برزت تركيا وروسيا والنرويج كوسطاء سريين محتملين لاتصالات تجري بين سورية واسرائيل لمفاوضات سلام محتملة بين الجانبين بينما استبعد مصدر في دمشق على اطلاع بطريقة تفكير القيادة السورية ان تكون قطر هي الوسيط رغم علاقاتها القوية مع دمشق والتي انعكست في موقفها المتحفظ في تصويت مجلس الامن الاخير على قرار تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بقتلة رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري والتي تتخذ ايضا دمشق موقفا سلبيا منها. وقال المصدر انه لا يوجد طرف عربي مؤهل للعب هذا الدور الذي لا بد ان يلعبه طرف دولي مؤثر على حد قوله. وقد فتحت امس بورصة تكهنات حول دولة ثالثة تثق فيها دمشق جدا وتجري اتصالات حاليا بعدما اشار الرئيس السوري بشار الاسد في خطابه امس الى طرف ثالث لم يسمه «ونثق فيه يعمل على تقريب وجهات النظر لتحريك عملية السلام بين الاسرائيليين والسوريين. وأضاف ان الطرف الثالث قام باتصالات في الاسابيع الاخيرة مشيرا الى احتمال ان ترسل سورية موفدا الى هذه الدولة التي تقوم بدور الوسيط. وقال الاسد «ابعد شيء يمكن ان نصل له هو ان نلتقي في هذه الدولة الوسيطة اذا كانوا يريدون التواصل، لكن لن نقوم بأكثر وعندها سنشرح للشعب السوري صراحة ما يجري بالخطوط العامة لنعطيكم التفاصيل لاحقا». وبينما رجح مصدر مطلع في واشنطن ان تكون هذه الدولة الوسيطة التي تجري اتصالات هي تركيا أثارت تصريحات الأسد اهتماما بالغا في اسرائيل، أمس، وراح السياسيون والإعلاميون يخمنون الجهة التي قال الأسد أنها تحظى بثقته في الوساطة بين اسرائيل وسورية. وقال البعض ان الحديث يجري، كما يبدو، عن النرويج التي كانت قد احتضنت المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية السرية في العام 1993 والتي اسفرت في نهاية المطاف عن اتفاقات أوسلو. إلا أن مصدرا آخر أعرب عن اعتقاده بأن تركيا هي الجهة التي بدأت الوساطة السورية الاسرائيلية خلال الحرب الأخيرة على لبنان حيث ان وزير الخارجية التركي، عبد الله غل، قام بزيارة الى اسرائيل والى سورية وعرض ان تكون بلاده ساحة لمفاوضات مباشرة بين الطرفين لإزالة التوتر الذي نشأ في حينه على خلفية الاتجاه لتوسيع رقعة الحرب. والمعروف لنا أن شخصيتين أميركيتين تدخلتا لإجراء اتصالات بين دمشق وتل أبيب في السنتين الأخيرتين الأولى كانت اتصالاتها علنية والثانية بقيت سرية حتى هذه اللحظة. وأما العلنية فهي تلك التي أجراها من الطرف الاسرائيلي د. ألون لئيل، المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية، ومن الطرف السوري ابراهيم (ايف) سليمان وهو مواطن أميركي من أصل سوري قال انه يدير المحادثات بمعرفة ورضى الرئيس الأسد. ومع ان لئيل أكد انه يدير المفاوضات بمعرفة وزارة الخارجية الاسرائيلية فقد حرصت الحكومة الاسرائيلية على نفي ذلك وأعلنت انها لا تعرف شيئا عنها. وكذلك أعلنت سورية في حينه بأن سليمان لا يمثل الحكومة السورية ووفقا لمعلومات «الشرق الاوسط» فإن هذه المحادثات لم تتوقف حتى الآن بل انها أسفرت عن قيام لوبي كبير في اسرائيل يمارس الضغط الجماهيري على الحكومة حتى تتجاوب مع الدعوة السورية لاستئناف مفاوضات السلام بينهما. وأما الوسيط الاميركي الآخر فهو ادوارد جرجيان، أحد الدبلوماسيين الأميركيين البارزين في إدارة الرئيس بيل كلينتون، والذي عرفه السوريون عندما كان سفيرا للولايات المتحدة في دمشق. وتعقيبا على خطاب الاسد امس قال متحدث باسم الخارجية الاسرائيلية مارك رجيف ان المشكلة مع سورية هي انه لديها علاقة شراكة استراتيجية مع ايران وانها الدولة العربية الوحيدة التي ترتبط بعلاقات هيكلية مع منظمات متطرفة مثل حماس والجهاد وحزب الله. وقال المتحدث انه من الصعب جدا اعتبار القيادة السورية شريكا موثوقا في مباحثات سلام. لكن الكثير من المسؤولين والسياسيين الاسرائيليين اعربوا صراحة في الفترة الاخيرة عن تشجيعهم لفتح مفاوضات سلام مع سورية في ضوء دعوات الاسد باعتبار ان دمشق