عندما تصل كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية إلي منطقة الشرق الأوسط في أول الشهر القادم سيكون أهم ملف تحمله هو ملف العراق المتفجر.. وستسعي رايس خلال مؤتمر دول الجوار العراقي الذي سيعقد في شرم الشيخ بالتوازي مع مؤتمر تحالف العهد الدولي مع العراق إلي اقناع دول الجوار العراقي والدول الثمانية الغنية وباقي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالمشاركة في تحمل بعض تداعيات المغامرة الأمريكية التي لم يتم لها التخطيط السليم مما أدي إلي تحول العراق إلي فخ وقعت فيه الولاياتالمتحدة. والشيء المؤكد هو ان واشنطن تدرك جيدا ان أيا من الدول التي ستشارك في هذا الاجتماع غير مستعدة للانتحار لمشاركة الإدارة الأمريكية في أي استراتيجية لا تقوم علي أساس تحديد خطة لانسحاب القوات الأمريكية من العراق.. والواقع ان إدارة الرئيس بوش عاجزة عن وضع خطة انسحاب وذلك خوفا من أن تصبح هذه الخطة أخطر علي القوات الأمريكية من استمرار التعامل مع الانفجارات اليومية الدامية.. وربما كان أفضل ما ستعود به رايس إلي واشنطن هو بيان مشترك يصاغ بذكاء ليعطي انطباعا بمساندة الولاياتالمتحدة والعراق بعد أن أصبحت كل منهما رهينة للأخري. وإذا كانت رايس قد اتجهت للشرق الأوسط بحثا عن مخرج لمأزق العراق فقد غادرت واشنطن في وقت تصاعدت فيه المواجهة بين الإدارة الأمريكية والكونجرس الأمريكي حول العراق أيضا. فقد أعلن الكونجرس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون ان الموافقة علي المقررات المالية الإضافية التي طلبها الرئيس بوش لمواجهة متطلبات الحرب في العراق ستكون مشروطة ببدء جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق. وفي إطار محاولة التقريب بين وجهات النظر دعا الرئيس بوش قيادات الكونجرس إلي اجتماع في البيت الأبيض ليوضح لهم ان زيادة القوات الأمريكية التي اقترحها والتي بدأ تنفيذها جزئيا ستعمل علي احلال الأمن والاستقرار في العراق. ولكن الرئيس بوش علي الرغم من استعانته بقائد القوات الأمريكية في العراق لم ينجح في تعديل موقف قيادات الكونجرس بل ما كاد السناتور هاري ريد زعيم الديمقراطيين يغادر البيت الأبيض حتي أعلن ان الميزانية المشروطة ببدء الانسحاب سترسل للبيت الأبيض لاعتمادها علي الرغم من إعلان بوش انه سيستخدم حقه في الاعتراض عليها ورفضها.. وهكذا ضرب رجال الكونجرس بفيتو الرئيس بوش عرض الحائط واتهم البيت الأبيض الديمقراطيين بالمراهنة علي احتياجات رجال الجيش الأمريكي الذين يواجهون الخطر في العراق من أجل تحقيق مكاسب سياسية.. وبادرت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب بالتأكيد علي ان عملية سحب القوات الأمريكية من العراق ليست أمرا سياسيا بل أمرا أخلاقيا.. وعلق السناتور هاري ريد علي تصريحات الرئيس بوش بقوله ان الرئيس بوش ينكر الواقع. وأما عن السناريو المتوقع فإنه سيكون استمرار المواجهة والعنتريات من جانب الطرفين إلا انه سينتهي بتقديم كل ما يطلبه الرئيس بوش دون شروط. وعلي الرغم من ان الحديث عن الانسحاب من العراق من الأمور المثارة حاليا فإن هناك من يري ان دعوة الديمقراطيين لجدول زمني للانسحاب يشوبها نوع من الاندفاع وقد قام ستيفن سيمون الباحث بمجلس العلاقات الخارجية بإعداد تقرير حول ضرورة وضع جدول زمني للانسحاب يتسم بالواقعية.. وربما كان هذا ما تسعي إليه وزيرة الخارجية الأمريكية. ويقول هذا التقرير ان المطلوب جدول زمني للانسحاب يتلاءم والسياسات الداخلية والواقع الدبلوماسي والعسكري في الشرق الأوسط. ويقول التقرير ان علي واشنطن ان تتباحث مع الحكومة العراقية بشأن هذا الانسحاب وأن تتفاوض مع تحالف من دول الجوار العراقي لمنع دخول أي محاربين للعراق وأن تتعاون فيما يتعلق بأوضاع اللاجئين العراقيين مع مساندة المعتدلين في معركتهم مع تنظيم القاعدة إلي جانب دفع عملية إعمار العراق ومنع التدخل في الشئون العراقية مع وضع خطة للإغاثة الإنسانية في حالة اندلاع العنف الطائفي بعد انسحاب القوات الأمريكية. ويري صاحب التقرير ان الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية يمكن ان يتم في بداية عام .2009