جاءت التصريحات التي أطلقها فاروق الشرع نائب الرئيس السوري, التي هاجم فيها السعودية, لعدم حضورها اجتماعات دول الجوار العراقي والتي عقدت في دمشق أخيرا واتهامها بالشلل في علاقاتها العربية والإسلامية, وكذلك البيان السعودي الذي صدر معقبا علي تصريحات الشرع متهما إياه بغير العاقل وغير المتزن مع شن أعنف هجوم تصدره السعودية علي نائب الرئيس السوري, هذه البيانات والاتهامات زادت كثيرا من الفجوة في العلاقات بين الدولتين, واللتين كانتا حليفتين لأكثر من30 عاما. واذا نظرنا الي مرحلة توتر العلاقات بين السعودية وسوريا, فنجد أنها تعود الي شهر فبراير من عام2005, وبالتحديد مع حادث اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق حيث توجهت الأنظار الي سوريا وسط حديث عن دور سوري في اغتيال رفيق الحريري والذي كان يوصف بأنه أحد عرابي العلاقات السورية السعودية ولكن وبمجهود مصري وبالتحديد من الرئيس حسني مبارك أعاد مرة أخري ترطيب العلاقات بين دمشقوالرياض وأساسها سعي دمشق للحفاظ علي مستوي من العلاقات الخارجية تشكل السعودية أحد أهم محطاتها مقابل سعي سعودي هدفه إبقاء دمشق في دائرة العلاقات العربية بدلا من سعيها للتحالف مع إيران. غير أن الحرب الإسرائيلية علي لبنان الصيف الماضي ومواجهتها مع حزب الله الحليف السوري أعاد شحن العلاقات السورية السعودية مرة أخري خاصة بعد الهجمات الإعلامية السعودية, والتي طالت حزب الله وصدور إشارات سورية ضد السعودية ومواقفها خلال الحرب. ثم جاء خطاب الرئيس السوري بشار الأسد بعد انتهاء الحرب ليشعل من جديد النيران في علاقات البلدين حين أشار الي التقصير العربي, ونعت بعض الزعماء العرب بأنهم أنصاف رجال وكان ذلك مدخلا لاستياء سعودي شديد لم تخففه التفسيرات التلطيفية السورية لمحتويات الخطاب. اتهامات سورية ووسط تلك الأجواء من التوتر في العلاقات السورية السعودية كانت دمشق مسرحا للعديد من الاتهامات السورية الموجهة الي الرياض مع تأكيدات علي اعطاء بعض تلك الاتهامات طابعا رسميا الأمر الذي اعتبر مقدمة لتدهور حقيقي وسريع في علاقات البلدين, حينما طالبت شخصيات سورية بطرد الملحق العسكري السعودي من دمشق وذلك لتحريض العشائر ضدها علي حد تعبيرهم كما نشرت إحدي المواقع الالكترونية السورية رسالة موقع عليها632 مواطنا سوريا الي قيام السعودية بتحريض عبدالحليم خدام ضد سوريا. وخطورة تلك الاتهامات السورية للسعودية, بأنها غير مسبوقة, اذ لم يسبق لسلطات سورية أن وجهت مثل هذه الاتهامات والتي تتناقض في مجملها مع السياسة الهادئة التي تتبعها السعودية في علاقاتها الخارجية لاسيما مع سوريا التي يمكن القول إنها كانت ممتازة خلال العقود الثلاثة الماضية. ولم يتوقف الأمر عند الاتهامات السعودية السورية فقط بل انها قامت بالقبض علي عدد كبير من السياح السعوديين في سوريا ومعاملتهم بأسلوب غير لائق علي حد تعبير السياح مما أدي الي تقليل عدد الرحلات السياحية من السعودية الي سوريا. مرارة السعودية هذه الهزة الأرضية في العلاقات بين البلدين, جعلت جزءا كبيرا من مرارات المملكة العربية السعودية ازاء سوريا يرجعه السعوديون الي أن الرياض قدمت خدمات هائلة للنظام السوري وعملت دائما علي التخفيف من حدة الغضب الأمريكي إزاء دمشق ومارست علي الدوام دور المهدئ وقناة الاتصال ذات المصداقية لإبقاء الجسور مفتوحة بين دمشق وواشنطن ومن المعروف أن السعودية وبحكم موقعها الاستراتيجي المميز وثقلها الاقتصادي والسياسي استطاعت أن تضمن لنفسها دورا دائما فيما يتعلق بتطورات الموقف ولم تغب الرياض أبدا عن معظم الملفات السورية منها تنازع البعثيين, والتوتر المتقطع في الملف السوري الأردني, وفي مصالحات الأسد, والملك حسين, أو في الملف الدامي السوري الفلسطيني أو السوري اللبناني أو السوري الإسرائيلي, خصوصا السوري الأمريكي, والسعودية كانت في كل هذه الملفات سندا قويا لسوريا وصاحبة تأثير دولي مرات عديدة عدوانية إسرائيل وحال دون احكام الطوق علي النظام السوري وحصاره دوليا. الانسحاب السوري من لبنان ويعتبر السعوديون برغم المرارة التي بداخلهم من اغتيال رفيق الحريري أنهم وقفوا بجانب سوريا بعد هذه الأزمة فقد طلب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارة غير متوقعة من الملك والذي كان وقتها وليا للعهد الي دمشق سحبا فوريا وكاملا للجيش السوري من الأراضي اللبنانية وذلك منعا لوضع سوريا في موضع يؤثر عليها مستقبلا وبالفعل تم سحب جميع القوات السورية من الأراضي اللبنانية ودعمت السعودية تشكيل لجنة دولية للتحقيق في اغتيال الحريري, وأعيدت الحياة السياسية اللبنانية عبر تسوية شاركت فيها السعودية وفرنسا والولايات المتحدة والأمم المتحدة برضي سوري. وبالطبع نجم عن ذلك تقليص للنفوذ السوري في لبنان ومزيد من الحصار علي النظام في دمشق مما جعل الحاجة ماسة الي دور سعودي يخفف من وطأة الضغط الأمريكي علي سوريا وهذا ما فعله الملك عبدالله خلال لقائه بالرئيس الأمريكي في تكساس ودافع عن بقاء النظام السوري واستقراره معارضا استهدافه واسقاطه فالسعودية برغم المرارة التي تشعر بها إزاء سوريا فإنها ترفض بأي حال من الأحوال المساس بالنظام السوري وعدم استقراره. إنهيار الجسور إذن فالعلاقات السعودية السورية حدث بها زلزال ضخم تسبب في انهيار جميع الجسور التي تربط بين البلدين والتي كانت تعود الي أكثر من36 عاما منذ اعتلاء حافظ الأسد للحكم في سوريا وكانت هذه العلاقات متميزة في مجملها وشكلا معا تحالفا قويا بجانب مصر حيث ان الدول الثلاث بعد أحداث11 سبتمبر وقفوا معا في وجه العديد من الأطماع الأمريكية للمنطقة ولكن للأسف الشديد دمرت العلاقات السعودية السورية وذلك بسبب ما سبق, وستأخذ إعادة العلاقات الي مسارها الصحيح فترة طويلة من الزمن حيث ان المتتبع للسياسة السعودية وعلاقاتها الخارجية يجد أنها تتعامل بهدوء مع كل الدول ولكنها لا تقبل بأي حال من الأحوال انتقادها أو الهجوم عليها واصلاح ذلك يأخذ وقتا طويلا.