مدير الكلية العسكرية التكنولوجية: مناهج الدراسة مواكبة لأحدث الأسلحة المنضمة للقوات المسلحة    تعرف على إجراءات حوكمة استيراد سيارات ذوي الهمم.. أبرزها سحب كارت "تكافل وكرامة" حال المخالفة    الجيش الإسرائيلي يعترف بمقتل ضابط برتبة نقيب في معارك جنوب لبنان    قائمة منتخب موريتانيا لمواجهتي مصر في تصفيات أمم إفريقيا    تطورات أحوال الطقس في مصر.. قائمة بدرجات الحرارة    ريادة في تطوير العقارات.. هايد بارك تحقق نمو استثنائي في المبيعات لعام 2024    أسرتي تحت القصف.. 20 صورة ترصد أفضل لحظات وسام أبوعلي مع عائلته والأهلي    مباحثات خليجية إيرانية تؤكد ضرورة الحفاظ على سلامة واستقرار المنطقة    محافظ الإسماعيلية يتابع نتائج الجرد ربع السنوي بالصوامع (صور)    قبل عرضه في "الجونة السينمائي".. إطلاق الإعلان التشويقي لفيلم "الفستان الأبيض"    آية سماحة: "عمر أفندي" نقطة تحول في مسيرتي    اجتماع موسع لقيادات مديرية الصحة في الإسكندرية    ضبط 17 مخبزا مخالفا في حملة على المخابز في كفر الدوار    إنزو ماريسكا يُعلن تشكيل تشيلسي لمواجهة جينت في دوري المؤتمر الأوروبي    المؤتمر: مبادرات الدولة المصرية بملف الإسكان تستهدف تحقيق رؤية مصر 2030    ممدوح عباس يهاجم مجلس إدارة الزمالك    مدير كلية الدفاع الجوي: خريج الكلية قادر على التعامل مع أحدث الصواريخ والردارات الموجودة في مصر    إيمان العاصي تكشف عن مفاجأة في الحلقات القادمة من مسلسل برغم القانون    أمين الفتوى: الاعتداء على حريات الآخرين ومجاوزة الحدود من المحرمات    دينا الرفاعي وجهاز الفراعنة تحت 20 عاما يحضرون مباراة وادي دجلة والطيران (صور)    قافلة طبية لأهالي «القايات» في المنيا.. والكشف على 520 مواطنًا    تكريم أوائل الطلاب بالشهادات الأزهرية ومعاهد القراءات بأسوان    3 وزراء يفتتحون مركزًا لاستقبال الأطفال بمقر "العدل"    أمين عام الناتو يزور أوكرانيا ويقول إنها أصبحت أقرب لعضوية الحلف    لهذا السبب.. منى جبر تتصدر تريند "جوجل"    «الثقافة» تناقش توظيف فنون الحركة في فرق الرقص الشعبي بمهرجان الإسماعيلية    "القاهرة الإخبارية": الحكومة البريطانية تطالب رعاياها بالخروج الفورى من لبنان    عضو المجلس العسكري الأسبق: مصر لديها فرسان استعادوا سيناء في الميدان والمحاكم - (حوار)    صندوق النقد الدولي يؤكد إجراء المراجعة الرابعة للاقتصاد المصري خلال الأشهر المقبلة    افتتاح المؤتمر الدولي السابع والعشرون لأمراض النساء والتوليد بجامعة عين شمس    أضف إلى معلوماتك الدينية| فضل صلاة الضحى    رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد احتفال المستشفى الأمريكي بطنطا بمرور 125 عامًا على تأسيسها    شيخ الأزهر يستقبل سفير سلطنة عمان بالمشيخة    حكم صلة الرحم إذا كانت أخلاقهم سيئة.. «الإفتاء» توضح    إصابة شاب بسبب خلافات الجيرة بسوهاج    سفير السويد: نسعى لإقامة شراكات دائمة وموسعة مع مصر في مجال الرعاية الصحية    لطفي لبيب عن نصر أكتوبر: بعد عودتي من الحرب والدتي صغرت 50 سنة    تأهل علي فرج وهانيا الحمامي لنصف نهائي بطولة قطر للإسكواش    تعديلات قطارات السكك الحديدية 2024.. على خطوط الوجه البحرى    العرض العالمي الأول لفيلم المخرجة أماني جعفر "تهليلة" بمهرجان أميتي الدولي للأفلام القصيرة    باحث: الدولة تريد تحقيق التوزان الاجتماعي بتطبيق الدعم النقدي    الرئيس السيسي يستقبل رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمطار القاهرة    تعدد الزوجات حرام في هذه الحالة .. داعية يفجر مفاجأة    محافظ الغربية يبحث سبل التعاون للاستفادة من الأصول المملوكة للرى    رئيس الوزراء ورئيس ولاية بافاريا الألمانية يترأسان جلسة مباحثات مُوسّعة لبحث التعاون المشترك    منها «الصبر».. 