نقلا عن جريدة الاهرام 13/7/07 بعد أن كانت حرة, أصبحت بورسعيد أسيرة, تبدد الحلم الذي عاشته بورسعيد علي مدي32 عاما, عندما أعلنوها مدينة حرة, تعويضا لشعبها عن معاناتهم وقت التهجير, والتشتت, في محافظات مصر وقراها.. لاضطرارهم إلي ترك المدينة وقت الحرب علي منطقة القناة.. وعندما عادت الحياة الطبيعية لبورسعيد عام1975, كانت الهدية لأهل بورسعيد إعلان مدينتهم مدينة حرة مفتوحة, علي العالم تأتي بالتجارة العالمية والخير الوفير لشعب بورسعيد, الذي ذاق مرارة الحرب والتهجير.. والآن وبصفة تدريجية وعلي مدي أقل من عامين, وبالتحديد يوم22 يناير2009 تنتهي المدينة الحرة تماما, ولا تبقي إلا ذكريات ربح وخير عم بورسعيد كلها, وانتعشت خلاله ونعم أهلها بالاستقرار... حيث نص القانون(5) لعام2002 علي إلغاء العمل بقانون ونظام تحويل مدينة بورسعيد إلي منطقة حرة, علي أن يستبدل بلفظ خمس سنوات, بينما ورد بمواد القانون, لفظ سبع سنوات! ونصت المادة الثانية علي ان يستمر العمل بالحصص الاستيرادية المقررة بمدينة بورسعيد في22 يناير سنة2005 لجميع السلع وفقا لأحكام المادة الثالثة من القانون, رقم5 لسنة2002 المشار إليه وذلك حتي22 يناير سنة2009, علي أن يقوم مجلس إدارة المنطقة الحرة لمدينة بورسعيد باعادة توزيع الحصص المشار اليها في الفقرة الاولي من هذه المادة عن المدة التي تبدأ من23 يناير سنة2007 إلي22 يناير سنة2009, وفقا للقواعد والأسس التي يحددها المجلس, وذلك خلال مدة لاتتجاوز شهرين من تاريح العمل بهذا القانون... * ماتت المنطقة الحرة قبل موعدها المحدد في22 يناير سنة2009 هكذا بدأ ابراهيم محمد( تاجر بورسعيدي بالمنطقة الحرة) كلامه- وذلك لأن المسئولين في العام الماضي عشموا الناس حتي من ليس له بطاقة استيرادية سابقة, بإمكانية الحصول علي بطاقة, وجعلوهم يجهزون كل الإجراءات الادارية بمصاريف باهظة, مثل رسوم السجل التجاري, ورسوم الغرفة التجارية, والتأمينات الاجتماعية. وتكبد المواطنون كل تلك المصاريف دون عائد, خاصة بعد أن تقرر لكل تاجر منهم حجم استيرادي في حدود خمسة آلاف جنيه( منطقة حرة) وذلك لاعطاء الفرصة لاكبر عدد من الاستفادة الاخيرة للمنطقة الحرة, إلا انه حدث وصدر القرار الوزاري بفتح الاستيراد برسم الوارد لبورسعيد, وباقي محافظات مصر, مما أثر علي سوق بورسعيد, وانتعشت بلدة القنطرة التي تبعد عن بورسعيد نحو أربعين كيلو مترا, انتعاش مزدهرا نتيجة لتحولها إلي سوق تجارية كبيرة, لاقت رواجا, لأن بضائعها تتميز بأنها برسم الوارد الذي يتمتع بانخفاض رسومه الجمركية, حتي ان البضائع التي تجلب برسم الوارد أصبحت تنافس وبحق بضائع المنطقة الحرة ببورسعيد(!!) التي تعد بضائعها مرتفعة الثمن نسبيا عما هو مستورد برسم الوارد الذي صار يملأ مصر كلها, ومن حق كل مصر.. وصادفت بورسعيد مشكلة أخري, فالتجار يجب عليهم إذا ارادوا تحويل النشاط الاستيرادي إلي استيراد برسم الوارد أن يدفعوا مصاريف اخري لايقدرون عليها