هي الراعي الأساسي لحزب الله بلبنان وقناة إيصال الصواريخ والأسلحة إليه من إيران. كذلك فإن سورية هي مقر حماس والجهاد الإسلامي وهي توفر حماية لأشخاص قياديين مثل خالد مشعل رئيس مكتب حركة حماس السياسي ومساعده موسى أبو مرزوق وهم يشيرون الى ان السلام مع سورية يمكن أن يحل المشاكل على ثلاث جبهات بما في ذلك ايقاف دعم الأسد للمتطرفين الفلسطينيين وحزب الله. في دمشق استبعد مصدر مقرب من الرئاسة السورية اتصلت به «الشرق الاوسط» هاتفيا أن يكون الطرف الثالث الذي يمكن أن تجري سورية من خلاله مفاوضات مع إسرائيل طرفاً عربياً وقال إنه يمكن أن يكون روسياً أو تركياً ورجح المصدر احتمال أن يكون الطرف الثالث هو روسيا بنسبة 60% مقابل 30 % لتركيا. وعما إذا كان هناك دور لرجل الأعمال الاميركي من أصل سوري كان قد خاض مفاوضات في الأشهر الماضية مع أطراف إسرائيلية حول الجولان، أكد المصدر السوري أن رجل لم يكلفه أحد ولا يمثل إلا نفسه وأضاف أن 90% من القضايا المتعلقة بالجولان قد تم الاتفاق عليها في مفاوضات سورية اسرائيلية جرت بالولاياتالمتحدة برعاية الرئيس الاميركي السابق بل كلينتون، وهو الذي قال إن «السلام بين سورية وإسرائيل لم يعد يحتاج إلا لنصف ساعة». وأوضح المصدر ذاته أن ما ورد في خطاب الاسد يمكن أن يكون إشارة إلى أن الرئيس السوري يريد أن يعرف إذا ما كان لدى إسرائيل إرادة سياسية لإنجاز سلام مع سورية من عدمه. وقد جاءت تصريحات الأسد في خطابه امس لتتوج سلسلة من دبلوماسية رسائل علنية تتبادلها سورية وإسرائيل وبالتحديد الاسد ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت عبر وسائل الاعلام خاصة بعد حرب لبنان لتفادي الانزلاق الى حرب غير محسوبة بين الجانبين، ولمحاولة فتح مفاوضات سلام من جديد بعد التي انهارت في عام 2000. وفي اخر تصريحاته قال اولمرت انه مستعد لمباحثات وجها لوجه مع الاسد حول الجولان, لكنه لم يحدد مقدار الانسحاب الاسائيلي المطروح منها بينما تصر دمشق على انسحاب كامل الى حدود 1967. وكان الرئيس السوري قال في مقابلة نشرتها صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية في وقت سابق ان «كثيرا من الأصوات ترتفع في اسرائيل» للمطالبة بحوار مع دمشق وقال «أقول إذاً لأولمرت: ليقم بمحاولة لرؤية ما اذا كنا نخدع» وردت إسرائيل بان هذا العرض لا يمكن ان يؤخذ على محمل الجد إلا إذا توقفت دمشق عن دعم حزب الله اللبناني وحركة حماس عسكريا بينما نسبت صحيفة «واشنطن بوست» الى وزير خارجية سورية وليد المعلم قوله ان بلاده لا تشترط التزام إسرائيل اعادة الجولان كشرط مسبق للمفاوضات وقال المعلم في هذه المقابلة «ليس هناك من شروط مسبقة أي حوار بناء يجب ان يبدأ بدون شروط مسبقة»، مضيفا في الوقت نفسه ان الهدف لا يزال «استعادة كل الأراضي السورية المحتلة». وضمن إطار دبلوماسية التصريحات قال الاسد في وقت سابق ان الحكومة الاسرائيلية الضعيفة تتعرض لضغوط من الولاياتالمتحدة كي لا تتوصل الى سلام مع سورية يينما قال اولمرت ان الاسد يريد فقط الجلوس مع الاميركيين. لكن اولمرت قال ايضا لوزرائه مع تصاعد حرب التصريحات «ان اسرائيل تريد السلام مع سورية، ولا ترغب في الحرب، ويجب الاحتراس من سيناريو قد يحدث بسبب سوء تفاهم وقد يؤدي الى تدهور الوضع الامني». وتواجه اسرائيل عقبة عدم تحمس واشنطن لمثل هذه المفاوضات في ضوء ملفات مفتوحة اخرى مع سورية في العراق ولبنان والعلاقة مع ايران لكن وزيرة الخارجية الاميركية، كوندوليزا رايس، عقدت لقاء مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم يوم الرابع من مايو (ايار) الحالي على هامش اجتماع جرى في شرم الشيخ حول العراق. ودام ذلك اللقاء نصف ساعة. والسؤال المطروح في اسرائيل هو ما إذا كان الأسد يريد فعلا تحقيق السلام مع إسرائيل مقابل مرتفعات الجولان أم أنه يريد فقط البدء «بعملية السلام» تخرجه من العزلة. ويخشى المسؤولون الاسرائيليون من ان فشل مفاوضات مثل هذه يمكن ان ينتهي بحرب لا سلام.