3 صفات تكشف طبيعة شخصية برج الثور    اتفاق بين منتخب فرنسا والريال يُبعد مبابي عن معسكر الديوك في أكتوبر    "الشيوخ": حسام الخولي ممثل الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن    وزير الخارجية السعودي: لا علاقات مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة    ضبط 17 مليون جنيه حصيلة قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    نحاس ودهب وعُملات قديمة.. ضبط 5 متهمين في واقعة سرقة ورشة معادن بالقاهرة    الصحة: تطعيم الأطفال إجباريا ضد 10 أمراض وجميع التطعيمات آمنة    نائب وزير الصحة يوصي بسرعة تطوير 252 وحدة رعاية أولية قبل نهاية أكتوبر    مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع    بالفيديو.. استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل بلبنان    4 أزمات تهدد استقرار الإسماعيلي قبل بداية الموسم    الحالة المرورية اليوم الخميس.. سيولة في صلاح سالم    أستون فيلا يعطل ماكينة ميونخ.. بايرن يتذوق الهزيمة الأولى في دوري الأبطال بعد 147 يومًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق جويدة: قراءة في مستقبل غامض
نشر في أخبار مصر يوم 27 - 09 - 2013

يحتاج الواقع المصري الى قراءة موضوعية وامينة في هذه الظروف الصعبة, ولا يعقل ابدا ان تظل مصر ما يقرب من ثلاثة اعوام حقلا للتجارب السياسية ما بين رحيل النظام السابق وحزبه الوطني المنحل..
وتجربة مع المجلس العسكري بما كان لها وما كان عليها.. ثم تجربة اخرى امتدت آثارها السيئة الى كل بيت في مصر وهي الإخوان المسلمين ونحن الأن نعيش في ظل تجربة لم تكتمل وعلينا ان نستعد لكي نواجه توابعها وعلينا ان ندرك من الآن ان هذه التجربة قد تكون الامتحان الأخير لنا لنخرج من عنق الزجاجة وننطلق الى آفاق جديدة أكثر استقرارا وامنا وكفاية ولم يعد من المقبول ان تتكرر الأخطاء او ان يضيع الهدف.
في تجربتنا الحالية لا بد ان نعترف بأن الجيش المصري تدخل في الوقت المناسب ومنع كارثة تاريخية كان من الممكن ان تدفع بهذا الوطن الى مستقبل غامض ومجهول.. وحين تتكشف الأوراق سوف يدرك المصريون ان عاما واحدا من حكم الإخوان قد دفع بالوطن كله الى محنة رهيبة في كل جوانب الحياة ابتداء بالأمن القومي المصري وانتهاء بالهوية المصرية التي طاردتها اشباح الانقسامات والعنف والدولة داخل الدولة وسيطرة جماعة على مصير شعب صاحب دور وتاريخ وحضارة.. كان خروج الجيش لتأييد ثورة المصريين على جماعة الإخوان يوم 30 يونيو إنجازا تاريخيا بكل المقاييس..
على جانب آخر فقد تحمل جهاز الشرطة المصري مسئوليته في حماية امن مصر بكل التجرد والانتماء لهذا الوطن... ان شهداء الشرطة الذين قدموا دماءهم بكل السخاء كانوا وساما للشرطة المصرية.. ومن اراد ان يعرف الحقيقة وسوف نعرفها يوما فعليه ان يراجع اعمال العنف والقتل والإرهاب والتخريب في ربوع مصر طوال الشهور الماضية, وعليه ان يتابع ما جرى في سيناء وهي معارك حربية حقيقية ضد عصابات الإرهاب التي ترفع رايات الإسلام, وعليه ان يتابع عمليات التشويه في كل بلاد العالم التي قادتها زعامات الإخوان المسلمين وتنظيمهم الدولي ضد مصر على كل المستويات الشعبية والرسمية بما في ذلك استدعاء الدول الأجنبية وقواتها العسكرية لدخول مصر وإنقاذ شعبها.
