انضمت ايران الى السباق الذي تخوضه القوات الأميركية والحكومة العراقية، لكسب ود العشائر السنية، فدعت بعض زعمائها المرتبطين بعلاقات جيدة مع التنظيمات المسلحة لزيارة طهران ولقاء المسؤولين الايرانيين ل «إزالة الشكوك بين الجانبين». في غضون ذلك، أطلق «أمير» تنظيم «دولة العراق الاسلامية» أبو عمر البغدادي تهديدات بضرب المصالح الايرانية والتجار السنة، في الخليج، المتعاملين مع طهران ما لم توقف دعمها ل «الروافض» (الشيعة) في العراق. على صعيد آخر، تستطيع «الحياة» أن تؤكد وجود الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في النجف. وأكد مقربون منه أنه لن يغادر العراق، وأن الاتهامات التي وجهها إليه رئيس الوزراء نوري المالكي «تنسجم مع الأنباء التي أشاعت أنه عاد الى طهران». وتؤكد معلومات موثوقة حصلت عليها «الحياة» ان الحكومة الايرانية وجهت دعوات الى زعماء عشائر سنية فاعلة ومقربة من جماعات مسلحة لزيارة طهران «للقاء كبار المسؤولين السياسيين والدينيين هناك». وقالت إن هذه الخطوة تندرج في اطار رغبة طهران في «تبديد الشكوك» حول دورها في العراق، وسيسعى الزعماء المدعوون الى «نقل هواجس الأطراف السنية من أهداف ايران، وحضها على لعب دور يساهم في ضمان وحدة البلاد». الى ذلك، نفى الشيخ صلاح العبيدي، مدير مكتب الصدر في النجف، ما تردد عن عودة الصدر الى ايران. وتمكن مراسل «الحياة» من مشاهدته مع عدد من معاونيه صباح امس في منزله في منطقة الحنانة وسط النجف. وقال العبيدي ان «الصدر كان ولا يزال في النجف، وهو كما ترى يمارس نشاطه وعمله اليومي كالمعتاد»، مؤكداً ان الاشاعات التي اطلقت أخيراً عن مغادرته الى ايران «تنسجم مع الاتهامات التي أطلقها المالكي وتهدف الى ضرب التيار الصدري». لكن حزب «الدعوة» الذي يرأسه المالكي، بعد اطاحة ابراهيم الجعفري، حاول عبر بيان، تخفيف حدة تصريحات رئيس الحكومة، وفيه ان تصريحاته جاءت في اطار «الحفاظ على الأمن كونها مسؤولية تضامنية تشارك فيها الحكومة مع الكتل السياسية بالتعاون مع المواطنين»، رافضاً «تفسيرها على انها اتهام للتيار الصدري او تقليل من شأنه، بل تؤشر الى أهميته السياسية، وتحذر من تصرفات بعض الذين يستغلون اسمه ويسيئون الى سمعته». ويؤكد أعضاء في حزب «الدعوة» ان شريحة واسعة في الحزب أبدت امتعاضها من تصريحات المالكي، فيما ربطت مصادر مطلعة تحرك المالكي، بعيداً عن تيار الصدر الذي دعمه للوصول الى السلطة، بتلقيه معلومات عن تحالفات أبرمها الصدر مع منافسه على زعامة «الدعوة» والحكومة (الجعفري) تقضي بدعم الأخير لتولي منصب رئيس الوزراء في حال إجراء تغيير حكومي شامل. ويرى مقربون من الصدر، ان المالكي وجد نفسه مرغماً على توجيه اتهامات قاسية الى تيار الصدر حفاظا على فرصته بالبقاء في السلطة، بعد تلويح اميركي بتنحيته. وهو بذلك يرضي أطرافاً مختلفة، بينها الادارة الاميركية والجماعات المسلحة التي يسعى الى ضمها الى المصالحة، بالاضافة الى سعيه للتخفيف من مستوى التوتر في علاقته بدول عربية مؤثرة. ولا يمكن تأكيد دور ايراني معارض او داعم لخطوة المالكي، على رغم إقرار مستشار الأمن القومي العراقي في تصريحات صحافية امس بأن «تدخل طهران