لم يكن نجما وسيما ولم يدرس التمثيل في معاهد متخصصة ومع ذلك نجح في امتلاك حب الجمهور بموهبته الفطرية وأدائه المتمكن وحسه الكوميدي البعيد عن الاستظراف والمبالغة .. إنه الفنان رياض القصبجي أو الشاويش عطية.. تلك الشخصية التي قدمها في سلسلة أفلام إسماعيل يس وارتبطت به لدرجة أن الكثيرين لا يعرفون اسمه الحقيقي ولا يتذكرونه سوى بتلك الشخصية الكوميدية. كمساري سكة حديد نشأ رياض القصبجي في إحدى قرى محافظة سوهاج في أسرة متوسطة الحال ولم يلتحق بالمدارس حيث عمل محصلًا "كمساري" في السكة الحديد ولكنه كان عاشقًا للتمثيل لذا التحق بفرقة التمثيل بالسكة الحديد واشترك في العروض التي تقدمها الفرقة وبعد فترة بدأ يظهر بشكل كبير نظرًا لبراعته في التمثيل عن باقي أفراد الفرقة. النجاح الذي حققه القصبجي شجعه على اتخاذ قرار خطير في حياته وهو الاستقالة من عمله واحتراف التمثيل فجاء للقاهرة ليبدأ مشواره الفني وكانت البداية من خلال مسارح روض الفرج وهناك تعرف على الفنان محمود شكوكو الذي حاول مساعدته فقدمه للفنان علي الكسار الذي ضمه لفرقته المسرحية كما انضم لفرق مسرحية آخرى مثل فرقة أحمد الشامي و جورج أبيض وكان ظهوره مع تلك الفرق لا يتعدى دقائق أو مشهدًا في مسرحية. علي الكسار بدأ رياض القصبجي مشواره السينمائي في منتصف الثلاثينات من القرن الماضي من خلال فيلم اليد السوداء الذي عرض عام 1936 ولعب فيه دور البواب الشرير الذي تحوم حوله الشبهات بقتل أحد الأثرياء وفي نفس العام قدم ثلاثة أفلام آخرى هم الأبيض والأسود ووداد والعسكري. شارك في فيلم سلامة في خير مع نجيب الريحاني ثم قدمه علي الكسار في مجموعة من أفلامه منها نور الدين والبحارة الثلاثة و سلفني 3 جنيه و علي بابا والأربعين حرامي الذي قدم فيه دور حافظ شعلان رئيس العصابة. ومن أفلامه التي قدمها في تلك الفترة أيضا ليلى بنت مدارس و ليلى بنت الأغنياء و قلبي دليلي وأبو حلموس وأحمر شفايف وأمير الدهاء و الواجب الذي جسد فيه دور "أبو الدبل" زعيم العصابة وهو أقرب أدواره لقلبه كما صرح في إحدى حواراته بالإضافة لفيلم ريا وسكينة وقدم فيه شخصية "حسب الله" وغيرها من الأفلام التي قدم فيها دور الرجل الشرير أو زعيم العصابة أو أحد أفرادها حيث ساعدته ملامحه الشكلية على تجسيد هذا النمط من الأدوار، فكان يمتاز بضخامة الجسم، والطول الفارع بالإضافة لحدة ملامحه ونظرة عينيه التي تثير الرعب مما جعل المخرجين يحصرونه في الأدوار الشريرة. فطين عبد الوهاب لم يحاول المخرجين الذين تعامل معهم رياض القصبجي تقديمه في طبيعة أدوار مختلفة عن الأدوار الشريرة خاصة مع نجاحه في تجسيدها ببراعة شديدة حتى جاء المخرج فطين عبد الوهاب الذي قدمه بشكل مختلف من خلال شخصية الشاويش عطية التي قدمها في سلسلة الأفلام التي حملت اسم إسماعيل يس حيث أدرك المخرج الذي يتميز بحسه الكوميدي، أن القصبجي يمتلك موهبة كوميدية لم يستغلها أحد من المخرجين. https:// وعلى الرغم من نجومية إسماعيل يس الكبيرة وقدرته على انتزاع الضحكات إلا أن القصبجي لم يقل عنه وشكل معه دويتو كوميدي لا ينسى وحتى الآن لانزال نتذكر الإفيهات الكوميدية التي قالها الشاويش عطية فى في تلك الأفلام وخاصة فيلم إسماعيل يس في الأسطول عندما كان يقول لإسماعيل يس " بروروم شغلتك على المدفع