لأول مرة يشعر المصريون انهم امام دولة اخرى اقيمت على ارض الكنانة تحمل اسم دولة الإخوان انهم يستنجدون بقوات المارينز ضد المصريين ويدبرون المؤامرت مع جهات اجنبية للتدخل في شئون مصر ابتداء بورثة الخلافة العثمانية وانتهاء بملايين النفط القطري وقناة الجزيرة ودعم الإعلام الأمريكي المشبوه.. ان الوجه القبيح الذي ظهرت به جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي اسقط تماما كل مظاهر الانتماء والولاء لوطن عظيم اسمه مصر..
والآن نحن امام تجربة جديدة لا بد ان نضع لها من الضمانات والوسائل ما يمضي بها الى بر الأمان خاصة بعد ان ثبت لنا ان الأعداء في البيت وخارج البيت وان الأحداث الأخيرة قد كشفت للمصريين حقيقة المؤامرات التي تدبر لهم في اكثر من مكان واكثر من دولة, وهنا يجب ان نتوقف عند بعض الجوانب:
لا يمكن ان نلقي المسئولية كاملة كشعب ونخبة وجماهير على الجيش المصري خاصة ما يتعلق بالمستقبل السياسي للدولة إذا كنا بالفعل نسعي الى بناء دولة ديمقراطية تؤمن بالحريات وحقوق الإنسان.. ان الجيش استطاع بدعم شعبي ان يتصدى لمؤامرة كبرى ضد مصر.. وسوف تكشف الأيام ابعاد هذه المؤامرة حين تستقر الأحوال وتهدأ العواصف ولكن هذا الشعب الذي فرط في مسئولياته وتخلى عن دوره في حماية ثورته الأولى في 25 يناير لا ينبغي ان يفرط مرة اخرى في ثورته الثانية 30 يونيو.. لقد وقع المصريون في خديعة كبرى حين سلموا امرهم للإخوان المسلمون ما بين الاستفتاءات والانتخابات والأكاذيب التي ارتدت عباءة الدين وعليهم الآن ان يستردوا إرادتهم وقرارهم.. لقد ادى الجيش المصري دوره في حماية ثورتين ووافق الشعب في قراره بخلع رئيسين وعلى جماهير هذا الشعب ان تقوم وتحمي مستقبلها ومصيرها..
انا لا اتصور ان تبقى النخبة المصرية في حالة الضعف والهزال النفسي والفكري التي تعيشها الأن وعليها الآن ان تأخذ مواقعها لحماية حق هذا الشعب في حياة كريمة.. لقد خذلت النخبة الملايين التي خرجت في ثورة يناير وفرطت في دماء الشهداء بل انها استسلمت في مشهد بغيض لحشود الإخوان المسلمين اما خوفا او تواطئا او ثقة في غير مكانها.. على هذه النخبة ان تدرك الآن ان ثورة يونيو لن تكون الأخيرة اذا استمرت حالة الضعف والترهل التي اصابت عقل مصر واصبح يسبح في هذا الفراغ.. هنا ينبغي ان يعاد النظر في منظومة الأحزاب السياسية وسوف نجد انفسنا مرة اخرى امام قوى سياسية فاسدة كبرت وترعرعت في ظل نظم قمعية في عهد الوطني حينا ثم الإخوان في حين آخر.. نحن امام فرصة تاريخية لخلع جذور الاستبداد بكل مظاهره ولن يتم ذلك إلا من خلال منظومة حزبية جديدة تستلهم من ثورة يناير ويونيو افكارها وبرامجها ونبض شبابها.. ان في مصر الآن 90 حزبا لا احد يعلم عنهم شيئا ومن العار والعبث ان تدور بنا الدائرة ليجد الشارع المصري نفسه مخيرا بين الوطني والإخوان مرة اخرى وهناك من يمد يديه للخارج ويطلب الدعم من هنا او هناك.. وإذا حملت المؤشرات هذا الواقع فلا لوم علينا إذا طالبنا بتأجيل التجربة الحزبية حتى إشعار آخر وحتى تفيق النخبة المصرية من ثباتها العميق.
