يرجع الكثير من الخبراء والمحللين التصعيد الأخير بين السعودية وسوريا للتحالف الاستراتيجي الذي وقعته سوريا مع إيران. حيث إن الجمهورية الإيرانية لديها أطماعها العديدة المعلنة والخفية في المنطقة, خاصة منطقة الخليج العربي, التي تضعها ضمن أهدافها الرئيسية للسيطرة عليها, لذا فإن توقيعها علي هذا التحالف الهدف منه جذب سوريا باتجاه إيران, وإبعادها عن القوي الفاعلة في المنطقة مثل مصر والسعودية, من أجل أن يكون لها دورها القوي والفاعل والمحرك في المنطقة. وإذا نظرنا في البداية إلي الدور الذي تحاول أن تلعبه إيران في المنطقة, خاصة في الخليج العربي, في الوقت الحالي, فسنجد أن إيران بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام2003اعتقدت أنها القوة الفاعلة الوحيدة في منطقة الخليج العربي. بعد حدوث خلل في الميزان العسكري في المنطقة بعد انهيار العراق, فعلي الرغم من انهيار القدرة العسكرية العراقية منذ حرب الخليج الثانية عام1991 ولمدة12 عاما كاملة فإن دولة العراق كانت تعد كرادع لإيران في المنطقة, وكان النظام الإيراني علي قناعة كاملة بذلك. وكانت إيران في تلك الأثناء تعمل علي استعادة قوتها العسكرية مرة أخري بعد أن فقدت الكثير منها في حربها مع العراق والتي انتهت عام1988 وبالتوازي مع إعادة بناء القدرة العسكرية كانت هناك تحركاتها السياسية في منطقة الخليج العربي من خلال إقامة علاقات دبلوماسية قوية مع دول الخليج. علي الرغم من احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث فقد كانت تسعي خلال تلك الفترة مخاطبة ود دول مجلس التعاون, من أجل أهداف أخري مستقبلية وأهمها عدم الاعتراض المباشر علي امتلاك إيران للطاقة النووية فيما بعد. تنفيذ المخطط: ومع الانهيار العراقي بدأت إيران في تنفيذ سياستها التي وضعت بدقة وعناية من أجل السيطرة علي المنطقة بأسرها وفي هدوء ودون أن تظهر في أي صورة كانت. فكانت البداية بدخول عناصر استخباراتية إيرانية إلي الجنوب العراقي, صاحب النفوذ الشيعي, والموالي بشكل أساسي لإيران, واستطاعت أن تستقطب قياداته بالكامل, وأن تمد عناصر المقاومة بالسلاح والعتاد, من أجل إثبات القوة والنفوذ الإيراني, الذي لم تستطع القوات المحتلة( الأمريكية والبريطانية) السيطرة عليه. حتي أصبح الجنوب العراقي بالكامل يدين لإيران دون أن تبذل إيران أي مجهود, بل إن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعقد اجتماعاتها مع الحكومة الإيرانية من أجل أن يكون لها دور في تحقيق الأمن داخل الأراضي العراقية. التغلغل في لبنان وفلسطين: ولم تقف إيران علي الشأن العراقي فقط بل امتدت إلي لبنان من خلال دعمها لحزب الله في الجنوب اللبناني الذي يعتبر يدها الطولي وقامت بتزويده بالسلاح المتقدم والأموال وهذا ما ظهر جليا خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة علي لبنان والدور الذي لعبه حزب الله في إيقاف التغلغل الإسرائيلي. واستخدامه أسلحة من الصعب أن توجد مع حزب الله إلا إذا كانت إيران قد أمدته بهذا النوع من السلاح كما أن حزب الله قام بعد الحرب بتوزيع ملايين الدولارات علي المتضررين في الجنوب اللبناني فمن أين أتي حزب الله بهذه الملايين الإجابة واضحة بالتأكيد للجميع. هذا بجانب الدور الذي لعبته إيران مع حكومة حماس في فلسطين أيضا ودعمها بالمال والعتاد حتي ان حماس لم تقف في وجه إسرائيل بل انها وقفت في وجه الفصائل الفلسطينية الأخري من أجل السيطرة علي الحكم في فلسطين وتنفيذ المخطط الإيراني الذي وضع. إذن فمن الواضح أن إيران هدفها تدعيم فصائل مختلفة في كل من العراق وإيرانوفلسطين بالمال والسلاح, لتكون لهذه الفصائل والميليشيات المسلحة دور مؤثر وحيوي, داخل كل دولة علي حدة, وتدين بالولاء أولا وأخيرا لإيران, وبذلك تصبح لإيران اليد الطولي داخل تلك الدول, وتكون قادرة في