هل سينجح الفريق الثنائي المكون من أوباما وكيري في إعادة إحياء عملية السلام؟ فبعد عودته من جولته الأخيرة في الشرق الأوسط عقد جون كيري، الذي تولى رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب لسنوات، مؤتمراً صحفياً مع نظيره البريطاني، ويليام هيج، ليعطي انطباعاً بأن قضية السلام لم تتصدر سلم الأولويات في مباحثاته مع هيج! في حين ما قال وزير الخارجية البريطاني إن "على رأس الأجندة كان الشرق الأوسط بما فيه الأهمية التي نوليها لعملية السلام". وعندما تحدث كيري تطرق إلى التجارة وسوريا وإيران، وفي النهاية فقط عرج على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي! وكما لو كان يريد طمأنة الإسرائيليين ويتأكد من أن الرسالة وصلتهم أضاف كيري "إن الرئيس سيزور إسرائيل ليستمع لا ليملي مواقفه، فأنا أريد التشاور فيما الرئيس يريد الإصغاء". ولكن المشاورة والاستماع لا يعنيان أن أوباما وكيري لن يطرحا أفكاراً ولن يبحثا في البدائل، بل إن الرجلين معاً حريصان على التوصل إلى اتفاق، ولابد أن أوباما قد وضع على الأقل مجموعة من المحددات على غرار ما فعله قبله الرئيس الأسبق كلينتون. هذا بالإضافة إلى وجود عدد من الأسباب يجعلنا نعتقد أن أوباما قد يتبنى نهجاً أقل ظهوراً من الناحية الإعلامية، ولكنه أكثر عمقاً من ناحية الجوهر وإن كان بعيداً عن الأضواء، ومن تلك الأسباب أن التأثير السلبي الذي يمارسه اللوبي الإسرائيلي على المنتخبين الأمريكيين قد اختفى اليوم، ولم يعد أوباما قلقاً بشأن فقدان الدعم الأمريكي الضروري لليهود الأمريكيين، في حال سعى إلى فرض موقفه على إسرائيل والضغط عليها، فقد تم انتخابه لولاية ثانية بأغلبية مريحة، وكل ما يريد الآن هو ضمان مكان له في التاريخ. أما السبب الآخر، فهو أن سياسة عدم الظهور الإعلامي لن تحرج الساسة الإسرائيليين الذين يخشون في حالات المواجهة المباشرة مع أمريكا الظهور، وكأنهم يتساهلون بشأن الأمن الإسرائيلي ويقدمون تنازلات لواشنطن. ولعل مما يؤكد هذا الطرح الدروس التي استخلصها أوباما نفسه في ولايته الأولى، ففي تلك المرة، عندما سعى إلى فرض تجميد الاستيطان على نتنياهو ومنع توسع البناء الاستيطاني في الضفة الغربية ليس باعتباره طلباً أمريكياً فقط، بل أيضاً لأنه جزء من الالتزامات الإسرائيلية بموجب خريطة الطريق التي اعتمدتها اللجنة الرباعية وما ينص عليه القانون الدولي، رفض نتنياهو الطلب الأمريكي بأسلوب مستفز، متحدياً أوباما. وكان الدرس الثاني الذي تعلمه أوباما من صدامه مع نتنياهو، عندما اعتبر حدود عام 1967 نقطة الانطلاق في المفاوضات، حينها نظر رئيس الوزراء الإسرائيلي مباشرة في وجه أوباما، مؤكداً أن تلك الحدود لا يمكن الدفاع عنها محاضراً على أوباما داخل البيت الأبيض، ومباشرة بعد ذلك تخلى الرئيس الأمريكي عن محاولاته التوصل إلى سلام في الشرق الأوسط، مفضلاً التركيز على السباق الانتخابي. ولعل خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2010 كان الدليل على ذلك مع دفاعه المستميت عن إسرائيل. أما السبب الآخر الذي يدفعنا للاعتقاد بأن أوباما قد يغير موقفه هذه المرة، فيتمثل في انتفاء الحاجة لتبديد تلك الصورة التي تشكلت حوله من أنه ليس صديقاً لإسرائيل بما يكفي، الأمر الذي دفعه في خطابه خلال السنة الماضية، قبل تأكد انتخابه لولاية ثانية، أمام لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية المعروفة اختصاراً باسم "آيباك" إلى الدفاع عن إسرائيل بشدة ملفتة. وحتى بعد الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة قدم أوباما لإسرائيل أيضاً مساعدات عسكرية كبيرة بشهادة دنيس روس الذي كان المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط طيلة سنوات، وأحد كبار أنصار إسرائيل، الذي قال "ما قام به أوباما تجاه إسرائيل في المجال الأمني يعد أمراً غير مسبوق". وهذا الجهد الذي بذله أوباما لإقناع إسرائيل بأنه صديقها رمم صورته، وأكسبه رصيداً سياسياً يمكن استخدامه اليوم للوصول إلى تسوية للنزاع في الشرق الأوسط. والأمر لا يختلف أيضاً مع كيري الذي أثبت أكثر من مرة تعاطفه الكبير مع إسرائيل، وهنا تكمن المشكلة، إذ في الوقت الذي تروج فيه أمريكا لنفسها، باعتبارها الوسيط النزيه للصراع الفلسطيني الإسرائيلي نجدها تنحاز لطرف دون الآخر. وفيما يدين المسؤولون الأمريكيون باستمرار العنف الفلسطيني يبررون باستمرار أيضاً العنف الإسرائيلي، وذلك على رغم انتهاك إسرائيل الصارخ للقانون الدولي ولقرار مجلس الأمن رقم 242 الذي يرفض حيازة الأراضي عن طريق القوة. وإذا استمر هذا الواقع مهيمناً على عملية السلام، فإننا لن نسمع جديداً خلال زيارة أوباما لإسرائيل عدا تلك الكليشيهات المكرورة التي صيغت من قبل وأعادها الأمريكيون على أسماعنا أكثر من مرة دون تغيير فعلي على أرض الواقع. وربما كان ذلك هو ما توحي به مقالة دنيس روس في "نيويورك تايمز" التي أعاد فيها طرح بعض الاقتراحات المعروفة، مثل تعويض المستوطنين الذين يخلون الضفة الغربية، وينتقلون إلى داخل إسرائيل دون أن يأتي على ذكر الإشكالات الحقيقية المتمثلة في الاحتلال ومصادرة الأراضي، ولا ذكر القانون الدولي الواضح في هذا المجال، والحال أنه بدون اعتراف أوباما وكيري اللذين ستوجهان إلى المنطقة لهذه الحقائق ستبقى عملية السلام مجرد كلام فضفاض وخطاب أجوف تعوزه الإرادة الحقيقية لدفع عجلته نحو الأمام على طريق التسوية. نقلا عن جريدة الاتحاد الإماراتية