خاصة بعد ما تكلفوا مصاريف ضاعت عليهم دون الاستفادة بها.. فعليهم دفع مصاريف باهظة عن كل سلعة يرغبون في استيرادها, وليس كل تاجر يملك المال الكافي لتحويل نشاطه الاستيرادي إلي رسم الوارد, خاصة صغار التجار الذين ارادوا ان ستفيدوا بمزايا بورسعيد( المنطقة الحرة) حتي آخر لحظة حددها القانون!! الصينيون.. في حارة السقايين!! والشيء المؤسف الذي يحدث في بورسعيد وأصبح مألوفا ويثير الدهشة والحزن أيضا علي حد قول التاجر ابراهيم محمد هو أن الصينيين اصبحوا يطرقون ابواب الشقق في بورسعيد, حاملين حقائب تحوي بضائع متنوعة, يعرضونها للبيع, بينما يعاني اولاد البلد من كساد حقيقي, وهم الأحق من الصينيين في الاستفادة ببيع الواردات من بضائع ومنتجات داخل المنطقة الحرة! ويتساءل ابراهيم محمد: أين دور الغرفة التجارية من هذا النشاط الغريب, ويري أنه لابد من إجراء حاسم تتخذه الغرفة التجارية ببورسعيد تجاه كل السلبيات لحماية التاجر البورسعيدي خاصة, وهو علي شفا تقلص نشاطه التجاري خلال العامين المقبلين؟! * ويقول عم مختار البائع البسيط, علي رصيف أحد شوارع بورسعيد: لا نعلم ما هو مصيرنا بعد انتهاء المنطقة الحرة ببورسعيد... ومن اين سأوفر مورد الرزق الذي تعتمد عليه أسرتي؟!... فالتجارة التي أمارسها برغم بساطتها وضآلتها إلا انها كانت تأتي برزق اولادي, وقد اعتمدت عليها طوال32 سنة منذ ان اعلنت بورسعيد مدينة حرة... هل فكر المسئولون في تعويضنا بنشاط آخر نكسب منه قوتنا وقوت أولادنا؟ * سيد عوض, التاجر البسيط الذي يفترش الأرض, ويعرف عن ظهر قلب أسماء البضائع المستوردة المعروضة امامه: أشار إلي انهم يعدون الأيام الباقية, علي انتهاء المدينة الحرة... فبعد32 سنة هل يمكن لمن في عمري البدء في نشاط جديد لكسب الرزق؟.. والغريب كما يقول إنه بالرغم من ان الزمن الباقي هو18 شهرا, إلا ان الرزق قد بدأ ينضب, فالقنطرة سحبت البساط من تحت بورسعيد لان بضائعها ارخص... وعند انتهاء المدة... ماذا سنفعل؟ هل فكروا لنا في نشاط آخر؟؟!. * ويسرد عاطف العطوي, رئيس الجهاز التنفيذي للمنطقة الحرة, قصة بورسعيد الحرة فيقول: بدأت المدينة الحرة ببورسعيد نشاطها التجاري الحر بالقانون12 لسنة1977, ولم تكن هناك أية قيود استيرادية علي الحجم الاستيرادي, واستمر هذا النظام لمدة عامين فقط, وفي عام1979 طلبت الحكومة من السلطات المختصة بالمدينة الحرة تحديد الحجم الاستيرادي والقيمة الكلية للمدينة, وصدرت منذ عام1980 البطاقات الاستيرادية, التي تحدد لكل مستورد في المدينة قيمة استيرادية سنوية, محددة, لايجور تجاوزها, وكانت القيمة الاستيرادية الكلية للمدينة الحرة تقدر ب300 مليون جنيه, سنويا, وفي خلال السنوات التالية تم تخفيض القيمة الاستيرادية بناء علي توجيهات مركزية حتي وصلت إلي200 مليون جنيه سنويا وكان عدد المستوردين المستفيدين نحو ثلاثة آلاف مستورد.. وفي2002 صدر القانون رقم(5) لعام2002 الذي ينص علي إلغاء نظام المدينة الحرة