على الرغم من ان حزب الله واسرائيل حرصا على اعطاء عملية التبادل التي جرت بينهما مؤخرا بعدا انسانيا وكتعبير عن حسن نيات متبادلة تؤسس لعملية اطلاق الاسرى من الجانبين واقفال هذا الملف الا ان البعد السياسي كان طاغيا خصوصا وان الجانبين خرجا من حرب ضروس بينهما . ودائما وابدا تكون الدوافع الانسانية رأس جسر لمرحلة جديدة بين طرفين عدوين وتشيع مناخا مختلفا عن السابق . ومن الواضح ان الطرفين حزب الله واسرائيل اعتصما بصمت والتزما السرية في عملية التبادل الجزئية بعدما تعلما من تجارب سابقة في هذا المضمار ان السر هذه المرة اذا تجاوز الثلاثة شاع باعتبار ان الوسيط الالماني هو الثالث وقد يفسد شيوعه كل الخطوات المتصلة بعمليات التبادل بعدما تتحول المفاوضات عبر الاعلام الى حرب شروط متبادلة . اضافة الى ذلك فان حزب الله واسرائيل على مايبدو قد تجاوزا ازمة الثقة التي كانت قائمة بينهما على خلفية طوي هذا الملف الشائك والمعقد الذي يشكل مصدر توتر بين الطرفين وتسبب بحرب تموز الماضية . ويولي حزب الله قضية الاسرى في اسرائيل اهمية كبيرة تطغى اهميتها على تحرير الارض من الاحتلال وهذا ما عبر عنه امين عام حزب الله حسن نصرالله بقوله اننا قوم لانترك اسرانا في سجون الاحتلال . وفعلا كان نصرالله حريصا على اطلاق الاسرى في نطاق حرب مفتوحة بينه وبين اسرائيل بحيث كان حزب الله منذ تبلور قوته العسكرية في اواخر الثمانينات يركز على عمليات اسر للجنود الاسرائيليين لمبادلتهم بمعتقلين واسرى لبنانيين في السجون الاسرائيلية و المليشيات المتعاملة معها انذاك فكانت عملية اسر جنديين في العام 1988 وتمت مبادلة جثثهما بمئات الاسرى والمعتقلين اللبنانيين والعرب . وتكرر الامر مع اسرى من جيش انطوان لحد المتعامل مع اسرائيل مرات عدةالى ان كانت عملية الاسر الكبرى في العام 2000 وبعد تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي حين انقض عناصر المقاومة على ثلاثة جنود اسرائيليين في مزارع شبعا لكن الجنود قتلوا في ارض المعركة فسحب حزب الله جثثهم ويحتفظ بهم . وبعد ايام على هذه العملية نجح الحزب وفي عملية امنية معقدة في استدراج العقيد الاسرائيلي السابق الحنان تننباوم الى بيروت واسره ومن ثم مبادلته وجثث الجنود بعشرات الاسرى اللبنانيين والعرب بحيث لم يبق في سجون اسرائيل سوى الاسيرين اللبنانيين سمير القنطار ويحيى سكاف وهما اسيران اشتراك كل منهما في عملية لتنظيمات فلسطينية في تل ابيب في العامين 1977 و1979 . وزاد عدد الاسرى اللبنانيين الى ثلاثة بعد اعتقال اللبناني نسيم نسر في اسرائيل بتهمة التجسس لحزب الله وهو من اب لبناني وام يهودية ويحمل الجنسية الاسرائيلية وبعد حرب تموز يوليو العام الماضي ارتفع عدد الاسرى اللبنانيين الى 6 بعد اسر ثلاثة من افراد حزب الله « افرج في العملية الاخيرة عن واحد منهم» في المواقع الامامية كما تحتفظ اسرائيل بعدد من الجثث العائدة لمقاتلي حزب الله تقول انها سحبت في حرب يوليو 13 منها الى داخل اسرائيل من جنوبي