لا اعتقد ان الإخوان المسلمين سوف يعترفون بالهزيمة ولكن المؤكد انهم يدركون حجم الخسائر التي لحقت بهم وهم يدركون ايضا انهم يتحملون مسئولية فشلهم في إدارة شئون مصر ولكن هذا كله لا يعني خروجهم من الساحة.. لابد ان نعترف بأن الشارع المصري تغير كثيرا في نظرته وتعاطفه مع الإخوان ولم تعد لديهم القدرة على استخدام فزاعة الحشود ضد السلطة او ضد الشعب ولكن حالة الضعف التي يمر بها الإخوان لن تمنعهم من استخدام كل الوسائل لإستعادة نفوذهم وسوف يكون الخطأ الأكبر ان تستمر اعمال العنف او يلجأوا الى الأنشطة والأعمال السرية التي اعتادوا عليها او يحاولوا استقطاب التيارات الإسلامية الأخرى والتخفي وراءها.. لقد تصدى المصريون للإخوان رافضين اسلوبهم في الحكم وطريقتهم في العمل السياسي واستغلالهم للدين وقبل ذلك كله اختيارهم للعنف ليس في مواجهة السلطة فقط ولكن للأسف الشديد في مواجهة الشعب وهذا خطأهم التاريخي.
ان الملايين التي خرجت يوم 30 يونيو ترفض حكم الإخوان عليها الأن ان تحشد جموعها في تجربة حزبية جديدة لبناء واقع سياسي جديد.. إن غياب الإخوان عن الساحة سوف يترك فراغا وإذا لم تشارك جماهير الشعب في ملء هذا الفراغ فسوف يبحث عن اي شئ يملؤه ان البيوت الخالية تسكنها الخفافيش والعقول الفارغة تملؤها الخزعبلات.
نأتي هنا الى نقطة هامة وهي الاستعدادات التي تجرى لإتمام المرحلة الانتقالية وتسليم السلطة للشعب في ظل رئيس منتخب وبرلمان حقيقي وعلاقة صحية بين مؤسسات الدولة وذلك كله في ظل دستور يحفظ حقوق الشعب ويصون كرامته..
وإذا كان دستور 2012 قد شهد مناطق خلاف كثيرة لأنه حمل فكر الإخوان فلا ينبغي ان يحمل الدستور الجديد فكر جماعة اخرى وينبغي ان يكون دستورا للجميع.
هنا ينبغي ان نتوقف عند ثلاثية لا ينبغي ان نختلف عليها.. نريد في الدستور الجديد رئيسا إنسانا يمكن ان يحاسبه الشعب وليس رئيسا نصف إله فوق كل حساب.. وهنا ينبغي ان تكون هناك مسئوليات واضحة ومحددة لمهام رئيس الدولة بحيث لا نترك له الحبل على الغارب في كل شئون الدولة ابتداء بقرارات العفو عن القتلة والمجرمين وانتهاء بتوقيع اتفاقيات غامضة تهدد امن البلاد واستقرارها..
وفي ظل هذا يجب ان تكون العلاقات واضحة بين مؤسسات الدولة بما في ذلك اختصاصات رئيس الحكومة وعلاقته برئيس الدولة في ظل منظومة تحمي هيبة الطرفين مع تأكيد واضح على سلطة البرلمان كإرادة شعبية لها كل الحقوق في حماية مصالح الشعب ومحاسبة الرئيس والحكومة..
هذه الثلاثية الرئيس والحكومة والبرلمان شهدت لغطا كثيرا في تاريخ مصر لأن الخطوط لم تكن واضحة والمسئوليات كانت غامضة ولهذا زادت مساحات التداخل في الاختصاصات حتى تاهت الحقوق والواجبات وفتحت الباب واسعا للاستبداد والقهر وامتهان حقوق الشعب.
تبقى بعد ذلك ثلاثية اخرى من واجب حكومة د. الببلاوي ان توليها اهتماما خاصا وان تنسى انها حكومة انتقالية لأن الأزمات لا تنتظر كثيرا امام مكاتب المسئولين..