بعد خمس سنوات من صدور القانون, علي أن تنخفض الحصص الاستيرادية بالنسب التي اوردها القانون, وفي عام2006 صدر القانون رقم(1) لسنة2006, بمد العمل بنظام المدينة الحرة لمدة عامين آخرين, بحيث ينتهي العمل بنظام المدينة الحرة في22 يناير2009. ويضيف رئيس الجهاز التنفيذي للمنطقة الحرة ان المدينة الحرة تباشر نشاطها التجاري في حدود40% من القيمة الاستيرادية, أي نحو60 مليون جنيه سنويا, وارتفع عدد المستوردين إلي ستة آلاف مستورد, وبذلك انكمش النشاط التجاري إلي أقل من نصف النشاط المعتاد, بالاضافة إلي أن السماح باستيراد جميع السلع بما فيها الملابس الجاهزة, برسم الوارد, وبرسوم جمركية في حدود30% من القيمة الجمركية اثرت تأثيرا بالغا علي واردات المدينة الحرة لاقتراب التكلفة الاستيرادية لكل من عمليات الاستيراد لحساب الوارد او حساب المدينة الحرة فضلا عن المرونة وحرية تداول سلع الوارد بعكس سلع المدينة الحرة, التي تختنق داخل المدينة.. * ويعلق د. حمدي عبد العظيم أستاذ الاقتصاد وعضو المجالس القومية المتخصصة علي قرار إلغاء بورسعيد كمدينة حرة قائلا: إن بورسعيد مدينة حدودية ترتبط اصلا بالبحر وبالتجارة, وفي حالة إلغاء التجارة تفقد اهميتها.. وكان لابد من تشجيع التجارة, وليس القاؤها لأنه لايوجد استثمار بدون تجارة, ولا تجارة بدون استثمار, والقاعدة الاقتصادية الرئيسية تعتمد علي عدم الفصل بين التجارة والاستثمار, خاصة انه لم تعد هناك مخاوف من التوسع في الاستيراد, حيث أتاحتها اتفاقية الجات لكل مصر! وكان لابد من المحافظة علي خصوصية بورسعيد, واستمرار دورها التجاري لأن أثره سوف ينعكس علي الاستثمار, وعلي الانشطة الاقتصادية الأخري, وعلي رفع مستوي معيشة المواطنين, وعلي الموارد المحلية اللازمة للانفاق علي الخدمات اللازمة للتنمية البشرية... التعويض البديل؟ * وأسأل عاطف العطوي رئيس الجهاز التنفيذي للمنطقة الحرة: ماذا أعد المسئولون في بورسعيد من خطط مدروسة لتعويض فئة ليست بقليلة من صغار التجار بالمدينة والبائعين, الذين وسع رزقهم طوال فترة رواج المدينة الحرة, وبعد18 شهرا بالتحديد سوف يعانون بطالة مؤكدة عندما تلغي تماما المدينة الحرة؟؟ * ويجيب قائلا: ان المسئولين في بورسعيد وضعوا ذلك في الاعتبار, وسوف توجد انشطة جديدة, تعوض المضارين عن توقف نشاطهم التجاري, منها مثلا النشاط السياحي, فقد تم بناء6 قري سياحية لاحتواء الإقبال السياحي علي بورسعيد من محافظات مصر, وكذلك السياحة العائلية العربية, التي وجدت في بورسعيد والجو البديع والاماكن الترفيهية المتعددة, المقامة علي اعلي مستوي, فالسياح العرب ببورسعيد وجدوا مواءمة كاملة لتقاليدهم, فزاد إقبالهم علي المدينة التي تتميز بطابع خاص, وبموقع جغرافي فريد, ومناظر طبيعية خلابة من بحر ممتد سلس بطول شاطيء طويل, وقناة السويس وسفنها العابرة التي تزيد المكان بهجة.. ومع هذه الثورة في بناء القري السياحية, يجب ان تولد انشطة لخدمة الناس والسياح