لبنان لكن الحزب يشكك بهذا الرقم . اما الاسرى الاسرائيليون لدى حزب الله فهما جنديان اسرا في الثاني عشر من يوليو على الحدود اللبنانبية الاسرائيلية وكان اسرهما السبب لشن اسرائيل حربا على لبنان . وبالاضافة للاسيرين هناك الطيار الاسرائيلي رون اراد الذي اسقطت طائرته فوق منطقة صيدا في جنوبي لبنان العام 1986 ووقع بالاسر في قبضة حركة امل الشيعية وبعد انشقاق مصطفى الديراني المسؤول الامني سابقا في الحركة عنها في اواخر الثمانينيات فقد اثر رون اراد بعدما اعلن الديراني الذي كان بحوزته اراد انه لايعرف مصيره . وقد اختطف الاسرائيلييون الديراني من منزله في البقاع في العام 1994 الى اسرائيل لكنهم لم يحصلوا على معلومات اكيدة عن مصير اراد . لكن في عملية التبادل في العام 2004 التي خرج فيها الديراني مع مئات الاسرى اللبنانيين و العرب تعهد الامين العام لحزب الله بتزويد الاسرائيليين بأية معلومات تتوافر لديه عن اراد في اطار السعي لاقفال ملف الاسرى بين الجانبين . وعلى مايبدو ان الحزب توافرت لديه معلومات جديدة عن اراد قام بتزويد الاسرائيليين بها اثناء عملية التبادل الجزئية الاخيرة مما يعني ان المفاوضات قد انتظمت على سكتها الاخيرة وقد نشهد فصولها النهائية في نهاية العام الحالي . لكن ماذا تعني عملية التبادل الاخيرة على الرغم من جزئيتها ؟ تعني اولا ان الوسيط الالماني الذي رعى عمليات تبادل بين الطرفين ما يزال فاعلا لاسيما وان المانيا حرصت على ان تسلم هذا الملف الى مسؤول الماني امني كبير وان العلاقات الالمانية الايرانية ماتزال جيدة وكلمة الالمان لدى الايرانيين مسموعة . وفي موازاة ذلك شكلت علنية التبادل نصرا جديدا لحزب الله الذي اصر منذ اسر الجنديين على أن اطلاقهما لن يكون الا بتبادل في حين تؤكد العملية على هزيمة ثانية ليهود اولمرت الذي فشل في حرب ضروس في تحقيق هدفها الاساسي وهو اطلاق الجنديين بالقوة . وقال نصرالله بعد ساعات على عملية الأسر انه لو جاء الكون كله لن يستطيع اطلاق الجنديين الا بعملية تبادل لكن على الصعيد السياسي تحمل العملية الكثير من الدلالات فيها اولا اعتراف اسرائيلي بحزب الله كقوة في لبنان على الرغم من ابتعاده عسكريا عن الحدود وان المفاوضات جرت معه وليس كما كان يقول اولمرت بانها ستجري مع الحكومة اللبنانية . كما ان الحزب يتطلع ابداء حسن نية في ابقاء الجبهة الجنوبية مع اسرائيل هادئة برعاية القوات الدولية والجيش اللبناني تحت مظلة القرار 1701 مفسحا في المجال اكثر للقنوات الحوارية في معالجة ملف لاسرى كما انه اراد ويريد استثمار هذه القضية في الداخل اللبناني المنشغل بالاستحقاق الرئاسي وغيره من القضايا على خلفية الانقسام السياسي الحاد اما بالنسبة للجانب الاسرائيلي فان اولمرت بحاجة الى الكثير من الانجازات من هذا النوع وسواه لاستعادة شعبيته المتهاوية في ظل اخفاقاته السياسية والتهم بالفساد الموجهة اليه . ومن الثابت ان عملية التبادل الاخيرة هي بداية انطلاقة لمرحلة جديدة بين حزب الله واسرائيل .