بعد العمليات العسكرية والمصادمات الأخيرة التي وقعت وما زالت تقع في أفغانستان بدأت تظهر علي الساحة تساؤلات جريئة حول عودة طالبان بالفعل علي الساحة الافغانية بعد فترة غياب دامت نحو أربع سنوات. وزادت تلك التساؤلات مع تكرار سقوط الضحايا المدنيين من وقت لآخر بأيدي القوات الدولية وكذلك عودة العمليات الانتحارية مرفقة باتهامات من قوات حلف شمال الأطلنطي( الناتو) لطالبان بأنها تجند أطفالا وتستغلهم في تنفيذ هذه الهجمات. والحقيقة أن أول ظهور لقوة حركة طالبان في الآونة الأخيرة كان من خلال العملية الانتحارية التي استهدفت قاعدة باجرام العسكرية الأمريكية الشهيرة في أفغانستان التي جاءت متزامنة مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني للقاعدة العسكرية ولولا سوء التقدير لتمكن هذا الهجوم من إحداث كارثة لقد دلت هذه العملية علي أن الحركة المخلوعة ما زالت تحتفظ بوجود فعلي علي الأرض في أفغانستان وتنفيذها في هذا التوقيت أثبت أن للحركة عيونها في جميع الأماكن المهمة في البلاد وأنها تستطيع اختراق الكثير من التدابير الأمنية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد ذكرت صحيفة' ديلي تليجراف' البريطانية في تقرير لها أن عناصر طالبان وتنظيم القاعدة نجحوا في فتح جبهة جديدة للقتال علي الحدود الشرقية الأفغانية حيث أعادت طالبان فرض سيطرتها علي جبال تورا بورا شرقي البلاد ويؤكد مسئولون غربيون وأفغانيون أن عناصر طالبان- بدعم من تنظيم القاعدة- أعادوا فرض سيطرتهم وقوانينهم علي المنطقة وأن الضربة التي تلقتها بمقتل الملا داد الله القائد العسكري لطالبان لم تحدث كثيرا من التأثير في صفوف الحركة. وهنا يتبادر الي الذهن سؤال مهم هو: كيف تمكنت طالبان من الحفاظ علي عناصر قوتها وتجميعها رغم ما تعرضت له من ضربات قاصمة خلال السنوات الأخيرة؟ إجابة السؤال يتمثل في معرفة العناصر المهمة التي ترتكز عليها الحركة للاستمرار في الوجود علي الساحة الأفغانية فالحقيقة تشير إلي إن الحياة اليومية في القري الأفغانية والمناطق القبلية تسير علي النمط الطالباني والجزء الوحيد من أفغانستان الذي يمكن وصفه ب'المتحرر' أو' الحضري' هي منطقة العاصمة كابول التي تسيطر عليها القوات الأفغانية وحكومة حامد كرزاي وهو ما يجعل للحركة وجودا كبيرا علي الساحة الأفغانية الأكثر تأثيرا علي الحياة السياسية والأمنية وثمة عامل آخر لو ثبتت صحته لصب بالفعل في مصلحة طالبان,وهو الاتهامات الأمريكية بأن إيران تسلح حركة طالبان حاليا, وأن الحركة بدأت منذ الربيع الماضي في انتهاج أساليب مشابهة لتلك التي تستخدمها الجماعات المسلحة في العراق. فعلي الرغم من عدم وجود دليل مستقل حتي الآن علي صحة هذه الاتهامات فإن ذلك يمكن أن يجيب علي التساؤل السابق وأن يفسر حالة الشراسة التي ظهرت عليها هجمات طالبان أخيرا. أما العامل الثالث فيتمثل في أن الحكومة المركزية الأفغانية أصبحت ضعيفة جدا في الشارع, حيث تمزقها الخلافات من آن إلي آخر وتصاعد العنف بشكل كبير أصبح يهزها بشدة أكبر ولم تتعد سيطرة السلطات الأفغانية سواء من جيش أو شرطة سوي علي العاصمة كابول فقط وهو ما يعني أن الرئيس كرزاي مجرد رئيس لكابول أما باقي الأراضي الأفغانية فهي خارجة عن سيطرته الأمر الذي يسهل علي طالبان تجنيد عناصر لها في أي مكان في أفغانستان وكذلك استهداف أي معسكرات أو منشآت أخري. وعلاوة علي ذلك توجد أيضا خلافات تحت السطح بين كرزاي والجانب الأمريكي العامل الرابع أشار إليه عدد من المختصين في الشئون الأفغانية حيث أكدوا أن محاولة واشنطن وحلفائها تغيير تقاليد وعادات الشعب وتطوير التعليم وفقا لأساليب غربية ودعوة النساء الأفغانيات إلي ارتداء الملابس الأكثر تحررا وما واكب ذلك من مظاهر سلبية أخري مثل انتشار الأفلام الخليعة والمخدرات والمشروبات الكحولية وغير ذلك من المظاهر السلبية التي لا تليق بالمجتمع الأفغاني المحافظ أدي إلي تأجيج ثورة رفض شعبية حتي من جانب الأفغان الذين كانوا يناهضون حركة طالبان لأسباب سياسية أو عرقية. وطالبان أصبحت تلعب علي هذه الورقة بنجاح شديد مستغلة سوء الأوضاع الأخري في البلاد بوجه عام.