ان ازمة الشارع المصري الآن هي الأمن وقد استردت الشرطة المصرية عافيتها بدعم كبير من الجيش ولكن علينا ان ننتظر او نتوقع بعض مظاهر الخروج على القانون إذا استمر الإخوان في استخدام العنف وقد يرجع بنا ذلك الى سنوات سابقة وان كنت اتمنى الا يدخلوا هذا السرداب المظلم تصفية للحسابات او استعادة النفوذ..
اما الأزمة الثانية من هذه الثلاثية فهي حشود الفقراء ومن هؤلاء الملايين الذين خرجوا في ثورة يناير ثم خرجوا في ثورة يونيو ورغم قيام ثورتين ورحيل رئيسين فلم يتغير شئ في حياتهم وإذا كانوا قد تعاملوا مع الشعب والثورة والسلطة بكل مشاعر النبل والترفع فلا ينبغي ابدا ان نسئ فهم رسالتهم وصبرهم علينا..
اما الأزمة الثالثة فهي عقل مصر الذي يحتاج الى صحوة حقيقية فقد شهد كل امراض التخلف العقلي والفكري والوجداني وعلينا ان نعيد له وعيه القديم وثقافته العريقة وإيمانه المتسامح وهذا يحتاج الى زمن اطول وإمكانيات اوسع ولكن ينبغي ان نبدأ من الأمس وليس اليوم وهذا يحتاج الى ثورات ثلاث في التعليم والثقافة والإعلام وهي ثلاثية التخلف والعقم التي اصابت اعظم ما يملك هذا الشعب وهي عقله.
..ويبقى الشعر
لماذا استكنت....
وأرضعتنا الخوف عمرا طويلا
وعلمتنا الصمت.. والمستحيل..
وأصبحت تهرب خلف السنين
تجيء وتغدو.. كطيف هزيل
لما استكنت؟
وقد كنت فينا شموخ الليالي
وكنت عطاء الزمان البخيل
تكسرت منا وكم من زمان
علي راحتيك تكسر يوما..
ليبقي شموخك فوق الزمان
فكيف ارتضيت كهوف الهوان..
لقد كنت تأتي
وتحمل شيئا حبيبا علينا
يغير طعم الزمان الرديء..
فينساب في الأفق فجر مضيء..
وتبدو السماء بثوب جديد
تعانق أرضا طواها الجفاف
فيكبر كالضوء ثدي الحياة
ويصرخ فيها نشيد البكارة
يصدح في الصمت صوت الوليد
لقد كنت تأتي
ونشرب منك كؤوس الشموخ
فنعلو.. ونعلو..
ونرفع كالشمس هاماتنا
وتسري مع النور أحلامنا
فهل قيدوك.. كما قيدونا..؟!
وهل أسكتوك.. كما أسكتونا؟
دمائي منك..
ومنذ استكنت رأيت دمائي
بين العروق تميع.. تميع
وتصبح شيئا غريبا عليا
فليست دماء.. ولا هي ماء.. ولا هي طين
لقد علمونا ونحن الصغار
بأن دماءك لا تستكين
وراح الزمان.. وجاء الزمان
وسيفك فوق رقاب السنين
فكيف استكنت..
وكيف لمثلك أن يستكين
علي وجنتيك بقايا هموم..
وفي مقلتيك انهيار وخوف
لماذا تخاف؟
لقد كنت يوما تخيف الملوك
فخافوا شموخك
خافوا جنونك
كان الأمان بأن يعبدوك
وراح الملوك وجاء الملوك
وما زلت أنت مليك الملوك
ولن يخلعوك..
فهل قيدوك لينهار فينا
زمان الشموخ ؟
وعلمنا القيد صمت الهوان
فصرنا عبيدا.. كما استعبدوك
تعال لنحي الربيع القديم..
وطهر بمائك وجهي القبيح
وكسر قيودك.. كسر قيودي
شر البلية عمر كسيح
وهيا لنغرس عمرا جديدا
لينبت في القبح وجه جميل
فمنذ استكنت.. ومنذ استكنا
وعنوان بيتي شموخ ذليل
تعال نعيد الشموخ القديم
فلا أنا مصر.. ولا أنت نيل
القصيدة لكل عمر مرايا 2003
نقلا عن جريدة الأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.