ينظر بعض الناس إلى العلاقة بين الدعوة والسلطة على أنها في الغالب الأعم لا تخرج عن أحد نمطين، الأول: يتمثل في تبعية الدعوة للسلطة، والآخر يتمثل في صدام الدعوة مع السلطة، وبالفعل فإن التاريخ في أكثر البلاد العربية والإسلامية في مراحل كثيرة منه قد دار في فلك هذين النمطين، مع ما لكل منهما من مخاطر وتداعيات. أما النمط الأول: نمط تبعية الدعوة للسلطة تبعية عمياء وصلت في بعض المراحل وفي بعض البلدان إلى مزايدة بعض المحسوبين على الدعوة وعلى العلماء مزايدة فاقت ما كانت تطمح إليه السلطات القائمة آنذاك، وقد ولد ذلك احتقانا شديدا لدى كثير من الناس وبخاصة الشباب في هذه المراحل، لأن السلطة عندما توظف الدعوة وتوجهها توجيها سياسيا خالصا للسير في ركابها مع ضعف الدعوة عن أي لون من المراجعة أو الحوار الراقي أو النصيحة الشرعية الواجبة التي يتطلبها الواجب الشرعي وعلاقة الاحترام المتبادل بين الدعوة والسلطة لما فيه مصلحة الوطن. فإن ذلك يؤدي إلى نفور الناس وبخاصة الشباب من تصرفات العلماء المحسوبين على السلطة، ثم ينسحب هذا النفور على كل علماء المؤسسات الدينية الرسمية، فيبحث هؤلاء عن البديل الذي لا يرونه تابعا للسلطة حتى لو كان من غير أهل العلم أو الفتوى أو التخصص الشرعي، وينطبع في أذهانهم أن كل من يرد على العلماء الرسميين أو المحسوبين على السلطة هو العالم الرباني، وارتبط التدين في أذهان كثير من الشباب بالتشدد، فكلما تشدد المقتحمون والدخلاء على عالم الدعوة في فتواهم كلما التف الشباب حولهم، مع أن كل ذلك مخالف للمنهج السمح لديننا الحنيف، فالفقه عند أهل العلم به، هو التيسير بدليل، ولم يقل أحد من أهل العلم والفقه لا في القديم ولا في الحديث إن الفقه هو التشدد، لأن الله (عز وجل) يقول: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر (البقرة:185) ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا، فتبعية الدعوة للسلطة تنفر الناس من العلماء المقربين من السلطة، ثم ينسحب هذا النفور إلى السلطة نفسها. وأما النمط الثاني: فهو نمط الصدام بين الدعوة والسلطة، وقد يكون ذلك في بعض الأحيان من باب اصطناع البطولات الوهمية، أو ناتجا عن سوء تقدير للمصالح الشرعية أو الوطنية، أو سوء تقدير من السلطة الحاكمة للمؤسسة الدينية ولدورها المهم أو تهميشها لها، ظنا خاطئا بأن تجفيف منابع الإرهاب تعني تجفيف منابع التدين. وقد يسهم عدم التواصل الفعال والدائم بين الدعوة والسلطة في إحداث لون من الجفاء، يتبعه نقد خفي، فظاهر، فجلي، فحاد، فصدام لا يستفيد منه سوى أعداء الدين والوطن. النمط الأمثل: أما النمط الأمثل الذي نسعى إليه ونعمل على تحقيقه لمصلحة الوطن لا لشيء آخر، فهو علاقة التواصل والتفاهم والتعاون والاحترام المتبادل بين الدعوة والسلطة، وهو ما أرى أنه يتحقق في أسمى معانيه وأعلاها رقيا في علاقة الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء بجميع مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية، ومجلس الوزراء، والمؤسسة العسكرية، والمؤسسة الشرطية، وسائر الوزارات وأجهزة الدولة، ففي الوقت الذي تكن هذه المؤسسات كل التقدير للأزهر وعلمائه وشيخه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وكذلك للكنيسة وقياداتها الروحية الوطنية وفي مقدمتهم البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، فإن هذه المؤسسات تعي دورها الوطني، وتكن للسلطة القائمة كل تقدير واحترام، وتقدر لها جهودها في خدمة الوطن، والحفاظ على هوية الدولة المصرية وعلى تماسكها وصمودها في وجه التحديات لهذه المرحلة الحاسمة الفارقة شديدة الحساسية في تاريخ مصر. أما من يستخدمون مجال الدعوة وسيلة للوصول إلى السلطة فهؤلاء يجنون على الدعوة أكثر من جنايتهم على السلطة، حيث ينحرفون بالدعوة عن مسارها الصحيح، وقد يضطرون إلى توجيه بعض النصوص لما يخدم أفكارهم السياسية، ومن هنا أؤكد أننا لابد أن نكون دعاة بسلوكنا وأخلاقنا، وأن نكون قدوة بأفعالنا وتصرفاتنا، لأن الناس ضاقت ذرعا من الانفصام الذي رأوه بين الأقوال والأفعال لدى بعض من ينتسبون إلى مجال الدعوة والدعاة وهي منهم براء. نقلا عن جريدة الأهرام