الى فترة قريبة كان الاعتقاد السائد في اوساط العلماء ان زينة المرأة قد بدأت تظهر بظهور الحضارات الكبيرة في وادي الرافدين ومصر واليونان ولكن التنقيبات او الاستكشافات الاثرية الاخيرة قد غيرت وجهة الاعتقاد هذه وخاصة بعد ان تم اكتشاف ادوات الزينة هذه في مناطق غير متوقعة من العالم، وبعد اجراء الفحوصات الاشعاعية عليها وجد العلماء ان تاريخ هذه الادوات يعود الى فترات سحيقة في القدم مما احدث ذلك انقلابا في توجهات العلماء لدراسة هذه القضية في ضوء المستجدات المتوافرة من اللقى الاثرية الجديدة. وربما يكون الاكتشاف الاخير لاصابع احمر الشفاه في مغارة 'بلومبوس' على احد شواطئ جنوب افريقيا يضيف المزيد من المعلومات حول طبيعة تطور زينة المرأة عبر التاريخ لان حضارة 'التجميل' لم تبدأ مع بداية الحضارات المدنية الكبيرة وانما منذ العصر الحجري اي قبل نحو اكثر من 70 الف عام. صناعة يدوية ويبدو ان اصابع احمر الشفاه المكتشفة في جنوب افريقيا، عملا يدخل ضمن دائرة العمل المصنوع يدويا، حيث تظهر عليه ثلمات وشقوق نتيجة الاستعمال، وهو الى حد الان يعتبر من اقدم الاعمال الفنية المكتشفة في العالم. فقد صنع في فترة العصر الحجري، حينما بدأ الانسان في التكيف مع مرحلة الاستيطان في مناطق ثابتة، بعد ان كان يعيش على شكل جماعات متنقلة. لقد اصيب العلماء بالدهشة الكبيرة عندما تحققوا من هذا الاكتشاف فقد توصلوا الى نموذج بالغ الاهمية يكشف مستوى الثقافة البشرية البدائية في فترة موغلة في القدم على الضد من التصورات التي كانت قد سادت قبل العثور على هذا النموذج. وكان العلماء قد عثروا قبل ذلك على نموذج آخر من اصبع احمر الشفاه يعود تاريخه الى فترة اقدم من الاكتشاف الاخير غير ان هذا الاصبع يختلف عن الاصبع الاخير في الزركشة الفنية التي تحيط بجداره، حيث خلا من هذه الزركشة، وبدا املس السطح، وقد وجد في افريقيا ايضا. ولكن اقدم اصبع شفاه يعود تاريخه الى اكثر من 170 الف سنة قد عثر عليه في مغارة 'كومبليسكي' في زامبيا، وهذه الاصابع كانت تحتوي في اكثريتها على اوكسيد الحديد. ثورة ثقافية علماء الاثار في الوقت الراهن لم يثبتوا قراره، اين وفي اي فترة يمكنهم الوقوف على الثقافة الانسانية، ولكنهم افترضوا ان ذلك يبدأ تقريبا قبل 50 الف عام حيث بدأ الانسان باستخدام العظام، او انتاج المعدات الحجرية او تزيين جدران المغارات، وكمثال على ذلك الصور التي تطفح بها المغارة الفرنسية 'لوسكاوس'. ان اكتشاف الاصابع الدائرية لتلوين الشفاه تعود بنا الى البحث عن ثقافتنا في عمق التاريخ الماضي، ويبدو ان هذا البحث ومتطلباته اكثر تعقيدا من افتراضات العلماء. وليس من باب الحكمة ان يجري الاعتقاد بأن مستحضرات التجميل في العصور القديمة قد ظهرت في الوقت نفسه الذي ولدت فيه الثقافة الانسانية. لقد جرى الاعتراف بثقافة 'التجميل' منذ الحضارة اليونانية، فكلمة Kosmetic تأتي من الكلمة اليونانية Cosmos وتعني ال'النظام' او ال'ترتيب'. وفي الثقافات التقليدية، فان Cosmos التي ورثناها من اليونانيين، لم تكن والى وقتنا الراهن تقتصر علي الحلية الرخيصة والتافهة وانما تشمل ايضا الالوان الوصفية التي تعرف وبشكل واضح بشخصية الفرد والى اي الجماعات او القبائل ينتمي او يعيش. واستخدام الالوان يمكن اعتباره هوية جنسية تؤشر الى الناس العصريين في مراحل التاريخ المختلفة، لذلك فان من الممكن ان تكون اصابع احمر الشفاه التي تعود الى العصر الحجري ليست فقط مفتاحا الى معرفة ثقافاتنا، وانما ايضا عبارة عن وسيلة لمعرفة اصل انواعنا البشرية.