لن تكون 72 ساعة المقبلة عادية في حياة المغاربة والإسبان، بل ستشكل بعض لحظاتها حدثا استثنائيا في تاريخ البلدين، لكونها ستجمع بين أكبر محاكمة لخلية تابعة للقاعدة في أوروبا ومجموعة "الأنصار"، المكونة من مغاربة وجزائريين، التي ينتظر أن يكشف التحقيق مع المتهمين بالانتماء إليها عن ألغاز ما زالت تحيط باعتداءات 16 ماي الإرهابية و11 مارس بسيدي مومن و10 و14 أبريل الماضيين في حي الفرح والقنصلية والمركز اللغوي الأميركيين بالدارالبيضاء. وسيبدأ القضاء الإسباني هذه النسخة الاستثنائية من رحلته القانونية لشل وتقطيع أوصال الخلايا الإرهابية، بمسلسل الاعتقالات الطويل على يد السلطات الأمنية بمدريد، حيث ستشرع المحكمة الوطنية، اليوم الاثنين، في الاستماع إلى المتهمين الستة، من بينهم المغربية فاطمة الزهراء، العقل الإلكتروني ل "الأنصار"، الذين أوقفوا، الأربعاء الماضي، في إقليم برغوس (شمال إسبانيا)، للاشتباه في "استقطابهم مجاهدين وإرسالهم إلى العراق وأفغانستان"، عبر شبكة الإنترنيت وربط علاقة وثيقة مع خلايا أخرى عبر العالم، خاصة في أوروبا. وخضع المعتقلون، طيلة أول أمس السبت، في مركز الشرطة بالعاصمة الإسبانية للاستنطاق على يد مصالح الاستعلامات التابعة للحرس المدني، التي قالت مصادرنا إنها تنسق مع نظيرتها المغربية، في محاولة لإماطة اللثام عن العلاقة المحتملة بين "الأنصار"، التي يتزعمها الجزائري عبد القادر عياشين، وخلايا سلفية في المغرب، في مقدمتها خاصة الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة، المتهمة بالوقوف وراء اعتداءات 16 ماي الإرهابية في الدارالبيضاء. وأفادت مصادر أمنية أن"عياشين على علاقة وطيدة بأحد العقول المدبرة لأحداث البيضاء الإرهابية، وهو بوشعيب ماغادير، الموجود حاليا بأحد السجون المغربية، والمسير السابق لمحل الجزارة بمدينة بورغوس"، الذي انتقلت ملكيته إلى عبد القادر. وذكرت أن هذا المحل تحول إلى "مقر لقاءات المشتبه بهم الستة"، في حين أشارت التحقيقات الأمنية، التي كانت استؤنفت منذ عام، إلى أن عناصر هذه المجموعة "كانوا يجرون لقاءات سرية لتأجيج الرغبة في الجهاد لدى أشخاص يجري استقطابهم، وتدريبهم ليصبحوا إرهابيين، قبل أن يرسلوا إلى أفغانستان والعراق، عن طريق استعمال الرسائل الإلكترونية". وأشارت المصادر إلى أن عياشين استقر ببورغوس منذ 11 سنة، إلا أنه خلال الفترة الأخيرة عرف تغييرا جذريا في سلوكاته وطريقة لباسه، ما يدل على تطرفه الديني، كما دعمت ذلك تصريحات الجيران الذين أقروا أن محل الجزارة كان يبقى مفتوحا إلى ساعات متأخرة من الليل، وكان يدخله ويخرج منه عدد من الأشخاص، خاصة من الشباب. وذكرت مندوبة الحكومة في المدينة أن التحريات ستبقى مفتوحة وأن احتمال حدوث اعتقالات أخرى وارد جدا، مضيفة، خلال ندوة صحفية، عقدتها أول أمس، أن خبراء من الحرس المدني يجرون تحليلات على الوثائق والأجهزة الإلكترونية المحتجزة في مقر المعتقلين الستة. وحسب ما أكدته وزارة الداخلية، فإن عياشين، الذي يواجه حكما بالإعدام لتورطه في أحداث 16 ماي 2003، كان يجمع، خلال السنوات الأخيرة، أموال الزكاة من المهاجرين ويوزعها على المتورطين في اعتداءات البيضاء الإرهابية، بدل منحها للمحتاجين، مضيفة أنه سبق له أن سافر إلى سوريا والسعودية وأسفر تفتيش الحرس المدني لمنازل المشتبه بهم ومحل الجزارة عن العثور على رسائل دعاة متطرفين يدعون إلى "الحرب المقدسة"، وصور لأسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي والشيخ عمر عبد الرحمن وأيمن الظواهري، إضافة إلى أشرطة فيديو تصور كيفية استعمال الأسلحة وصناعة المتفجرات وكانت مصادر بالوزارة المذكورة أوضحت أن التحقيق في هذه القضية جاء بالاعتماد على التعاون مع أجهزة استخبارات دول أخرى، منها السويد والدانمارك والولايات المتحدة الأميركية". غير أن ما تحمله هذه الجلسة لن يكون أكثر أهمية مما تخفيه 48 ساعة التي تأتي بعدها سواء للمغاربة أو الإسبان، الذين سيكونون، بعد غد الأربعاء، على موعد مع طي الصفحة الأخيرة من ملف اعتداءات 11 مارس الدامية في مدريد، بعد أن ينطق قاضي الهيئة الوطنية بالأحكام النهائية في هذه القضية، حسب ما أكدته مصادر قضائية. ويتابع في هذا الملف 28 متهما، من بينهم 13 مغربيا، توزع التهم الموجهة إليهم بين "التأطير الفكري"للاعتداءات، و»الانتساب إلى تنظيم إرهابي"، وتوفير "الدعم المادي". وشغل التقرير القضائي، الخاص بتفاصيل التحقيق ونتائجه، حوالي 93 ألف صفحة، وجه فيه قاضي المحكمة الوطنية خوان دي إلمو مجموعة من التهم، على رأسها وقوف"الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة" وراء اعتداءات 11 مارس بمدريد التي أدت إلى مقتل 190 شخصا، وأكثر من 1700 جريح .