مع مرور الوقت تتفاقم الأوضاع الأمريكية في العراق وقد واجهت واشنطن عاصفة جديدة تهدد علاقتها الوثيقة بأنقره التي تعد من أهم حلفائها والسبب الأكراد والأرمن.. وقبل زيارته لواشنطن خلال ايام اتهم رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا الولاياتالمتحدة بالتلاعب السياسي الرخيص والافتقار للحكمة السياسية بل هدد باتخاذ اجراءات انتقامية ضد الادارة الامريكية.فهل يعني ذلك بدء مرحلة الضرب تحت الحزام؟ وهل ستقوم انقرة بتنفيذ تهديدها لواشنطن باغلاق قاعدة انجرليلك التي تستخدمها القوات الامريكية لتموين وامداد القوات الامريكية في العراق وافغانستان؟ وهل تنوي تركيا اغلاق مجالها الجوي امام الطائرات العسكرية الامريكية؟ سبب هذا الغضب العارم من جانب تركيا يرجع الي قيام الكونجرس الامريكي بالاعداد للتصويت علي مشروع قرار يقضي باعتبار ما وقع للأرمن علي ايدي الاتراك اثناء الحرب العالمية الأولي عملا من اعمال الابادة الجماعية. وتجدر الاشارة إلي ان الجالية الارمنية التي تعيش في الولاياتالمتحدة جالية قوية لها نشاطها السياسي وتأثيرها وبالتالي فهي تسعي كل عام الي دفع الكونجرس الي استصدار قرار بشأن اعتبار مذابح الارمن عملية ابادة جماعية إلا ان القرار يطرح جانبا بعد مرور مرحلة الانتخابات وهي فترة المساومة علي استصدار القرارات مثل القرار الذي صدر منذ عامين باعتباره معاداة السامية جريمة يعاقب عليها القانون الذي يمنع كراهية الغير ولكن الجدية هذا العام هو قيام اللوبي الاسرائيلي بمساندة اللوبي الارمني في الدفع بهذا القرار الذي تصر نانسي بيلوسي زعيمة الاغلبية في مجلس النواب علي طرحه للتصويت في بداية الشهر القادم. وقد قامت تركيا في الاسبوع الماضي باستدعاء سفيرها لدي واشنطن للتشاور أي ان الوضع في سبيله الي التدهور وعلي الرغم من محاولات احتواء الازمة من جانب الادارة الامريكية فان الاغلبية الديمقراطية في الكونجرس لا يهمها في هذه المرحلة الا زيادة متاعب البيت الابيض ومشاكله. واستعدادا لتفاقم الوضع فيما بين تركيا والولاياتالمتحدة قامت وزارة الدفاع الامريكية باعداد خطط بديلة لاستخدام التسهيلات المتاحة في الاردن والكويت لاستمرار الامدادات للقوات الامريكية في العراق. ومن جهة اخري وجدت واشنطن نفسها في مأزق آخر فيما بين تركيا والعراق حيث حصلت الحكومة التركية علي موافقة البرلمان التركي بالقيام بعمليات لمطاردة حزب العمال الكردستاني الذي يسعي الي انشاء دولة كردية مستقلة في جنوب شرق تركيا. ويعتبر حزب العمال الكردستاني في نظر تركيا والولاياتالمتحدة والاتحاد الاوربي منظمة ارهابية حيث يقوم الحزب من وقت لآخر بشن هجمات ارهابية علي تركيا كان آخرها الحادث الذي وقع منذ اسبوعين والذي راح ضحيته 13 من جنود الجيش التركي. وتزايد التوتر عندما اعلنت تركيا هذا الاسبوع عزمها علي القيام بعملية توغل في كردستان العراق بعد ان قامت انقرة بنشر 60 ألف جندي علي الحدود العراقية.. وطالبت واشنطن بضبط النفس واشارت الي انه لا يوجد اي دليل علي اي تحركات عسكرية تركية.. وعلي الرغم من ان واشنطن اوضحت بصورة غير مباشرة انها تحذر تركيا فإن انقرة تري ان من حقها حماية نفسها وحماية مواطنيها.. وهذا الاجراء التركي بالمناسبة هو نفس الاسلوب الذي اعلنته واشنطن عن حق القوات الامريكية في اقتحام اراضي الغير دون وضع اي اعتبار لسيادة الدول في اطار الدفاع عن مصالحها ومكافحة الارهاب. ومن المعروف ان تركيا في مقدمة دول الجوار التي تسعي للاستجابة لدعوة التحالف الامريكي الغربي لمساعدة العراق بل ومن المقرر ان تستضيف اسطنبول مؤتمرا تنفيذيا حول ذلك بعد اسبوعين. ويزداد الوضع الامريكي تعقيدا حيث تشير معلومات الي وجود قاعدة للجيش التركي منذ عام 1997 في مقر تابع للجيش العراقي السابق في بلدة بامر في شمال شرق دهوك بها آليات مدرعة وعدد كبير من الجنود.. وهذه الوحدات تتمركز علي بعد نحو ثلاثين كيلومترا في عمق الاراضي العراقية وانها موجودة هناك في اطار اتفاق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني وهو الحزب الذي يحظي بتأييد تركيا. وهكذا تجد واشنطن نفسها مرة أخري في وضع لا تحسد عليه فهي لا تريد اغضاب تركيا حليفتها الوثيقة ولكنها في نفس الوقت لا تريد لأنقرة ان تزعزع استقرار شمال العراق وأكراده الذين قدموا العون الكبير للقوات الامريكية عند اجتياح العراق من قبل قوات التحالف الغربية بقيادة الولاياتالمتحدة.