يربك الاوضاع الداخلية العراقية». و «التدخل الايراني» كان امس عنوان شريط صوتي لزعيم تنظيم «دولة العراق الاسلامية»، الذي هدد «بحرب ضروس» في ايران ودول المنطقة. وقال البغدادي في تسجيل تناقلته شبكات انترنت مقربة من التنظيم «نمهل الفرس عموماً وحكام ايران خصوصاً شهرين لسحب كل أنواع الدعم لرافضة العراق والتوقف عن التدخل المباشر وغير المباشر في شؤون دولة الاسلام». ووجه تحذيراً الى التجار السنة في ايران وفي دول الخليج العربية من مغبة الشراكة التجارية مع الشيعة لأن تجارتهم ستكون «عرضة لضربات دولة العراق الاسلامية». وزاد: «إننا ننصح ونحذر كل تاجر سني في ايران والدول العربية وخاصة دول الخليج من الشراكة مع أي تاجر رافضي او إحداث تجارة جديدة معه، وهم مشمولون بفترة شهرين لسحب كل انواع الشراكة معهم (...) بعدها سيكون أي نوع من أنواع التجارة معهم عرضة للضربات». ودعا اتباع «السلفية الجهادية» في العالم، وسنة ايران الى الاستعداد للحرب مع الجمهورية الاسلامية. ودعا «أهل السنة في ايران خاصة» للاستعداد لهذه الحرب، وقال: «أمامكم فرصة تاريخية للحصول على حقوقكم بدءاً بالحكم الذاتي وانتهاء بالاقتصاص العادل من كل من داس كرامتكم». وفد امني في السعودية من جهة أخرى، قالت مصادر سعودية إن المسؤولين الأمنيين السعوديين سيضعون أعضاء الوفد الأمني - الديبلوماسي العراقي الذي يزور جدة اليوم، في صورة «الوضع المزعج» الذي تعانيه الرياض نتيجة «كميات التهريب الهائلة» للأسلحة والمخدرات من الأراضي العراقية، إضافة إلى المتسللين العراقيين، وقضايا التعاون في مجال مكافحة الإرهاب. وكان وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أعلن في مؤتمر صحافي أمس عن توجّه الوفد الذي وصفه بال «رفيع المستوى» إلى السعودية، معتبراً أن ظاهرة الجماعات الإرهابية تمثل «هماً مشتركاً للبلدين». وعلى رغم أهمية ملف الإرهاب فإن رئيس مركز الخليج للبحوث عبدالعزيز بن صقر بن عثمان يعتبر تهريب المخدرات والأسلحة «يمثل هماً كبيراً للجانب السعودي. وتكفي نظرة عابرة على الكميات الهائلة التي ضبطت من المخدرات والأسلحة والمتسللين للتعرف الى حجم المشكلة». وكان المسؤولون السعوديون أطلعوا وزراء داخلية الدول المجاورة للعراق خلال اجتماعهم الذي عقد في جدة العام الماضي، على النسب العالية للتهريب. إذ أكدت الورقة السعودية ضبط أكثر من 11 ألف كيلوغرام من المخدرات وكميات ضخمة من الأسلحة، إضافة إلى «المتسللين مجهولي النيات». وتمتد الحدود البرية السعودية مع العراق أكثر من 700 كيلومتر، وتشرع السلطات المسؤولة قريباً في تطوير وسائل الحماية ورصد المهربين بتقنيات جديدة. ورأى عبدالعزيز بن صقر أن «محادثات الجانبين في قضايا الإرهاب مهمة لجهة رفع درجة التعاون بين البلدين في هذا الجانب الشائك». مشيراً إلى أن الجانب السعودي سيطرح في المحادثات «مسألة المعتقلين السعوديين في السجون العراقية الخاضعة لسلطة الحكومة والسجون الخاضعة لسلطة الجيش الأميركي». واعتبر أن «من مصلحة العراقيين والأميركيين تسليم المعتقلين السعوديين إلى بلادهم. فهذا يساعد دائرة مكافحة الإرهاب في ربط خيوط الشبكات الإرهابية المحلية المتورطة في العراق».