جاءت زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى طهران في الثامن من أغسطس2007 - وهي الذكرى التاسعة لتوقيع معاهدة وقف إطلاق النار بين البلدين في اعقاب حرب الثماني سنوات - قبل حوالي شهر من صدور تقييم الكونجرس الأمريكي حول الوضع في العراق ، لكنها في ذات الوقت جاءت وسط سلسلة من التطورات الهامة التي ستلقي بظلالها على تطورات المشهد العراقي السياسي والإقليمي في الشرق الأوسط. الزيارة التي تعتبر الثانية خلال فترة توليه رئاسة الحكومة العراقية تأتي ظل انقسام داخل الخريطة السياسة العراقية ولا سيما داخل ما يسمى بالجبهة الشيعية. لذا فقد كان المالكي يطمح الى أن تلعب إيران دور الوسيط بين بقايا اللاعبين السياسيين الشيعة في العراق ، من هنا فقد سبق زيارة المالكي وفد من حزب الدعوة والذي يرأسه إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء العراقي السابق ، كما توجه إلى بغداد بعد عودة المالكي الزعيم الشيعي مقتدى الصدر. أن حكومة المالكي التي تواجه خطر الانهيار في ظل انسحاب جبهة التوافق العراقية إضافة إلى وزراء مقتدى الصدر ووزراء القائمة العراقية التي يرأسها رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي ، يطمح الى أن تؤثر إيران على مجموعة وزراء الصدر والحصول على مزيد من الدعم من حزب الدعوة لحكومة المالكي هذا التطور من شأنه أن يضعف تأثير استقالة بقية أعضاء القوائم. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن جهد الوساطة هذا قد يربك جهود إياد علاوي في تأسيس جبهة سياسية عراقية جديدة وممثلة أكثر لأطياف الشعب العراقي ، وهو الأمر الذي يبدو أنه يزعج النخبة السياسية العراقية الحاكمة. إقليميا يبدو أن الحكومة العراقية تواجه تحديا كبيرا مع تركيا التي تريد وقف شامل للهجمات التي يقوم بها الأكراد انطلاقا من شمال العراق ، وهو الامر الذي كاد يدفع إلى مواجهة عسكرية. الزيارة التي قام بها المالكي إلى تركيا لم تحقق النجاح المطلوب خاصة وان زعيم حزب العمال الكردستاني العراقي مسعود البرزاني أظهر أن ما اتفق عليه المالكي مع رجب طيب اردوغان ليس ملزما بالنسبة له وهو الأمر الذي أثار علامات تساؤل على تمثيل الحكومة العراقية للمصالح العراقية في الخارج ، كما ابقى احتمالية قيام تركيا بحملة عسكرية على شمال العراق قائما. المالكي يطمح الى أن تضغط إيران على كل من البرزاني وتركيا في وقف التصعيد وذلك لإعطاء فرصة للحكومة العراقية للقيام بما يلزم لحل الأزمة ، كما يطمح المالكي الى أن تستغل إيران علاقتها المتميزة مع مسعود البرزاني لوقف الإجراءات المتعلقة بقانون النفط الجديد الذي أصدره البرلمان الكردي ، وهو القرار الذي سيجعل كل جهود المصالحة والتقسيم العادل للثروة في العراق في مهب الريح وسيضاعف الضغط على الحكومة العراقية من قبل بقية المشاركين في العملية السياسية العراقية. الزيارة أيضا لم تكن بعيدة عن تطورات المتعلقة بالمحادثات الأمريكيةالإيرانية حول الامن في العراق ، فالمالكي يأمل بتحقيق تقدم في هذه المجال وذلك للرد على من يشكك في جهود حكومته في حل المعضلة الأمنية ، لذلك فإن المالكي ربما يأمل أن تقدم إيران بعض المرونة أملا في تسهيل عمل اللجنة الأمنية المشتركة ، وهو الآمر الذي يقلل من الضغوط الأمريكية على حكومته. هذه الضغوط التي تزداد مع الضغط المتواصل على الإدارة الأمريكية نفسها من قبل الغالبية الديمقراطية والتي كثيرا ما تشكك في الجهود التي تبذلها الحكومة العراقية ، وتطالب الإدارة الأمريكية بالضغط في اتجاه أن تضطلع الحكومة في بغداد بمسؤولياتها وتحويل الصلاحيات الأمنية للقوات العراقية ، وخاصة مع القلق من استهداف القوات الأمريكية بأسلحة ترى الإدارة الأمريكية أنها متقدمة نسبيا وأن مصدرها طهران. إن التطورات المتسارعة فيما يتعلق بالملف العراقي وخاصة تراجع الفرص في التوصل إلى حالة من الوفاق الداخلي تعزز من دور العامل الخارجي سواء جاء هذا الدور من قبل واشنطن أو من قبل إيران. من هنا فان الاجتماع الذي من المنتظر عقده خلال اليومين القادمين ربما يكون الفرصة الأخيرة لحكومة المالكي التي أصبحت تحت ضغوط متزايدة حتى من فبل استراليا التي طالب رئيس وزرائها رئيس الوزراء العراقي ببذل جهود اكبر لتحقيق المصالحة لأنه لا يمكن الاعتماد على حضور القوات الأجنبية إلى ما لا نهاية. إن الجهد الذي يبذله المالكي يلقى صعوبة حقيقية بسبب اختلاف قراءته عن دور القوات الأجنبية عن القراءة الإيرانية ، وهو الأمر الذي حرصت طهران على توضيحه خلال زيارة المالكي بأن المعضلة الأمنية سببها الوجود العسكري الأمريكي ، وهي بذلك تختلف مع القراءة العراقية التي ترى إن بقاء هذه القوات لا زال ضروريا لأمن العراق ، الاختلاف في القراءة هذا سيلقي بظلاله على تطورات الموقف في العراق خلال الفترة القليلة القادمة.