بروروم" أو جملته الشهيرة " هو بعينه بغباوته بوشه العكر". وغيرها من الإفيهات التي لانزال نرددها حتى الآن ونضحك عليها كل مرة ومن المفارقات الكوميدية في هذا الفيلم أنه أثناء تصوير بعض المشاهد التي جمعت بين إسماعيل يس والقصبجي لم يستطع الفنان أحمد رمزي أن يمنع نفسه من الضحك مما اضطر فطين عبدالوهاب لإعادة المشاهد أكثر من مرة ورغم ذلك لم يستطع أحمد رمزي التوقف عن الضحك فقام في النهاية بتصوير تلك المشاهد وأحمد رمزي يضحك فيها. https:// ولم يقتصر تعاون رياض القصبجي وإسماعيل يس على تلك السلسلة من الأفلام التي تحمل اسم إسماعيل يس حيث استعان به سمعة في أفلام آخرى منها ليلة الدخلة و الآنسة حنفي و لوكاندة المفاجآت و ابن حميدو. 9 زيجات مثلما كانت حياة الفنان رياض القصبجي مليئة بالأفلام الكثيرة التي وصل عددها ل150 فيلمًا كانت أيضا عامرة بالزيجات المتعددة التي وصلت لتسع زيجات حسب رواية ابنه فتحي، الذي ذكر أن والده تزوج 4 مرات بشكل رسمي و5 مرات بشكل عرفي منهم فتاة بدوية أثناء تمثيله فيلم عنتر وعبلة. أنجب رياض القصبجي 3 أبناء الأول محمود من زوجته الأولى ثم ابنة من زوجة إيطالية تزوجها لمدة سنة ثم انفصل عنها فعادت لبلادها وأنجبت ابنته هناك ولكنه لم يعرف عنها شيئًا، أما ابنه الأصغر فتحي فأنجبه من زوجته الأخيرة التي ظلت معه 18 سنة حتى وفاته. أم كلثوم تعرض القصبجي في نهاية الخمسينات لمحنة شديدة ففي إحدى ليالي أكتوبر عام 1959 كان جالسًا في منزله يستمع إلى إحدى أغنيات كوكب الشرق أم كلثوم التي كان يعشقها وفجأة سقط على الأرض فنقلته أسرته لإحدي المستشفيات وشخص الأطباء حالته بأنه أصيب بشلل نصفي في الجانب الأيسر نتيجة ارتفاع مفاجىء قي ضغط الدم ولم تكن إصابته بالشلل الأزمة الوحيدة التي عانى منها فالمعاناة الأكبر كانت في عدم قدرته على توفير نفقات العلاج فساعده في تلك المحنة الفنان محمود المليجي والمنتج جمال الليثي والمخرج فطين عبدالوهاب الذين جمعوا له أموال من العديد من الفنانين والعاملين بالوسط الفني لمساعدته على تخطي تلك الأزمة وإذا كان وقوف الفنانين بجانبه ساهم في تحسن حالته إلا أن هناك أشياء آخرى ساعدته على رفع روحه المعنوية منها خطاب وصل إليه من عامل بالإسكندرية قال له أنه يتقاضى 16 قرش في اليوم وأنه على استعداد لأن يتنازل عن نصف راتبه حتى يمن الله عليه بالشفاء. بدأ رياض القصبجي يتماثل للشفاء بشكل تدريجي وسعى للعودة للتمثيل مرة ثانية وبالفعل اشترك في بعض الأفلام بمشاهد قليلة، مثل العتبة الخضراء و حب في حب، وكان آخر أفلامه انسى الدنيا مع شادية وإسماعيل يس. سهرة الوداع لم يمر عام على هذه الواقعة حتى جاءت النهاية يوم 23 أبريل 1963 رحل الفنان رياض القصبجي بعد أن قضى سهرة الوداع مع عائلته واستمع إلى أم كلثوم عبر الإذاعة فلم تنتهِ فصول القصة المأساوية بموت رياض القصبجي حيث لم تجد أسرته ما يغطي تكاليف جنازته وظل جسده مسجى في فراشه ينتظر تكاليف جنازته ودفنه حتى تكفل بها المنتج جمال الليثي. وهكذا جاءت نهاية الفنان الجميل رياض القصبجي أو الشاويش عطية الذي امتلك موهبة فطرية ولكنه لم يأخذ المكانة التي يستحقها في حياته وإن كان حصل عليها عقب وفاته، من خلال حب الجمهور الذي يستمتع بمتابعة أعماله كلما عرضت على شاشة التليفزيون.