الوقت الذي تراه مناسبا من وصول تلك الفصائل والميليشيات للحكم, وبالطبع ستكون لإيران الكلمة العليا فيها. أما بالنسبة للوضع مع سوريا فهو مختلف, فسوريا دولة كبيرة, ليس بداخلها قلاقل أو ميليشيا أو عناصر تبغي إثارة الفتن والوصول للحكم, لذا آثرت إيران علي نفسها أن تقيم تحالفا استراتيجيا مع سوريا, في وقت كانت فيه سوريا تمر بظروف غاية في الصعوبة, وتسير في اتجاه العزلة, وذلك بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري, وبدأت أصابع الاتهام تشير إلي سوريا حول تورطها في هذه العملية, ففي تلك الأثناء العصيبة التي مرت بها سوريا, وجدت إيران الوقت المناسب لإقامة هذا التحالف مع سوريا, وتعطيها بعض التطمينات, وهو بالفعل ما حدث, واستطاعت إيران أن تجد من سوريا حليفا جديدا وقويا لها, وأن تبعدها عن القوي الفاعلة في المنطقة مصر والسعودية والتي لا ترغب في أي مد للنفوذ الإيراني في المنطقة. العلاقات مع دول الخليج: أما بالنسبة لدول الخليج العربي, فإيران تحاول الاقتراب من هذه الدول بقوة هذه الفترة, ولكن بالرغم من تذبذب العلاقات الإيرانية الخليجية, بسبب قضيتين مهمتين وهما الجزر الإماراتية المحتلة واضطرابات البحرين والضجة التي صاحبت قضية البحرين واستمرت كل من قطر وعمان في علاقات قوية مع إيران. خاصة أن مضيق هرمز فرض بعضا من الخصوصية في التعاون العسكري بين عمان وإيران ومن بعدها جاءت الانفراجة الكبيرة في العلاقات مع السعودية. وبعد زيارة الرئيس الإيراني إلي الرياض وهذه اللحظة كانت النقلة في علاقات دول الخليج مع إيران, وبداية مرحلة جديدة من العلاقات. وعلي الرغم من الأطماع الإيرانية في منطقة الخليج العربي, خاصة الدول صاحبة الأغلبية الشيعية, التي تقوم بدعمهم دائما أملا في أن تصل هذه الفئة إلي السلطة في يوم من الأيام, إلا أن بعض الخبراء يؤكدون أنه ليس من مصلحة الجانبين( الإيراني والخليجي) أن تكون علاقاتهما مبنية علي هاجس الحذر والترقب, بحكم أن المصير المشترك الذي يجمع الطرفين, أكبر من أي تصعيد يلقي بظلاله سلبيا علي الطرفين. الردع النووي: وهناك خطة ثانية تنتهجها إيران من أجل بسط نفوذها علي المنطقة وبالتوازي مع ما سبق, وهي الردع النووي, وامتلاكها للطاقة النووية. وبذلك تصبح الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك سلاحا نوويا, تقف به في وجه إسرائيل فإيران تعتمد في امتلاكها علي هذا السلاح علي إيجاد توازن للقوي في المنطقة بعد امتلاك الهند وباكستان للسلاح النووي. ويحدانها شرقا كما أنها ترفع شعارا آخر هو أن أي تكنولوجيا وقوة نووية إيرانية هو في النهاية قوة إسلامية فإيران دولة مسلمة تدافع عن حقوق المسلمين وقد رحبت من قبل الدول الإسلامية بامتلاك باكستان السلاح النووي, من باب أنها دولة مسلمة. هذا بالإضافة إلي أن إيران تؤكد بصورة مبطنة أن أكبر عدو للدول الإسلامية والعربية وهو إسرائيل يمتلك القدرة النووية وسيجد العرب والمسلمون ضالتهم في إيجاد التوازن النووي في المنطقة من خلال امتلاك إيران لهذا السلاح. إن ما سبق فيما يخص التكنولوجيا النووية وما ترفعه القيادة الإيرانية ما هو إلا محاولة كسب تعاطف الشعوب العربية من أجل أن تصبح إيران الدولة المنقذة للدول العربية والإسلامية ضد إسرائيل. ولكن الواقع عكس ذلك تماما, فإيران ترغب أولا وأخيرا في أن تتصدر الزعامة في المنطقة, وستكون التكنولوجيا النووية هي الطريق للوصول إلي هذا الهدف إذن فمن الواضح أن إيران وضعت سياستها وتنفذها بمنتهي الدقة. إما عن طريق تسليح الميليشيات المناصرة لها في بعض الدول العربية وإما من خلال إحداث الفرقة والشقاق بين القوي العربية في المنطقة. وأيضا بامتلاكها للسلاح النووي, كل ذلك من أجل أن تسيطر إيران وتصبح القوة الوحيدة الفاعلة في المنطقة وتحقق أهدافها ومخططها الذي وضع منذ قيام الثورة الإيرانية.