مرة أخرى تهب رياح التمرد فى تشاد ولكن من اتجاه آخر .. حيث تخوض القوات الحكومية حربا في الوقت الراهن ضد فصيل متمرد آخرهو "القوات المتحدة من أجل الديمقراطية والتنمية".وهو ثاني جبهة تفتح بين حركات تمرد والقوات الحكومية بعد "الجبهة المتحدة للتغيير" . الرئيس التشادي إدريس ديبي اضطر الى اعفاء وزير الدفاع محمد نورعبد الكريم من منصبه على خلفية تجدد المواجهات بين القوات الحكومية والجماعات المتمردة في شرق البلاد. كان وزير الدفاع محمد نور عبد الكريم قد لجأ إلى السفارة الليبية في العاصمة نجامينا قبل اقالته بحجة الخوف على حياته بعد أن شنت القوات الحكومية التشادية هجوما على مواقع الجبهة في معقلها بقرية قريضة شرق البلاد. يأتي هذا وسط حالة التوتر التي تعيشها الحدود التشادية مع إقليم دارفور السوداني وقبل نشر الاتحاد الأوروبي حوالي 4000 جندي لحفظ السلام في المناطق التشادية الحدودية وأفريقيا الوسطى ضمن عملية تشارك فيها أيضا قوات مشتركة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة فى دارفور. ويصر الاتحاد الأوروبي على نشر تلك القوات وفق الموعد المحدد لها رغم إعلان حركة اتحاد القوى من أجل الديمقراطية في تشاد أنها ستكون في حالة حرب ضد أي قوات أجنبية تقدّم دعما للحكومة التشادية. موقف نور صار ضعيفا منذ الشهر الماضي عندما انخرط مقاتلون متمردون سابقون من أنصاره في اشتباكات عرقية مع منافسين على حدود تشاد الشرقية مع منطقة دارفور المضطربة بغرب السودان. جدير بالذكر ان محمد نور هو أحد زعماء المتمردين السابقين الذي أصبح وزيرا للدفاع في مارس الماضى بعد توقيع اتفاق سلام مع الحكومة. الا ان التقارير الورادة من نجامينا تشير الى إن الرئيس التشادي أصبح متشككا في ولاء الجبهة المتحدة للتغيير(و التي كان يقودها نور) لحكومته في الوقت الراهن. وفي أسوأ معارك في شرق تشاد خلال أشهر أدار الرئيس ديبي بنفسه عمليات الجيش هذا الاسبوع والتى خاضتها القوات الحكومية مع متمردي اتحاد قوى الديمقراطية والتنمية الذين تخلوا قبل أسبوع عن اتفاق السلام الذى أُبرم منذ شهر،حيث سقط فيها المئات من الجانبين .. وبعد ثلاث معارك عنيفة بين الجيش التشادي ومتمردي اتحاد قوى الديمقراطية والتنمية قرب الحدود السودانية بدأ الوضع يميل الى الهدوء نسبيا . وتوافد الجنود الجرحى خلال الايام القليلة الماضية على ابيشي كبرى مدن شرق تشاد ، حيث نقلت الاصابات الخطرة الى نجامينا. وشارك الجيش الفرنسي في عمليات النقل بوسائله الجوية وقدم العناية الى الجرحى. واكتظت مستشفيات نجامينا بالجرحى واعلن وزير الخارجية التشادى انه يتعين نقل مصابين الى السنغال ولييبا ومصر. ويعتبر اتحاد قوى الديمقراطية والتنمية وتجمع قوى التغيير من بين اربع حركات وقعت في 25 اكتوبر بسرت في ليبيا اتفاق سلام مع نجامينا. لكن معارك الاسبوع الجاري الغت الاتفاق. على جانب اخر ازدادت حدة التوتر مع حركة التمرد السابقة "الجبهة الموحدة للتغيير"و التي وقعت اتفاق السلام في ديسمبر 2006 . ويخشى ديبي من أن أن يؤدي تجدد التمرد من جانب الجبهة المتحدة للتغيير إلى إضعاف القوات الحكومية في مواجهة القوات المتحدة من أجل الديمقراطية. يشار الى ان المتمردون السابقون بالجبهة ينتمون إلى قبيلة "تاما" بينما ينتمي معظم عناصر الجيش الحكومية إلى قبيلة "الزغاوة" والتي ينتمي إليها الرئيس ديبي أيضا. وعلى هذا فهناك إرث من التنافس والتناحر بين القبيلتين، لكن الآمال في وقف الصراع كانت قد تزايدت في العام الماضي اثر توقيع اتفاق سلام بوساطة من الزعيم الليبي معمر القذافي. وقد اشترط المتمردون وقتها تعيين نور وزيرا للدفاع بمقتضى الاتفاق على ان يشرف نورعلى تنظيم نزع سلاح الموالين له واستيعابهم في الجيش التشادي، الا ان التقدم في نزع سلاح المتمردين كان بطيئا للغاية مما اثار مشاعر الريبة بين ديبي ونور بشكل يومي. والمراقب للاوضاع يجد ان الصراعات القبلية تشكل عنصرا رئيسيا في الأزمة التشادية ، فالرئيس "ديبي" ينتمي إلى قبيلة "زغاوة" الموزعة بين تشاد والسودان، والتي تعد واحدة من القبائل المتمردة الرئيسية في دارفور، وفيما تحظى الحكومة التشادية بدعم قوي من قبيلة "زغاوة"، وقبيلة "السارا" التي تتركز في جنوب البلاد، فإن المعارضة تساندها العديد من القبائل العربية التي تتوزع بين تشاد والسودان . وتتواصل معارك الكر والفر بين القوات الحكومية التشادية وقوات المعارضة المسلحة ولا سيما في المناطق الشرقية من تشاد مخلفة مئات القتلى والجرحى في صفوف الطرفين فضلا عن تدمير وحرق الممتلكات والآليات والسيارات. المقاتلون من حركة الاتحاد من اجل الديمقراطية والتنمية الذين احتلوا عددا من المدن وانسحبوا منها بعد ذلك يقولون ان استراتيجيتهم تعتمد على اسلوب الكر والفر من اجل انهاك قوات النظام الرئيس ادريس اديبي الذي يصفونه بالمتهالك . ويرى المحللون السياسيون ان البلد المحاصر في افريقيا الوسطى يعيش منذ اربعين سنة وضعا متأزما على الدوام تسهم فرنسا على طريقتها في ديمومته من وجهة نظرهم ،اما رئيسها ادريس اديبي والذى تسانده المخابرات الفرنسية فيعيش وضعا صعبا. وتعد تشاد احد الاطراف الخارجية المتورطة بشكل او باخر في صراع اقليم دارفور في السودان حيث تقع تشاد على حدود هذا الاقليم. ثمة تقديرات تشير بأن النزاع في شرق تشاد، والذي وقعت خلاله هجمات ضد المدنيين قد أسفر عن تهجير الالاف ،فيما تسبب فى مقتل آلاف الأشخاص الآخرين، واستُخدمت عمليات الاغتصاب والتهجير القسري كأسلحة للحرب. وتزيد إقالة ديبي لوزير دفاعه من حالة عدم اليقين بشان الوضع في شرق تشاد والذي يمزقه الصراع وذلك قبل النشر المزمع لقوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الاوروبي أوائل العام القادم ،. وما زالت الساحة حبلى بعوامل التفجير والتصعيد. 2/12/2007