لعدة قرون، كبار رجال الأعمال المغامرين فى العالم ، راودهم حلم ببناء قناة تربط بين المحيطين الهادئ والأطلسي عبر اراضى نيكاراجوا لركوب طفرة التجارة الدولية و نيل ثروات جديدة. لكن حتى الآن، اجبر جميع القادمين إلى اراض نيكاراجوا على الاعتراف بالهزيمة عندما واجهوا التحدي الهائل لبناء مجرى بحرى من صنع الإنسان وسط الغابات الجبلية الكثيفة الوعرة . لكن الآن، هذا الحلم جذب أمل جديد، وهذه المرة من الجانب الآخر من العالم ، من الصين حيث قامت شركة صينية مقرها هونج كونج بتاسيس شركة للتنمية والاستثمار المحدودة، مشاركة مع حكومة نيكاراجوا لاقامة مشروع القناة الضخم المقرر ان يستغرق اتمام حفرها و تشغيلها نحو 11 عاما ، بتكلفة تتعدى 40 مليار دولار وتتطلب حفر نحو 130 ميلا (200 كيلومترا) من الممر المائي. و يسعى رئيس نيكاراجوا دانيال أورتيغا في الحصول على الموافقة على الخطط الصينية لبناء القناة من الكونجرس هذا الأسبوع ، وتخطط الحكومة لمنح الشركة الصينية امتياز لمدة 100 سنة.. و المشروع ينال تاييد كبير من أنصار القناة الذين يرون ان المجرى المائي العالمى الجديد يمكن أن يخلق 40،000 وظيفة و مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد و سيحول شكل الحياة فى البلاد التى تعد واحدة من أفقر البلدان في أمريكا اللاتينية. ويقول زعيم الكونجرس رينيه نونيز، وهو من المؤيدين لأورتيجا " ان المشروع مهم جدا بالنسبة للبلد، وهذا هو السبب فى اعطائه أولوية عاجلة للمناقشة هذا الاسبوع ".. ياتى هذا فيما حاولت المعارضة الساندينية ابطاء النقاش من خلال المطالبة بمزيد من المعلومات حول المطورين الصينين ، بينما غيرهم من المنتقدين يشككون فى جدوى خطة حفر قناة تبعد بضع مئات من الأميال إلى الشمال الغربي من بنما قناة. و كما كانت قناة بنما مثال واضح على تزايد قوة الولاياتالمتحدة في بداية القرن 20، تعد قناة نيكاراجوا مثال على تعاظم قوى للقوة الصينية و نفوذها المالي في جميع أنحاء العالم.. و لا ننسى ايضا ان شركة صينية اخرى ومقرها هونج كونج هى من تقوم بتشغيل مرافق الميناء على طرفي قناة بنما. وبناء قناة نيكاراجوا قد يعد ايذانا بانحسار النفوذ الامريكى بالمنطقة الذى يعود تاريخه إلى القرن 19 عندما فازت شركة الصناعى الامريكي الكبير كورنيليوس فاندربيلت بحق بناء الممر المائي ولكنه تخلى عنه وسط الاضطرابات السياسية. و يتسائل الكثيرون ما إذا كانت أمريكا الوسطى تحتاج الى اثنين من القنوات، حتى في عصر التجارة العالمية المتنامية علما بان واشنطن كانت و قد سبق لها دراسة مشروع بناء قناة في نيكاراجوا قبل ان تستقر على بناء قناة تمر عبر اراضى بنما. و يقول إدواردو لوغو ، وهو مستشار بنمي من الذين عكفوا على حسابات حركة الطلب العالمى لاجل توسيع قناة بنما الجارية " أربعون مليار دولار هو مبلغ مرتفع للغاية، وبناء على تجربتي ودراسات قمنا بها على تدفقات التجارة العالمية، وكمية حركة المرور ، فانه لاحاجة الان لمشروع بهذا الحجم الان ، كذلك ان زيادة طول القناة المقترح ، من شأنه أن يجعل المشروع أقل قدرة على المنافسة". بينما يرى جيسون بيتنر، مدير مركز لبحوث النقل الحضري في جامعة جنوب فلوريدا، انه و ربما يكون هناك طلب متزايد بحلول موعد الانتهاء من مشروع نيكاراجوا. ومع ذلك، فإن أي وجود ممر مائي جديد سيتكامل مع قناة بنما و مع الجسر البري القائم من شبكات السكك الحديدية التي تربط موانئ الساحل الغربي للولايات المتحدة مع الساحل الشرقي. و اضاف جيسون بيتنر " لا أتوقع أن يكون هناك أي انخفاض فى الطلب على التجارة بين الشركاء التجاريين العالمين، فى شرق آسيا وشرق الولاياتالمتحدةالأمريكية ، و سوف تكون لدينا تجارة كبيرة" . اما عن الصعوبات التى تواجهه مشروع حفر قناة نيكاراجوا ، فنجد ان العثور على عدد كاف من الزبائن قد يكون أقل مخاوف الشركة الصينية التى ستعمل في بلد لا يملك طريق معبد يربط بين المحيط الهادئ والسواحل الأطلسية. و على سبيل المثال، فإن هناك الكثير من المياه فى نيكاراجوا وهي مخصصة للاستخدام البشري، وأنهاره الخصبة هي أيضا حساسة بيئيا ، و ليس من السهل التعامل مع هذه المجاري المائية أو اقامة سد لتوفير المياه لتشغيل القناة و هذه مشاكل لم تواجه بنما حينما شرعت فى حقر قناتها . في الإصدار السابق لمشروع قناة نيكاراجوا الذى قدم في عام 2006، اعترف المروجين بانهم على الارجح سيضطرون لبناء بعض السدود، وربما على نهر حساس مثل نهر سان خوان، الذي يمتد على طول الحدود مع كوستاريكا .. حيث إن البنائين قد قرروا تقليل عمليات الحفر عن طريق توجيه القناة من خلال هذا النهر، و ذلك وفقا لبيان 2012 من قبل شركة هولندية تم التعاقد معها للقيام بأعمال الدراسات الفنية. في عام 2011، كادت ان تدخل نيكاراجوا وكوستاريكا فى مواجهة مسلحة خلال تجريف نيكاراجوا للنهر من اجل تحسين الملاحة ، وقد أمرت محكمة العدل الدولية كلا البلدين بسحب القوات المسلحة من المنطقة. والمشروع بالتأكيد شاق جدا ، و يتطلب 1.7 مليار جالون (6.6 مليون متر مكعب) من المياه يوميا لتشغيل الاقفال المقترحة في نيكاراغوا، ويحتاج لعشرات الملايين من الأطنان من الحفر اللازم لإتمام القناة علما بان قناة بنما، استغرق بنائها 10 سنوات وكلفت أرواح ما يقرب من 5600 عامل. ووفقا لتفاصيل المشروع ، فإن قناة نيكاراجوا يجب أن تكون أكثر من ثلاث مرات أطول من مثيلتها فى بنما، التي تخترق أضيق نقطة في أمريكا الوسطى.