في ذكري مرور 56 عاماً علي معركة الشرطة بالإسماعيلية يظهر جلياً دور حكومة الوفد برئاسة مصطفي باشا النحاس في مقاومة المحتل الإنجليزي بعد قراره بإلغاء معاهدة 36 في 8 أكتوبر 1951 بمقولته الشهيرة التي ألقاها »من أجل مصر وقعت المعاهدة ومن أجل مصر ألغيت المعاهدة. كان قرار النحاس باشا بمثابة الشرارة التي أشعلت روح المقاومة داخل كل فئات الشعب في منطقة القناة، التي كانت ومازالت تشهد تواجد القوات الإنجليزية بها. واستجاب الشعب لنداء الحكومة الوفدية وترك العمال المصريون العمل في المعسكرات الإنجليزية، ورفض سائقو وعمال القطارات نقل الجنود البريطانيين من ميناء بورسعيد إلي منطقة الإسماعيلية، مقر القيادة العامة للقوات الإنجليزية في الشرق الأوسط لتدعيم القوات البريطانية في منطقة القناة، وتم نقل الجنود والضباط وعائلاتهم إلي معسكرات الإسماعيلية وفايد في لوريات الجيش البريطاني. ولامتداد أعمال المقاومة ضد الجيش الإنجليزي في مصر، قام الإنجليز بانسحاب منظم من الدلتا والقاهرة إلي منطقة القناة وتدعيمها ب120 ألف جندي، لتكون قاعدة لها بمنطقة الشرق الأوسط ولهيمنتها علي قناة السويس، لذا اتخذت بريطانيا إجراء وقائياً لفرض سيطرتها علي المنطقة بربط أهالي المنطقة اقتصادياً بالقوات من خلال علاقات عمل وتجارة وخدمات مختلفة، وكانت هناك استعراضات عسكرية تنظمها حيث تمر المواكب باستمرار داخل المدن لإرهاب المواطنين مع شروعهم في وضع الخطوط اللازمة لفصل منطقة القناة عن باقي الوطن. ومع قرار الحكومة الوفدية بإلغاء معاهدة 1936 في 18 أكتوبر 1951 تصاعدت الأحداث وامتنع 60 ألف عامل بمنطقة القناة عن العمل في المعسكرات الإنجليزية ورفض التجار والمتعهدون توريد موارد التموين إلي الإنجليز، وتوقف العمل تماماً وأثناء ذلك، بدأ العمال في دخول المعسكرات والحصول علي السلاح وجمع الذخيرة واخفائها في المقابر تحسباً لاستخدامها في المقاومة. وفي 16 أكتوبر 1951 نظم عمال مصنع »الكوكاكولا« بالإسماعيلية مسيرة تأييد لإلغاء معاهدة 1936 وتحركت المسيرة إلي شارع السلطان حسين، حيث انضم إليها طلبة مدرسة الإسماعيلية الثانوية بنين واتجهوا إلي مبني الناخي مقر المواد التموينية للجيش الإنجليزي بمنطقة الشرق الأوسط بميدان السكة الحديد - وهاجموا المبني وأشعلوا النيران في المبني واشتبكت القوات الإنجليزية مع الشعب ورجال الشرطة وأسفرت الأحداث عن استشهاد 6 مواطنين وجرح 82 مواطناً. ودفعت هذه الحركة القائد البريطاني للمنطقة أرسكين لتوجيه إنذار إلي وكيل الحكمدارية بالإسماعيلية، بأنه إذا لم يقم البوليس المصري بالسيطرة علي الموقف وإعادة الهدوء إلي المدينة فإن القوات البريطانية ستتدخل، وتحولت أرض الإسماعيلية إلي مسرح دارت عليه معارك فعلية، وتصاعد العمل الفدائي، وأثناء ذلك كانت وزارة الداخلية برئاسة فؤاد باشا سراج الدين تدعم المقاومة بالأسلحة والمعدات. وأعطي فؤاد باشا قراراً للسماح للاضراب بتجهيز مجموعات فدائية لإعدادها في تجمع موحد وتدريبهم وتزويدهم بالسلاح في مجموعات تحت السيطرة للعمل الفدائي في منطقة القناة. وفي هذه الأوقات، طالب قائد القوات البريطانية من فؤاد باشا سراج الدين تدعيم قوات الأمن بالإسماعيلية للمحافظة علي الهدوء واستجاب وزير الداخلية وبعث 700 شرطي بوليسي من بلوكات النظام لدعم الجهاز الأمني بالإسماعيلية. وأصبح حمل السلاح حقاً لكل المصريين بعد قرار النحاس باشا بتعديل قانون حمل السلاح للمدنيين دعماً للمقاومة بمنطقة القناة، حيث وقعت مصادمات بين القوات البريطانية والبوليس المصري لوقوع سيارات القوات البريطانية في كمائن البوليس. وفي مساء 17 نوفمبر 1951 انتشرت الدوريات حول مبني دار المحافظة فحاصرتها ودوريات أخري حاصرت ثكنات بلوكات النظام. وهاجموا الجنود المصريين بوابل من نيران الرشاشات. وأصابوا جنديين وبدأوا في مهاجمة الأهالي وفي صباح 18 نوفمبر حاولت قوات الاحتلال الاعتداء علي الجنود المصريين بمحاصرة المستوصف الذي يتمركز فيه 1000 جندي من بلوكات النظام، وقد تأهب الجنود للعمل ولم يكد يسمعون طلقات المدافع الإنجليزية في معركة المحافظة حتي بدأت طلقات بنادقهم تنصب من نوافذ حجراتهم علي الإنجليز المحاصرين للمستوصف من الخارج، حيث امتلأت الشوارع بالدبابات المحيطة فيما يزيد علي 30 دبابة و5 آلاف جندي إنجليزي ليقاتلوا ألف شرطي بأسلحة متواضعة، واشتدت المعركة بين الطرفين فازداد عدد القتلي وفجأة بدأت الطائرات البريطانية تحلق فوق ميدان المعركة وتلقي بقنابل من الدخان حول مبني المستوصف من كل الاتجاهات، وكانت خطة أخري من الإنجليز، حيث تمكن الإنجليز من الخروج من الدبابات والمصفحات إلي أسطح العمارات العالية المحيطة وتمكنوا من مهاجمة جنودنا ولم يستسلم أحد وبعد عناد المصريين تحركت الدبابات الأربع المزودة بمدافع واخترقت مبني المستوصف وانهار المبني، واستمرت المعركة حوالي 4 ساعات، وذلك كله للأخذ بالثأر في الميجور الإسكتلندي الذي لقي مصرعه في عملية فدائية، وأسفرت هذه المجزرة عن قتل 5 ضباط و30 جندياً بريطانياً وأصيب 50 بريطانياً. وفي الجانب المصري استشهد 12 من المواطنين وأصيب 26 رجلاً من قوات الشرطة والمواطنين.