وزوار بورسعيد, ويجب علي الفئة التي ستحرم من الرزق السهل من التجارة ان تبدأ في تصحيح اوضاعها, لتستجيب للمتغيرات القادمة, والتي استعدت لها المحافظة عن طريق اقامة مئات من الوحدات المصيفية, لإنعاش مصيف بورسعيد, وكذلك تنمية الخدمات السياحية والتوكيلات الملاحية, التي تخدم السفن العابرة لقناة السويس, وقد وضع في الاعتبار ان تحل السياحة محل التجارة... بورسعيد... ليست علي الخريطة السياحية لمصر؟! فماذا يقول المسئولون عن السياحة في بورسعيد؟ يقولون ان السياح الأجانب لايرون شيئا يذكر في بورسعيد, ولا تستهويهم كمنطقة جذب سياحي, فقليل جدا من يطلب زيارة مدينة بورسعيد للقيام بنزهة وجولة للشراء.. والخطير ان بورسعيد ليست مدرجة علي الخريطة السياحية في مصر!! فلا تزال السفن السياحية ترسو في ميناء بورسعيد, وتكون في انتظار السياح أوتوبيسات خاصة تنقلهم فورا إلي القاهرة, والاسكندرية في رحلات منظمة عن طريق الشركات السياحية, ويعودون إلي بورسعيد, قبل موعد اقلاع السفينة بساعة أو اقل, وهي مدة لاتسمح للسائح بالتجول في بورسعيد, أو حتي الرغبة في ذلك, فقد تجول في القاهرة, واشتري تذكاراته من العاصمة, وتناول الطعام في مطاعمها ووصل بورسعيد مجهد ليدخل فورا إلي حجرته بالسفينة ليلوح في النهاية للبمبوطية وتجار البضائع الشرقية دون افادتهم الفائدة المستحقة!! وحتي المتحف القومي الذي افتتح منذ15 سنة علي ضفاف قناة السويس, لإنعاش بورسعيد سياحيا, وجذب السياح لمشاهدة آثارنا, التي جلبت بكميات ضعيفة من متحف القاهرة, مغلق منذ خمس سنوات, بحجة تجديده مع عجز في الميزانية يجعلها لاتسمح لا بالتجديدات ولا بفتحه مرة اخري للسياح!! مراكز التدريب.. ضرورة ونحن بصدد العد التنازلي لوأد النشاط التجاري برسم المدينة الحرة, صار لزاما ان نبدأ عصر التصنيع علي اساس مدروس, مثل تحرير المنطقة من كل المعوقات الادارية, والمالية خاصة معوقات المحليات, وتسهيل حركة دخول التكنولوجيا المستوردة للمنطقة الصناعية, وإلغاء كل الرسوم والضرائب إلي الابد لأن طبيعة بورسعيد كمنطقة حرة يجعلها تأخذ اعفاء مفتوحا... كما صار لزاما ايضا إنشاء مراكز تدريب فنية ومهنية في المجال الصناعي لتوفير كادر بشري قادر علي التعامل مع التكنولوجيا المتقدمة, وإنشاء مركز دراسات وأبحاث علمية لبحوث تكنولوجيا المنطقة الحرة الصناعية, من أجل توفير فرص عمل لعدد كبير من الشباب والمساهمة في علاج مشكلة البطالة وزيادة الصادرات وحصيلة النقد الأجنبي.. ** ويجب البدء جديا في دراسة بدائل تعويض شعب بورسعيد عن خسارته في النشاط التجاري الذي كان اغلبه يتعيش منه, حتي لا تزداد الجريمة في ظل البطالة وفقدان مورد الرزق, الجريمة التي بدأت تلوح في الأفق علي يد لصوص يركبون الدراجة البخارية ويخطفون حقائب السيدات, وينتزعون سلاسلهن الذهبية في وضح النهار وفي اماكن استراتيجية وشوارع مهمة تقع فيها مساكن المسئولين ببورسعيد.. فهل وصلت الرسالة إلي مسئولينا؟! نتمني!