(النخلة شجرة معطاءة) هكذا استهل المخضرم عبدالله منصور حديثه معنا، مشيرا إلى أن النخلة التي تتنوع إلى أكثر من 2000 صنف مختلف عالميا، كانت منذ ما يزيد على نصف قرن تقريبا، ولا تزال كذلك بالرغم من التطور العمراني والتكنولوجي في مختلف الميادين بالنسبة لبعض للأسر التي تسكن في القرى والمناطق الزراعية في أنحاء متفرقة من أرض الإمارات. عبدالله يعتمد اعتمادا كبيرا على النخلة كونه يمتلك أرضا زراعية ورثها عن أبيه الذي خلفها له بدوره والده، والأرض تعني لهم الوطن، وليس من السهل التفريط فيها مهما ضاقت بهم السبل، واستطاع بالتعاون مع أشقائه من توسيع أعمال المزرعة الصغيرة من خلال شراء بعض الأراضي الزراعية التي حولها، مما تطلب زيادة عدد العمال العاملين في حرثها وسقيها ومن ثم جني ثمارها ورعايتها طوال العام صيفا وشتاء، وبذلك تحولت المزرعة المتواضعة إلى بستان نخيل. الحرف اليدوية التي تقوم على منتجات النخلة كثيرة ويقول عنها عبد الله: إلى جانب ثمارها التي تعد في الإمارات من أشهى أنواع التمر وأكثرها جودة مقارنة بمثيلاتها في بقية أنحاء العالم، هناك جذع النخلة وسعفها والجريد وكلها تستخدم في إعداد المشغولات اليدوية التي تستعمل في الحياة اليومية. مهنة (السفافة) على سبيل المثال تقوم على خوص النخيل وتعد من الأشغال اليدوية النسوية، حيث ينظف الخوص ويشرخ وتصبغ كل كمية منه بلون وينقع بعد ذلك في الماء لتليينه وتسهيل جدله، وتجدل النسوة من هذا الخوص جدائل يتم تشكيلها مع بعضها، وتشذب بقص الزوائد منها لتصبح (سفة) جاهزة لتصنيع العديد من الأدوات كالسلة والمهفة والمشب والجراب والحصير وغيرها من الأدوات التي تسهل حفظ الطعام وتبريده وتخزينه بعيدا عن الحشرات. ويفضل عبد الله صناعة الجفير نظرا لأن إعداده يتطلب جهدا وتركيزا مضاعفين بسبب حجمه الكبير نسبيا والتداخل الدقيق في ألوانه، والجفير عبارة عن سلة مصنوعة من خوص النخيل ليستخدمها أهل البحر في حمل الأسماك، فيما يحمل فيها أهل البر رطبهم، إلى جانب حمل المشتريات من السوق. وتبدأ صناعة الجفير من القاعدة المسماة (بالبدوة) نظرا لبداية الخياطة منها، وتستمر الخياطة بشكل دائري حلزوني باستخدام خوص النخيل الأخضر حتى يصل ارتفاع الجفير إلى قرابة الذراع، بعدها يتم تعصيمه أي تركيب معصمين أو عروتين له لتسهيل حمله، وان زاد الارتفاع عن الذراع سمي الجفير (مزماة). ويوضح عبدالله منصور إلى أنه على الرغم من أن بعض أبنائه وبناته لا يزالون يدرسون في المدارس والكليات غير أنه في حاجة لأن يتعلموا كذلك الكثير حول ماضيهم وتاريخ بلادهم ومن بينها المشغولات والمهن اليدوية التي يتقن أبنائه اليوم بعضها، فهو كما ورثها من أبيه وجده يريد ان يورثها بدوره لأبنائه وأحفاده، انطلاقا من إيمانه الراسخ بأن التراث كنز ثمين يتوجب المحافظة عليه تماما إلى جانب حرص الجيل الجديد على الإلمام بأهم مهارات العصر وفنونه التكنولوجية. فعاليات تراثية ويشيد عبدالله بمستوى وزخم الفعاليات والأحداث التي تعنى بالتراث والموروث الشعبي التي تنظمها الدولة بصورة عامة ودبي بصورة خاصة بشكل مستمر ضمن فعاليات مهرجان دبي للتسوق، ومفاجآت صيف دبي، وتصب في الوقت نفسه في إطار الجهود المبذولة في سبيل تعريف جيل اليوم بحقيقة تاريخه وماضي أجداده.