا ضعاف الوزن، لكن إلام يعود السبب؟ يحاول العلماء في الوقت الراهن التأكد من ان هذه الظاهرة ناتجة عن تغير طرأ على الموروثات، فخضعت لتنشيط غير طبيعي، عن طريق الاعتماد على تجارب تخضع لها الفئران بالطبع. الإيبيجينيتيك:- والإيبيجينيتيك، هي الظواهر الوراثية التي لا ينقلها الحمض النووي الريبي منقوص الاكسجين، فهي تصف كل التغيرات وعملية قلب المعلومات التي تخضع لها المورثات. وتشكل هذه الظواهر برنامج يعمل على اختيار المورثة سواء بهدف تنشيطها او الغاء الرسالة التي تحملها. كيف ذلك؟ الاجابة ما زالت غير كاملة، غير ان العلم اثبت وجود عدد من البروتينات تعمل على تثبيط ترجمة ما تحمله المورثات من معلومات. وعليه يمكن ان نقول بعد كل هذا التطور الذي وصلت اليه البيولوجيا الجزيئية باننا لسنا نتاج مورثاتنا فقط. المورثات والسلوك:- من أين تأتي سلوكياتنا وكيف تنتج؟ هل هو مسجل على خلايانا باننا خجولون او اجتماعيون او عدوانيون او اذكياء؟ تنتج السلوكيات عن الوظائف البيولوجية التي تؤديها العضوية، غير ان هذه الوظائف تتحكم فيها المورثات، وهو ما يعني ان الوراثة لها علاقة بسلوكياتنا، ولكن على اي مستوى؟ لقد عرف العلم تطورا في دراسة هذه المسألة بالنسبة للحيوانات، ففي عام 2005 اكتشف العلماء مورثا وحيدا عند ذبابة الخل يعمل على تغيير سلوكها الجنسي، واذا ما وضعنا الصيغة الذكرية من المورث لدى انثى فان سلوكها الجنسي يتغير وتصبح ذكرا. وفي مثل هذه الحالة يتغير السلوك بتغيير نظام المخ، ولا يخص هذا النوع من الدراسات سوى الحيوانات اللافقارية ولا تنسحب على الجنس لدى الانسان، ذلك انه اعقد بكثير. شرب الكحول والذكاء:- لقد اكتشف العلماء عددا من المورثات المسؤولة عن عدد من السلوكيات لدى انواع مختلفة من الحيوانات غير انهم لم يتوصلوا الى حد الساعة لاي نتيجة تخص الكائن البشري. ويظن العلماء بوجود عوامل وراثية تدفع الى الادمان على الكحول، غير انهم لم يتوصلوا الى حد الساعة الى تحديدها عند الانسان. ويتعلق الامر بسلسلة من المورثات التي تعمل على مراقبة المورثات التي تفقد مستقبلات الاعصاب اي نوع من الشعور. فقدان المستقبل للشعور يجبد المستعمل على استهلاك كميات اكبر من الكحول او المخدرات وبصفة يومية حتى يصل الى مرحلة الرضا، ويقدر العلماء بان ما بين 40 و60 % من اسباب الادمان، تعلق الامر بالكحول او الكوكايين هي اسباب وراثية، وفي المقابل وعلى الرغم من الاعداد القياسية للابحاث التي تقودها المخابر، لكنها لم تستطع الى حد الساعة الوصول الى مورثات مسؤولة عن الذكاء. هل هناك جينات مسؤولة عن العدوانية؟ هل بامكاننا ان نقهر يوما العنف بفضل تطور الطب الوراثي؟ هل يوجد مورث مسؤول عن العدوانية؟ نعم غير ان العلماء اكتشفوا هذه الصفة على مستوى ذبابة الخل وليس الانسان بعد. كانت السلوكيات العدوانية مرتبطة دوما بظواهر اجتماعية متعلقة بقصور في التربية او بسبب الاقصاء والتهميش الاجتماعيين او التأثير السلبي للتلفزيون، غير ان الرأي هذا تغير منذ عام ،1980 بعد ان حاول بعض العلماء اكتشاف الاسس البيولوجية: من المحتمل ان تكون هناك اسباب وراثية للعدوانية غير ان الآلية لا تزال معقدة جدا. قابلية عند البعض:- في البداية لاتوجد موروثة واحدة مسؤولة عن هذه القابلية، فالعدد يتراوح ما بين 20 و100 موروثة، يظهر فحص الجملة الوراثية بأنها تحتوي على 30 الف موروثة، بينما لعضويتنا اكثر من 30 الف وظيفة وهو ما يعني ان هناك موروثات متعددة الخدمات وبالاضافة الى ذلك هناك موروثات تتفاعل في ما بينها وعليه اذا ما كانت هناك موروثات مسؤولة عن السلوك العدواني، فإنهابالضرورة مفيدة لعضويتنا. وعند البقية:- يظن ريتشارد ترومبلاي وهو باحث في علم النفس بجامعة مونتريال أننا نملك جميعا موروثان للعنف، غير ان هذا العنف لا يظهر الا في السنوات الاولى لحياتنا، ويتراجع بسرعة بتأثير من المحيط والنتيجة ان كل واحد منا يتعلق كيف يحجم العنف بداخله، الا اذا لم نتعلم كيف نكبح سلوكياتنا العدوانية، مثلما هي حال الاطفاء الذين عوملوابقسوة على سبيل المثال.